التعليم والثقافة هما قاطرتاالتنمية لأى أمة تسعى إلى النهضة والتقدم وخاصة فى هذه المرحلة الصعبة والفارقة فى تاريخ مصر ...... وقبل أن نتكلم عن حال الثقافة اليوم لابد لنا أن نعي دور الثقافة وأهميتها في بناء وتقدم المجتمعات بل هي العمود الفقري في صياغة الحضارة ونحن أحوج ما نكون – في هذه المرحلة الصعبة في حياة أمتنا –إلي تحديد أهدافنا بدقة وتعيين الوسائل التي هي سبيلنا إلي تحقيق التقدم ؛ لأننا نعيش في عالم لا مكان فيه للضعفاء والتقدم هنا بمفهومه الحضاري هو تقدم الوطن والمواطن ؛ إنه القدرة علي المشاركة في المنظومة العالمية والمساهمة بمكان متميز في قطار التفوق العالمي. لكن سؤال الكيفية هو الأصعب دائما ؛فكيف نصل إلي ما نصبو إليه ؟وما هي الوسيلة والآلية التي تمكننا من تحقيق ذلك ؟ لأنه حين يلتبس علي الطبيب تشخيص المرض تتعدد الأدوية ومن ثم تسوء حالة المريض ويصبح الدواء عبئا عليه بدلا من أن يكون عونا له. ونحن لانبنى من فراغ فقد كتب الراحل العظيم طه حسين فى هذا المجال أقصد مجال الثقافة والتعليم كتابا من أهم الكتب التى يمكن الاعتماد عليها وهو " مستقبل الثقافة فى مصر " . لقد ارتبط العميد بمصر ارتباط العاشق بمعشوقته . طه حسين من أهم أركان الأدب والفكر فى مصر فهو باحث وناقد ومبدع وهو أيضا أكاديمى وأستاذ وعميد ورئيس جامعة ووزير ومشارك فى معظم الأحداث السياسية والثقافية فى الفترة التى عاصرها . لقد أسهم فى بناء مصر المدنية الحديثة فهو جسر متين بين الثقافتين العربية والعالمية سواء ثقافة اليونان واللاتين أو الثقافة الفرنسية والغربية بشكل عام . هو صاحب استراتجية فى التنظير للتعليم والثقافة فى مصر ويعتبر كتابه مستقبل الثقافة فى مصر من أروع الكتب فى هذا المجال . لقد كابد طه حسين كثيرا وعانى أكثر من أجل حرية الفكر والإبداع وموقفه فى قضية كتابه الأشهر" فى الشعر الجاهلى" تبلور منهجه الفكرى الذى لايساوم ولايتنازل خوفا أو طمعا لأنه صاحب موقف . وقد نجح طه حسين أن يصنع امتدادا له من خلال تلاميذه وكل من أثر فيهم وتأثروا به سواء داخل الجامعة أو خارجها . هذا الامتداد أيضا صنع وعيا فكريا أثر على أجيال أخرى . والسؤال الذى يطرح نفسه الأن : ماذا كان سيفعل طه حسين لو امتد به العمر وعاصر الفترة التى نعيشها الأن وما يحدث لمصر والمصريين ؟ قد يكون ذلك سؤالا افتراضيا ولكن الهدف من محاولة الإجابة عليه هو تبيان للحالة التى صرنا إليها ؟ مصر من الناحية التاريخية والجغرافية تختلف عن كل بلاد العالم هى أمة استثنائية ودولة لانظير لها وليس ذلك من قبيل التعصب باعتبارها وطنا لنا ولكنها حقيقة تكلم عنها المفكرون وتحدث بها الزعماء والسياسيون . وقد أدرك طه حسين ذلك منذ أن وعى الحياة على أرضها . وهذه نقطة ارتكاز فى فكره وخاصة فى تنظيره الثقافى لمصر ومن إيمانه بروح المواطنة الكاملة واليمقراطية غير المنقوصة. ماذا كان سيفعل الأن وهو يرى رموز الحضارة المصرية يتم تدميرها بدعوى التدين الزائف ؟ !! ماذا كان سيفعل وهو يرى ميراث مصر الثقافى يداس بالأقدام بدعوى أنه مرادف للكفر والزندقة ؟!! المأساه أن ماحققه المصريون منذ عصر محمدعلى ومابعده وبعد أن تخلصت مصر من كابوس العثمانيين . يريدون أن يعودوا بنا إلى مفردات ذاك العصر المظلم المستبد بعيدا عن مصابيح الحضارة والعدالة والتقدم والمساوة والحرية لو كان طه حسين بيننا الأن ورأى مايحدث لدفع روحه ثمنا لبقاء مصر الحضارة والحفاظ عليها أو مات حسرة وكمدا وهذه بعض الفقرات مما قاله العميد فى كتابه "مستقبل الثقافة فى مصر" يؤكد قناعاته وأفكاره : فهل آن الأوان لتشخيص مرضنا المزمن والذي لا علاج له إلا بأن تكون الثقافة هى القاطرة. التي تجر باقي عربات القطار التي تمثل السياسة والاقتصاد وكافة مناحي الحياة... لقد قال (جوبلز) وزير الدعاية في عصر النازي: ؛؛عندما أسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي وكان الرجل يقصد خطورة هذا السلاح؛سلاح الوعي ؛فلا وعي للمجتمعات بدون ثقافة. وإذا فقدت الأمة وعيها فقدت بذلك أهم مقومات التقدم الحضاري ؛ وفي كتابه(سلطة المعرفة) أكد (توفلر) علي دور المعرفة في تحديد موازين القوي. ورغم وجود هيئات ثقافية عديدة وأولها المجلس الأعلى للثقافة والمعنى بوضع الخطط والاستراتيجيات الثقافية إلا أن الثقافة الجماهيرية تعتبر أهم الركائز فى العمل الثقافى والتى كان الهدف منها منذ انشائها هو وصول الثقافة بكل عناصرها إلى كل الجماهير . وإذا تكلمنا عن هذه العناصر نذكر الكتاب والمجلات والعروض المسرحية والأفلام السينمائية والفنون النشكيلية والشعبية والموسيقى والرقص والغناء والحرف اليدوية التراثية بل ومحو الأمية الأبجدية وأمية الكمبيوتر ومن وظائف أجهزة الثقافة الجماهيرية القيام بدور الوسيط بين جهات إنتاج هذه الخدمات الثقافية وبين أبناء الوطن فى كافة ربوعه . فى المحافظات والمراكز والقرى وفى الريف والنجوع وفى كل شارع وحارة بعيدا عن المفهوم النخبوى بحيث ينتج عن ذلك نوع من التجانس الثقافى يكون سبيلا للتقدم والتحديث والتحضر ومن شأنه مقاومة التطرف والتعصب والقبلية وأن نصل بمصر إلى المكانة التى تستحقها بين أمم العالم الناهض والسؤال الأن : هل حققت الثقافة الجماهيرية الهدف من إنشائها وهل استطاعت الأجهزة الثقافية الأخرى تحقيق أهدافها ؟ ومن البداهة فى الإجابة على هذا السؤال أنها لن تكون بنعم أو لا .لأن هذه الهيئة وغيرها من الهيئات عبر تاريخها غير القصير أنجزت أحيانا وأخفقت أحايين بمعنى أنها حققت بعض الإنجازات وأخفقت فى تحقيق وظائف من المفترض أنها ضرورية لأداء رسالتها . وقد ارتبط ذلك غالبا بشخصية من يتولى رئاسة مجلس إدارتها والجهاز المعاون له ومن خلال نظرة نقدية على ماحققته الهيئة ومالم تحققه . أظن وليس كل الظن إثم أن قصور الثقافة فى المحافظات وبيوت ومكتبات الثقافة فى القرى والنجوع تمارس أنشطة ثقافية متعددة منها بالإضافة إلى تشكيل نوادى الأدب الذى أحدث نوعا من التحريك الثقافى وإقامة المهرجانات وعقد المؤتمرات . ولكن الدائرة التى يتم فيها كل ذلك هى دائرة ضيقة لا تستوعب الجماهير التى أنشئت الهيئة من أجلهاوبالطبع هناك أسباب كثيرة لحدوث هذه الظاهرة ومن أهمها الفجوة بين المنتج الثقافى وبين هذه الجماهير وقبل أن ندخل فى تفنيد أسباب الفجوة ودور الإدارة الثقافية فى ذلك وبداية لابد من سرد العناصر المكونة للإدارة الثقافية وأهمها : العناصر البشرية " الكوادر الضرورية للعمل الثقافى " التمويل وبمعنى أخر توفير الموارد المالية الكفيلة والكافية لأداء الفاعليات الثقافية السياسات والاستراتيجيات الثقافية المراد تحقيقها الأليات التى يمكن اتباعها حتى يتم تحقيق الأهداف المرجوة من العمل الثقافى أما عن العنصرين الأول والثانى فقد أجاب الشاعر الأستاذ سعد عبدالرحمن رئيس مجلس ادارة الهيئة فى لقائه الأخير فى نادى القصة عليهما فقد ذكر أن ميزانية الهيئة تقريبا 273 مليون جنيها حيث تلتهم المرتبات والأجور أكثر من 90 % ومايتبقى منها للإنفاق على الأنشطة لايتعدى 27 مليونا جنيها ومن ثم يتضح ضألة مايخص كل مواطن مصرى من ميزانية الهيئة أما عن العنصر البشرى فإن عدد العاملين فى وزارة الثقافة تقريبا 34000 يخص الهيئة 16000 من هذا الرقم أى مايعادل تقريبا نصف العاملين فى وزارة الثقافة وقد ذكر الأستاذ سعد عبدالرحمن أن بعض بيوت الثقافة المكونة من حجرة أو حجرتين يعمل فيها من 20 إلى 30 موظفا فى حين أن طاقة المكان لاستيعاب العمل لاتزيد عن سبعة أو ثمانية أفراد صباحا ومساء فضلا عن ندرة وجود بعض الكوادر المطلوبة مثل خريجى قسم الوثائق والمكتبات وتخصصات أخرى . وتبذل الهيئة الأن جهودا مضنية بهدف إعداد هؤلاء وتدريبهم وإعادة تأهليهم وتوزيعم مع وجود الصعوبات التى تمنع أحيانا من تحقيق ذلك ولاننسى محاولات تهميشدورالثقافةومشاكلهافيالخطاباتوالبرامجالسياسيةبالإضافةإلىعدماهتماممعظمالأجهزةالإعلاميةالمرئيةوالمكتوبةوالمسموعة بالثقافةومؤسساتهاوإنتاجهاوموضوعاتهاومشاكلها وإذا عدنا للاستراتجية الثقافية المراد تحقيقها فمن الضرورى الأخذ فى الاعتبار أن الهيئة تمتد أفقيا لتشمل كل محافظات مصر شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وتمتد رأسيا لتقوم بجميع الأنشطة الأدبية والفنية والفكرية . شعر وقصة ورواية ومسرح وسينما وموسيقى وغناء وأنشطةللطفل وفن تشكيلى وصناعات وحرف يدوية ونوادى للعلوم ومراكز للكمبيوتر ومواقع لمحو الأمية ولكن السؤال المطروح هو : هل يصل الدعم الثقافى لمستحقيه ؟ الملاحظ أن بعض العروض المسرحية والتى تصل مبزانيتها أحيانا إلى عشرات الألاف من الجنيهات لايشاهدها سوى مئات معدودة كما أن معظم الندوات لايرتادها إلا عدد قليل جدا فإذا أضفنا إلى ذلك المؤتمرات الكثيرة فى تأثيرها على المواطن العادى . والمهرجانات التى تستهلك كثيرا من الأموال فى المسرح والسينما . ماهى المحصلة الفعلية ؟ إذن نحن فى حاجة إلى إعادة نظر فى كل هذه الظواهر وإلى البحث عن استراتجية جديدة فى التلقى والأهم تبنى الأفكارالجديدةوغيرالنمطية،والسعىإلىجذبرموزجديدة متعددة منمحبى الثقافة للانخراط فى العمل الثقافى، وتجاوزقوائم الأسماءالتقليدية والنمطيةالتىكانتتدعى بصفة ثابتة إلىالمشاركة فيالندواتوالمؤتمراتوالمعارضوالمهرجانات ولايجب أن ننسى مشكلات نشر وتوزيع الكتب والكم الكبير منها الموجود فى المخازن ومن ثم حتمية البحث عن أليات جديدة فى النشر و التوزيع أما عن النشر الإقليمى فمن الممكن أن نضيف بعض الأشياء التى يجب أن نأخذها بعين الاعتبار وهى : ضرورة أن يقتصر النشر الإقليمى على الكتاب والمبدعين الذين ينشرون لأول مرة وليس لأولئك الذين نشروا مرات عديدة ولهم أكثر من كتاب كما يجب أن يكون النشر مرة واحدة لاتتكرر حتى نعطى الفرصة لأكبر عدد ممكن عدم تثبيت لجان القراءة والفحص ولابد من تغييرها كل فترة زمنية قصيرة من الضرورى أيضا أن يسهم الكاتب بشراء عدد من نسخ كتبه بمبلغ يعادل مكافأة النشر كما يفضل عقد ندوات لهذه الكتب فى الإقليم الذى ينتمى إليه الكاتب ومحاولة تقييم هذا المنتج الثقافى نقديا والبحث عن أليات جديدة لتوزيع هذه الكتب كما يجب أن نأخذ فى الاعتبار النشر الالكترونى الذى انتشر انتشارا كبيرا . من خلال بعض المواقع والمدونات والفيس بوك وأصبح فتحا جديدا ومفيدا لكل المهمومين بفن الكلمة من شعراء وكتاب قصة وروائيين ونقاد ومترجمين وكافة فنون الأدب . ورغم أن كثير ا من الكتاب والأدباء لايجيدون التعامل مع هذا الوافد الالكترونى فإن كثيرا أيضا منهم نجحوا فى لتعامل مع كل ماهو الكترونى كما أن كثيرين لايشعرون بالمتعة إلا مع الكتاب الورقى . لكن إقبال الأجيال الجديدة من مبدعين وقراء على التعامل الالكترونى فى تزايد مستمر . ومن ثم كثر عدد الكتاب والأدباء الذين يتعاملون مع النشر الالكترونى وكذلك عدد القراء ومن أهم مزايا ه عدم وجود تكلفة عالية لمن يريد أن ينشر إبداعه كما أنه لاتوجد قوائم انتظار ومع ذلك فإن معدل قراءة المنشورات الالكترونية تفوق كثيرا الكتب الورقية . بل إن بعض الكتب الى صدرت عن بعض دور النشر الورقية زاد رواجها بعد نشرها على الشبكة العنكبوتية . إذن أصبح النشر الالكترونى واقعا وضرورة فى مجال حياتنا كما أنه يتفوق أحيانا على النشر الورقى ولامانع أن يتواجد الإثنان معا رغم أن بعض خبراء النشر يتوقعون اختفاء الكتاب الورقى فى مدة زمنية أقصاها خمسين عاما . وضرورى أن نؤمن بتنوع النشر فهناك نشر الكترونى مستقل على الانترنت فقط، ونشر ورقى والكتروني فى نفس الوقت لكن تظل قضية القراءة ومعدلاتها هى مربط الفرس وهذا ما أكده الأستاذ الشاعر سعد عبد الرحمن: "إن القضية تعتبر في الأساس قضية قراءة بالدرجة الأولى؛ فالشعب غير قارئ ودور النشر الخاصة والحكومية تعانى معاناة شديدة فى توزيع الكتاب والمشكلة مرتبطة بمنظومة التعليم السيئة الموجودة فى مصر ومرتبطة بجهات أخرى ويجب أن تحل المشكلات المتعلقة بالتعليم والإعلام" نحن فى حاجة ضرورية أن نأخذ هذه القضية بعين الدراسة والاهتمام ولامانع من مناقشة كل السلبيات التى تعوق الفعل الثقافى وتقلل من فاعليته وتأثيره وتحقيق الهدف من الثقافة التى هى بمثابة قاطرة التنمية وأتفق مع الشاعر الأستاذ سعد عبدالرحمن أنه لايمكن تجقيق ذلك دون حل المشكلات المتعلقة بالتعليم والإعلام الملاحظ أن معدل قراءة الكتب وخاصة الأدبية ضعيف جدا ولأن الكتاب الورقى يتكلف ماليا وهذه التكلفة فوق طاقة الكتاب الشباب الذين يطبعون كتبهم على نفقتهم الشخصية . ورغم هذه المكابدة فإنهم يعتبرون ذلك أفضل من الانتظار سنوات عديدة أمام أبواب الهيئات العامة ومن ثم تصبح الثقافة الجماهيرية معنية بكل هذه الوقائع من حيث نشر الكتب والمجلات والدوريات وأيضا مواقعها الاكترونية ويوجد موقع المحروسة لسان حالها لكننا فى حاجة إلى تطوير هذا الموقع ولامانع من وجود مواقع أخرى ولاسيما أن تكلفة الثقافة الالكترونيه لاتشكل عبئا ماديا إذا ما قورنت بالثقافة الورقية وهى تشكل امتدادا لا نهائيا فى المكان والزمان أما الفجوة القائمة بين المنتج الثقافى والجماهير فذلك يحتاج إلى دراسات وأبحاث تراعى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية وليست الثقافية فقط وكذلك مشكلة الفصل بين الثقافة الجماهيرية والنخبوية ورغم وجود نوادى المسرح ونوادى العلوم إلا أن مدى الفاعلية والتأثير على الجماهير مازالت محدودة وقد ذكرنا سابقا المعوقات التى تحول دون تحقيق ذلك ومن ضمن الإضافات التى يمكن أن تميز الثقافة الجماهيرية وهى أن تتبنى مشروعا قوميا للغناء المصرى وخاصة أنها تملك مخزونا شعبيا وتاريخيا من شأنه أن يثرى هذا المشروع المقترح . أظن أن هناك أفكارا جديدا بشأن تطوير وتحديث وتثوير دور الثقافة الجماهيرية ولماذا لانعقد مؤتمرا موسعا حول هذا الدور المستقبلى لها يشارك فيه كل المعنيين بهذا الأمر . لقد ركزنا على جهاز الثقافة الجماهيرية لأنه الأقرب للتأثير على جموع الشعب ويمكن طرح مؤسسات ثقافية أخرى فى المرات القادمة حتى نقترب من بلورة رؤية مستقبلية للثقافة المصرية