الجيش الروسي يسيطر على ثلاث بلدات في زابوريجيا وأوكرانيا تخوض معارك طاحنة لصد الهجوم    حالة الطقس المتوقعه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025....تعرف على درجات الحرارة فى المنيا وجميع المحافظات    من عثرات الملاخ وتمرد عادل إمام إلى عالمية حسين فهمي، قصة مهرجان القاهرة السينمائي    إنهاء أطول إغلاق حكومى بتاريخ أمريكا بتوقيع ترامب على قانون تمويل الحكومة    فلسطين سيئة وتل أبيب تبادلنا الود، تصريح مثير من وزير خارجية تايوان عن دول الشرق الأوسط    الإسكان: طرح 25 ألف وحدة عبر منصة مصر العقارية بتقسيط حتى 7 سنوات وسداد إلكتروني كامل    ثبات نسبي لسعر صرف العملات أمام الجنيه المصري بأسوان — الخميس 13 نوفمبر 2025    أديل تخوض أولى تجاربها التمثيلية في "Cry to Heaven" للمخرج الشهير توم فورد    وزير الخارجية: استمرار الحرب في السودان أمر موجع.. ومصر تتحرك لحماية وحدة الدولة الشقيقة    الصحة: خلو مصر من التراخوما إنجاز عالمي جديد.. ورؤية الدولة هي الاستثمار في الإنسان    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صدام وشيك بين الأهلي واتحاد الكرة بسبب عقوبات مباراة السوبر    عوض تاج الدين: الاستثمار في الرعاية الصحية أساسي لتطوير الإنسان والاقتصاد المصري    مصمم أزياء حفل افتتاح المتحف المصري الكبير: صُنعت في مصر من الألف للياء    تراجع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في أسواق الشرقية الخميس 13-11-2025    تنمية التجارة يتابع الأداء وتطوير الخدمات دعمًا لتحقيق رؤية مصر 2030    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    مؤتمر حاشد لدعم مرشحي القائمة الوطنية في انتخابات النواب بالقنطرة غرب الإسماعيلية (صور)    الولايات المتحدة تُنهي سك عملة "السنت" رسميًا بعد أكثر من قرنين من التداول    استخراج الشهادات بالمحافظات.. تسهيلات «التجنيد والتعبئة» تربط أصحاب الهمم بالوطن    فائدة تصل ل 21.25%.. تفاصيل أعلى شهادات البنك الأهلي المصري    عباس شراقي: تجارب توربينات سد النهضة غير مكتملة    أمطار تضرب بقوة هذه الأماكن.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    قانون يكرّس الدولة البوليسية .."الإجراءات الجنائية": تقنين القمع باسم العدالة وبدائل شكلية للحبس الاحتياطي    نجم الزمالك السابق: «لو مكان مرتجي هقول ل زيزو عيب».. وأيمن عبدالعزيز يرد: «ميقدرش يعمل كده»    حبس المتهم بقتل زوجته فى المنوفية بسبب خلافات زوجية    من «رأس الحكمة» إلى «علم الروم».. مصر قبلة الاستثمار    احسب إجازاتك.. تعرف على موعد العطلات الدينية والرسمية في 2026    غضب واسع بعد إعلان فرقة إسرائيلية إقامة حفلات لأم كلثوم.. والأسرة تتحرك قانونيا    إعلام: زيلينسكي وأجهزة مكافحة الفساد الأوكرانية على شفا الحرب    التفاف على توصيات الأمم المتحدة .. السيسي يصدّق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا 22 عملية أمنية ضد "داعش" طوال الشهر الماضي    قرارات جديدة بشأن مصرع وإصابة 7 في حادث منشأة القناطر    مرور الإسكندرية يواصل حملاته لضبط المخالفات بجميع أنحاء المحافظة    المستشار بنداري: أشكر وسائل الإعلام على صدق تغطية انتخابات نواب 2025    بتروجت: اتفاق ثلاثي مع الزمالك وحمدان لانتقاله في يناير ولكن.. وحقيقة عرض الأهلي    أبو ريدة: سنخوض مباريات قوية في مارس استعدادا لكأس العالم    الإنتاج الحربي يلتقي أسوان في الجولة ال 12 بدوري المحترفين    قفزة في سعر الذهب اليوم.. وعيار 21 الآن في السودان ببداية تعاملات الخميس 13 نوفمبر 2025    الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة اقتحامات وعمليات نسف في الضفة الغربية وقطاع غزة    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    واشنطن تدعو لتحرك دولي عاجل لوقف إمدادات السلاح لقوات الدعم السريع    فرصة مميزة للمعلمين 2025.. التقديم الآن علي اعتماد المراكز التدريبية لدى الأكاديمية المهنية    بدء نوة المكنسة بالإسكندرية.. أمطار متوسطة ورعدية تضرب عدة مناطق    يقضي على ذاكرتك.. أهم أضرار استخدام الشاشات لفترات طويلة    النيابة العامة تخصص جزء من رسوم خدماتها الرقمية لصالح مستشفى سرطان الأطفال    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    خبير لوائح: قرارات لجنة الانضباط «تهريج».. ولا يوجد نص يعاقب زيزو    تأكيد لليوم السابع.. اتحاد الكرة يعلن حرية انتقال اللاعبين الهواة بدون قيود    حيثيات حبس البلوجر «سوزي الأردنية»: «الحرية لا تعني الانفلات»    «يتميز بالانضباط التكتيكي».. نجم الأهلي السابق يتغنى ب طاهر محمد طاهر    قد يؤدي إلى العمى.. أعراض وأسباب التراكوما بعد القضاء على المرض في مصر    مقرمش جدا من بره.. أفضل طريقة لقلي السمك بدون نقطة زيت    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام تحنيطية
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 01 - 2019

تطير أحلامنا ما أن نفيق، نتذكرها بصعوبة كغمامات، كجمل غير متصلة ، كومضات متلاحقة، إلا أنه هناك بين قاعات جاليري تاون هاوس قدم الفنان الشاب محمد منيصير مفهوم مغاير لمفردة الأحلام إذ يربطها بمصطلح التحنيط حيث الخلود والبقاء كعنوان لمعرضه الفردي الأخير »أحلام تحنيطية»‬، وبين الغرف التي تقودك الواحدة للأخري بما تحتويه يطرح الفنان الشاب مفاهيم مغايرة لكثير من الأشياء، إذ إنك تقع في براثن مشاعر متناقضة بين البهجة والخوف،بين الرغبة في الحياة والاستسلام للموت.. بين الارتداد للطفولة مع مجموعة من الأعمال المستوحاة من قصص كليلة ودمنة، التي قدمها علي قطع صغيرة من القماش بطريقة التطريز، وبين بقايا العظام التي تستقبلك ما أن تدخل إلي أول قاعة.. و بين البهجة التي تطل علي ذكرياتك بمشاهدة الحصان الخشبي الذي يعيدنا إلي براءة الألعاب الأولي وبين صورة الكلب وأصوات النباح والموسيقي التصويرية المفزعة التي اختارها.
حالة التناقض بين المفردات وبين دلالات الموت والحياة يثير عشرات الأسئلة، وفي كثير من الأعمال الفنية التي تنتمي للفن المعاصر يكون المفهوم مهما بقدر المنتج الفني ذاته حيث يستفزك للتفكير والتفتيش داخل رأسك.. حملت أسئلتي إلي الفنان الشاب ليتركني – كما هو الحال دوما منذ أن التقيت به لأول مرة منذ عدة سنوات - في حالة عميقة من التفكير ، فهو أحد الفنانين المعاصرين الذي يعتمد من خلال رسوماته وأعماله علي تجسيد ظواهر غير ملموسة في قالب حسي ملموس، وعلي اختبار حقيقي للأفكار التي يربطها ويعيد تفكيكها مقدما نتائج تخصه وتحمل إعادة تفسير للتاريخ ولحوادث تاريخية ربما غير ذات صلة من وجهة النظر الشائعة ولكنها متصلة بشكل ما في منتجه.
قدم منيصير في معرض »‬أحلام تحنيطية» ما يقرب من ثمانية مشاهد أو مشروعات - حد تعبيره- تنبثق من مشروع كبير يجمعها تحت مظلة واحدة لا تنفصل أيضا عن مشاريع سابقة ، وقد جمعت تلك التجربة بين وسائط مختلفة تنوعت بين المجسمات والأعمال المركبة والاسكتشات والتصوير والفيديو أرت وغيرها، وقد قسم منيصير العرض إلي جزءين يقع أحدهما في الدور الأول بجاليري التاون هاوس حيث مجموعة من الغرف تقودك كل منها للأخري فيما يشبه الطواف في دائرة، حيث تضم أول غرفة مجموعة من رفات حيوانات تذكرنا بما تبقي في المتاحف المتخصصة مثل متاحف التاريخ الطبيعي، بخلاف كيس قماش يضم رماد أجساد مجموعة من الحيوانات ، وثلاثة اسكتشات مرتبطة ببداية المشروع ونهايته ومنها اسكتش يصور خروفا كبيرا نراه في الحجرة الخامسة، أما الحجر الثانية والثالثة فتضم مجموعة من العناصر التي تشكل معا ثلاثة مشروعات ومنها حصان خشبي كبير يقف علي قاعدة مليئة بالتبن وبجواره معلقتان بالحجم الكبير، أما الحجرة المواجهة فبها شاشة تعرض فيديو لأحد الكلاب الحية وتمتلئ الحجرة بمجموعة من المعلقات، وفي هاتين الحجرتين تنبثق المشروعات الثلاثة من علاقة تلك الأشياء ببعضها البعض، ومنها علاقة الحصان الخشبي باللوحتين ، ثم علاقة الكلب بالمعلقات العديدة التي تملأ الغرفة ، إضافة إلي علاقة الحصان الخشبي الساكن بفيديو الكلب، المشروع الخامس الذي يقع في الغرفة الرابعة هو عبارة عن ثلاثة من الخراف الراقصة، والتي تقودك إلي قاعة أخري تضم جثمان كبير لخروف علي الأرض بطول الحجرة مصنوع من قماش مزخرف بورود، ثم الحجرة الأخيرة التي تجد فيها مائدة مستديرة تضم بداخلها مجموعة كبيرة من حكايات كليلة ودمنة بالتطريز، ومن هذه الحجرة يمكنك أن تخرج من باب ثاني، وكأن فكرة الدائرة تتعقبك في مسار الرحلة وفي المائدة المستديرة وفي فلسفة دائرة الحياة والموت، أم المشروع الثامن فيقع في قاعة الفاكتوري وهي قاعة مستقلة تم إقامتها في جراج ضخم، وهو مشروع من الفيديو قائم علي مجموعة من الفيديوهات المتلاحقة لمجموعة من الأطفال يحاكون أصوات حيوانات ضخمة تظهر للمشاهد كخيال ظل بينما تقف تلك الحيوانات ذاتها وراء شرائح طولية من الأقمشة التي يظهر عليها الفيديو مع خيال الحيوانات.
وبقدر غموض ورمزية المشروعات التي قدمها منيصير خرج النص المصاحب للمعرض ليضيف غموضا ويطرح مزيدا من الأسئلة إذ جاء فيه : يتعمق محمد منيصير من خلال عمله »‬أحلام تَحنيطِيِّة» في خيال عالمه المتوازي، حيث تمرح المخلوقات في جوانب حديقة متخيلة وتَقُص الحيوانات أساطير لمهمشين لم يجدوا أحداً يقص لهم تاريخهم. في المعرض، تؤدي الدمُي المحنطة رقصة غير مألوفة لتنتهي في صورة جنائزية. دمي بريئة وحكايات متداخلة في عالم من الذعر النفسي في تجهيز من رسوم خطية، منحوتات خُلِقت في موقعها الأصلي، مدغمة بأصوات وصور لحظية.
ويأتي المعرض استكمالاً لعمله السابق »‬الحكاء» المستوحي من أساطير الماضي وقصص الخيال المعاصرة، »‬كليلة ودمنة» والقصص المتوارث والحكي الشعبي. يتساءل منيصير، من خلال بحثه وعمله الإثنوغرافي، حول المعني الروحاني الذي استمر منذ أوائل القرن العاشر الميلادي. يستحضر منيصير المرح والنزوة ليطرح أسطورته متصورة في خيالات، في تطابق بين النشوة والرعب.
التقيت بالفنان الشاب محمد منيصير المولود بالقاهرة عام 1989 والذي برز كفنان بصري معاصر يتمتع بحالة من الخصوصية ويقود بحثه الدؤوب في الشكل إلي تجليات بصرية وكان لي معه هذا الحوار:
أولا نبدأ من عنوان المعرض وما يحمله من دلالات خاصة من ربط الأحلام بالتحنيط ؟
الأحلام والتحنيط هما مجاز بالطبع، فالحلم مادة غير ملموسة ولكن عند ثبوتها يكون له علاقة بتشميع الفكرة، هو ما يحدث حين تسيطر مجموعة من القصص علي خيال الناس حينها يتحول الكلام من مجرد حكي إلي أسطوره يعتمد عليها الناس الذين قلت بشكلٍ ما أنهم مهمشين، وهم مهمشين لأن التاريخ مثلا لم يذكر عظمة أولئك الذين بنوا الأهرامات بأنفسهم ولكن يحكي عن عظمة الملك المدفون داخل هذا الهرم، وهنا تأتي أهمية الحكي فحين يتناوله العامة يحدث دمج بين الواقع أو الوقائع وخيال الحكاء، وكأنه يجذب المهمومين ويعوض فيهم غياب الحلم وغياب الأهمية، يعوض بشكل ما إقصاءهم والحق في تأريخ مواقفهم النبيلة وشجاعتهم.
هل هناك حكاية ما بدأت منها فكرة المعرض مع ما تحمله من متناقضات؟
نعم ..حكاية سمعتها من امرأة عجوز .. باختصار كان لتلك العجوز عشة تقوم بتربية حيوانات وطيور فيها، وتروي أن الثعالب كانت تهاجم العشة وتأكل من تلك الحيوانات، ولكن كان هناك كلب يحمي تلك الحيوانات الخاصة بها وبجيرانها ويقتل الثعالب من وقت للثاني، واستمر الأمر هكذا حتي أصبح الكلب نفسه مسعورا وبدأ يقتل الخراف والماعز، لدرجه إنه كان يحفظ كل مخابئ العشش، فيدخل إليها لأنه كان واحدا منهم ذات يوم، هذا الكلب قتل أيضا علي يد أحد الناس.
بعد أن استمعت للمرأة قابلت ثلاثة أطفال كانت حكاويهم عن نفس ما سمعته من العجوز، بجانب إني وجدت معهم جثامين نفس الحيوانات الذين حكت عنهم العجوز، بمعني آخر وجدت إثبات لروايه المرأة، وكأن الحكي موثق بأدلة، كما أنني عثرت علي مرتبة سرير قال الناس إن شخصا ما مات أو قتل عليها، وهذا بالنسبة لي علامة ثانية علي فكرة دورة الحياة، حيث بدأت القصة بالطير والحيوان وانتهت بالإنسان.
ولذا يستهل المعرض بأجزاء من تلك الحيوانات التي تحمل تفاصيل القصة والتي حصلت عليها من الجبل، وهي عبارة عن جناح أوزة ورأس ثعلب ورأس جدي ورأس كلب وهم أساس القصة التي حكتها العجوز، وهم يمثلون صفة الخير والشر، لا سيما الكلب المتحول من الخير للشر، وقد خزنتهم في مكان واحد وبعد سنة نزل منهم تراب، هذا التراب واحد دون فارق، والكيس القماش هو الذي يضم التراب، في سياق آخر يمكن القول أنه بإمكاني اختزال المعرض بالكامل في هذا الكيس.
ولكنك لم تكتف ببقايا الحيوانات التي ورد ذكرها في القصة، هناك حيوانات أخري في المعرض قدمتها بصورة أخري كالحصان الخشبي مثلا ؟
اخترت الحصان لأنه كائن محايد، هو مسالم لكنه في نفس الوقت يستخدم كإحدي أدوات الحروب، الحصان مركب عليه ساوند مشوش لقصة من كليلة ودمنة، فهو يحمل صويا هو مزيج من حيوانات أليفة ومفترسة حيث يدور نقاش بين ابن آوي والأسد والثور إلا أن الصوت مشوش يشبه فكرة التلاعب والرسائل الخفية التي ترسل للعقل اللاوعي من الميديا لا سيما الأطفال، أما اللوحات الموجودة بجواره ففيها مربعات تترجم فكرة التلاعب النفسي الذي يحدث في القصص والواقع الملموس.
بالفعل أردت أن أسألك عن تلك الأصوات التي يسمعها زائر المعرض والتي ساعدت في نشر حالة من الذعر النفسي ؟
بخلاف الصوت المشوش الصادر من الحصان هناك أصوات يسمعها الزوار وهي عبارة عن ساوند أو أصوات كان الأمريكان يستخدمونها في الحرب الفيتنامية كي يرهبوا روحهم المعنوية، وهو منقسم لجزءين، الأول شريط صوت يشبه موسيقي مخيفه ومضاف إليها صوت لشخص ما يتحدث مع الجنود الفيتنام فيما يشبه خطاب ديني، يحثهم علي ترك الحرب والدفاع عن أنفسهم، لأن روحهم ستظل معلقة لو ماتوا في الحرب لأن أحدا لن يحرق جثامينهم، وهناك معتقد لديهم أن من يموت ولا يتم حرق جثمانه ستظل روحه معلقة في الجحيم. ذلك بالإضافة للصوت الخارج من فيديو الكلب الذي يقع في مواجهة الحصان وهي أصوات تساعد في التلاعب النفسي.
يبدو أن المعلقات جزء مهم من تجربتك الفنية في المجمل لكن في كل مرة تختلف اللغة المستخدمة ؟ ما الذي تحكيه معلقاتك هذه المرة ؟
تحدثت عن تلك التي ظهرت بجوار الحصان، أما التي نراها بجوار الكلب فلها علاقة بصناعة السجاد والكليم في مرحلة التصميم حيث يحدث استبدال الغرزة النسيجية بنقاط، كذلك فإن تلك النقطة كان الأفارقة يستخدمونها وقت الاستعباد في الأمريكتين، كانوا يضعون وشما أو تاتو علي أجسامهم بالنقاط حتي يوهموا المحتل أن لديهم مرضا، فيتجنب أولئك الناس خشية أن تنتشر العدوي، وسرعان ما تحولت تلك العادة لفلكلور وهي نفس الفكرة التي خرج منها مشروع غزو الذي تم عرضه في معرض أوف كايرو بينالي في درب 17 18 ورسمت من تلك النقاط خرائط وهمية.
ماذا عن رقصة الخراف الثلاثة التي توجد بالغرفة الرابعة ولماذا تقودنا بعد ذلك لمشهد الجثمان الضخم الذي يحتل الغرفة؟
فكرة الرقصه كتمهيد للدخول للجثمان الضخم هي أقرب للتراجيديا والارتباك الذي يحدث في وجدان المتلقي، إذ يشعر بالحيرة بين مشاعر متناقضة فهل يشعر بالبهجة من رؤية الحيوانات الراقصة أم يشعر بالرهبة منها، وهذا المشهد يطرح أسئلة من نوعية هل تمثلنا تلك الحيوانات؟ هل نري ما يحدث بداخلها؟ هل يكشفون أشياء بداخلنا؟ حيث تبدو الحيوانات الراقصة مبهجة ومزخرفة ويرقصون حتي يخفوا حقيقة أنهم أموات، هناك فرحة ما بانتصارهم ربما علي الموت .. هم فرحين بشكل ما بانتصارهم .. لكن انتصار يشبه ضحكه المكتئب أو بكاء الفرحة.
قرأت في كلمة المعرض أن الحيوانات تقص أساطير لمهمشين لم يجدوا أحداً يقص لهم تاريخهم، ما هي القصص والحكايات التي تحكيها حيواناتك المختارة في المعرض ؟
الحكايات أو الأساطير التي قدمتها في المعرض من كتاب كليلة ودمنة من باب الثور وابن آوي والجمل المخدوع والذئب والسبع خراف، وقد اخترت كليلة ودمنة لأنها قصة رمزية تحمل دلالات سياسية علي لسان الحيوانات ولكن الكاتب يستبدل أسماء الناس بالحيوانات فهي واقع وخيال في نفس الوقت.
لماذا اخترت التطريز لإعادة تقديم قصص كليلة ودمنة ؟
التطريز جاء لأنني مشغول بالحكي، والحكاء هو من يحكي قصصا، واللفظ نفسه يقودنا لمفهوم الحياكة والحائك هو من يحيك الملابس، وفي نفس الوقت ربطت بين العجوز التي حكت لي قصة الحيوانات وبين جدتي عندما كانت تحكي لي قصصا عن حيوانات، والتي اكتشفت مؤخرا أن كثيرا منها من قصص كليلة ودمنة، ويتراءي لي مشاهد من الذاكرة أنها دائما كانت تحكي لي القصص وهي تقوم بعملية خياطه وتطريز كهواية، فالرابط من الذاكرة ونفس الوقت من اللغة.. وقد اخترت أن أعرض تلك القصص في مائدة مستديرة حتي يطوف الناس حول الغرفة بشكل ما تعبيرا عن دورة الحياة وكيف نكرر أنفسنا في سياق متشابك متكرر ممل، ليس هو الحقيقة ولكن مجرد وقت.
كيف يأتي هذا المعرض استكمالا لعملك السابق الحكاء؟ ما الذي يشكله الحكي بالنسبة لك ؟
الموضوع له علاقة بفكرة الاستكمال وفكرة الحكي، فمعظم ما أقدمه من شغل مرتبط ببعضه ومتفرع بشكلٍ ما والأفكار تتولد من بعضها، حتي المشروع نفسه إذا ما تكرر عرضه فهو يعرض بشكل مختلف حسبما يتراءي لي في تلك اللحظة، يمكن القول إنه ليس لدي مشاريع منتهية.
أما الحكي فهو استعادة ما يرويه المارة مما يتذكرونه من حكايات تُقصّ علينا فتُثبِت القيمة في تأريخ الأصل من الحدث غير أن بعض المهمشين لا يجدون من يدون لهم تاريخهم حيث عادة ما يدونه المنتصر، فيلجأ الراوي إلي نسخ ما في ذهنه من حكايات لتلك الأجيال المستنيرة والباحثين بشغف للعودة إلي الاُصول.
ماذا عن العمل المركب الذي عرض في الفاكتوري؟
لهذا أيضا حكاية أخري ، بينما أتمشي في مدينة الإسكندرية بعد معرض »‬حكاء» الذي أقيم هناك وجدت مشهد الحيوانات الضخمة التي تقف علي الشاطئ وهي نفس الصورة التي تم اختيارها كبوستر للمعرض، وكان الأمر بمثابة صدمة، وشعرت بشكلٍ ما أن حيوانات كليلة ودمنة جاءت لتودعني بعد المعرض الذي أقمته من أجلهم، بعد سنتين ذهبت واشتريت تلك الحيوانات نفسها حتي تصبح جزءا من المعرض الحالي وقد تم عرضهم مع الفيديوهات بالفاكتوري، أما الأطفال الذين تم تصويرهم فهم أولئك الأطفال الثلاثة الذين قابلتهم في الوادي الجديد وحكوا نفس قصه العجوز، وكان أحدهم يحب تقليد أصوات الحيوانات وشعرت أن هذا نوع من التماهي، وبشكل عفوي طلب مني أن أصوره وهو يقلد تلك الأصوات، ولتلك الحكاية أيضا أبعاد أخري لها علاقة بإحدي قصص كليلة ودمنة ، ولكن بالعكس فبدل من أن تقوم الحيوانات بدور الإنسان ..الشخص أو الطفل هو من يقوم بدور الحيوانات، وكان هناك حوار حقيقي مترجم من قصه الجمل المخدوع من كليلة ودمنة، فمن يشاهد الفيديو يستمع بالفعل إلي الحيوانات وهي تكلم بعضها البعض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.