تعرف على أسعار الذهب اليوم السبت 10 مايو 2025    آخر تطورات الحرب بين الهند وباكستان| بدء مواجهات عسكرية جديدة    الرئيس السيسي: أشكر بوتين على كرم الضيافة وأهنئ الشعب الروسي بعيد النصر    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    اليوم.. بدء الموجة ال 26 لإزالة التعديات على أراضي الدولة    «المضارين من قانون الإيجار القديم» توضح مطالبها من القانون الجديد (تفاصيل)    أسعار الخضروات والأسماك اليوم السبت 10 مايو بسوق العبور للجملة    تكريم مجدي يعقوب ورواد الطب بنقابة الأطباء اليوم    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة سوهاج لجميع المراحل الدراسية    مسيرات باكستانية تحلق في سماء نيودلهي وسط تصاعد التوترات    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. ظهور مرموش ومدرب الأهلي المحتمل    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 10 مايو 2025    «احذر الخروج في هذه الأوقات».. الأرصاد تُصدر نشرة طقس عاجلة اليوم السبت 10 مايو 2025    "جميعها حالات اختناق".. إصابة 11 جراء حريق قويسنا بالمنوفية (صور)    حبس لص المساكن بالخليفة    الصحة تكشف 7 فوائد للاهتمام بالحالة النفسية للأطفال    بعد 8 ساعات.. السيطرة على حريق شونة الكتان بشبرا ملس    نشرة التوك شو| البترول تعلق على أزمة البنزين المغشوش.. وتفاصيل جديدة في أزمة بوسي شلبي    الرئيس السيسي يعود إلى مصر بعد حضوره احتفالات عيد النصر بموسكو    طحالب خضراء تسد الفجوة بنسبة 15%| «الكلوريلا».. مستقبل إنتاج الأعلاف    كلبشت في إيده وعايزة تحضنه، مقطع الفيديو الذي تسبب في طلاق أردنية بسبب راغب علامة    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    برلمانية: 100 ألف ريال غرامة الذهاب للحج بدون تأشيرة    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    طريقة عمل الخبيزة، أكلة شعبية لذيذة وسهلة التحضير    الهند تستهدف 3 قواعد جوية باكستانية بصواريخ دقيقة    استشهاد قائد كتيبة جنين في نابلس واقتحامات تطال رام الله    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    الترسانة يواجه «وي» في افتتاح مباريات الجولة ال 35 بدوري المحترفين    عقب الفوز على بيراميدز.. رئيس البنك الأهلي: نريد تأمين المركز الرابع    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «زي النهارده».. وفاة الأديب والمفكر مصطفى صادق الرافعي 10 مايو 1937    تكريم منى زكي كأفضل ممثلة بمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    تعرف على منافس منتخب مصر في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب    «بنسبة 90%».. إبراهيم فايق يكشف مدرب الأهلي الجديد    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    ستاندرد آند بورز تُبقي على التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    حدث في منتصف الليل| ننشر تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ونظيره الروسي.. والعمل تعلن عن وظائف جديدة    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    يسرا عن أزمة بوسي شلبي: «لحد آخر يوم في عمره كانت زوجته على سُنة الله ورسوله»    انطلاق مهرجان المسرح العالمي «دورة الأساتذة» بمعهد الفنون المسرحية| فيديو    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    عمرو أديب بعد هزيمة بيراميدز: البنك الأهلي أحسن بنك في مصر.. والزمالك ظالم وليس مظلومًا    هيثم فاروق يكشف عيب خطير في نجم الزمالك.. ويؤكد: «الأهداف الأخيرة بسببه»    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    ضبط تشكيل عصابي انتحلوا صفة لسرقة المواطنين بعين شمس    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكراه الأولي اليوم
أضواء علي »العمدة« خيري شلبي
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 09 - 2012


خىرى شلبى
طوبي لعقل كان يسعي لان يتكامل مع الوجدان، ولقلب كان يزرع المقابر بأزهار الريحان، ولكف قادر علي فض اشتباك الأجفان، طوبي لطوبة مقبرة وورقة نعناع شاي وحجر معسل ولحسة أفيون وخرقة نمسح بها عرق وجهامة الأيام، طوبي للمفتون بألف ليلة وليلة وأمنا الغولة والجائعين والباحثين عن وسادة للنوم أو حضن للراحة أو قدم ذاب جلده علي أديم الوطن، طوبي لفاتح مندل ودقة الزار ومعصوب العين الذي يري أكثر مما نري نحن المبصرين، طوبي لراو لم يرو روايته ولحكاء لم يحك حكايته ولأم لم تحك حدوتتها لأبنائها حتي يناموا ممتلئي البطون بالجوع، طوبي للمعلم وفتوة الرواية وصاحب الناس الغلابة وفاتح الطريق وصاحب طريقة في القول والكتابة، طوبي لعاشق الموروث الذي سقط في جب الرواية وخرج منها بكل من: موال البيات والنوم وأعيان مصر وصحبة العشاق وفرسان الضحك وغذاء الملكة ولطائف اللطائف، وصالح هيصة ونسف الأدمغة وزهرة الخشخاش ووكالة عطية واسطاسية، طوبي لابن قلين حيث يرقد سيدنا إبراهيم الدسوقي والذي يعرف كيف يصطاد الأسماك ويحارب العفاريت ويقود الأوباش للقيام بالفتوحات والغزوات، طوبي لدرويش التراث ومجذوب الموالد ومحفة الأموات وأنامل الترُبي وسارق الأفراح، طوبي للذي جعل في بحر الرواية طريقاً واضحاً كالشمس للمهمشين والمعذبين والأموات، طوبي لكفن وحجر وزهرة وشجرة سسابان، طوبي للمنتبه لثقافتنا الشعبية وجعلنا نعرف الأرض التي نقف عليها جيدا، وجعلنا نفهم معني الثقافة الشعبية وأرضعنا عناصرها النفسية والعقائدية والاجتماعية، طوبي لوعاء الحكمة والموعظة الحسنة والمعاني الكبيرة ذات الطابع الفلسفي، طوبي لصاحب القريحة الشعبية التي أنتجت روايات وقصصا وحققت تراثا، طوبي للسان كلب ظل يروي روايته ) الشطار) كي نعرف شخصيته ونعايشه ونتابعه في رحلته الدرامية بشغف، طوبي للذي وشّم ودق صدر الرواية العربية بالسنيورة والأوباش والوتد والعراوي وفرعان من الصبار، طوبي لصاحب بغلة العرش تلك التي نتمني جميعنا أن نحصل عليها لأنها ليلة القدر، طوبي للذي جعل من لحس العتب ومنامات عم أحمد السماك ووكالة عطية وموت عباءة وبطن البقرة وصهاريج اللؤلؤ ونعناع الجناين أدباً عالمياً نفاخر به الأمم، طوبي للذي كتب أدباً فجعلنا نري جيداً، ونفهم جيداً، ونغوص في واقعنا جيداً، طوبي للذي حرث الأرض وشق الطريق وأزاح الحواجز وخلع أبواب العقول المغلقة ونظف الأرض من الحشائش الأجنبية والمستنسخة والمقتبسة والمنقولة من آداب أخري، وجعلنا نغوص في تربتنا وحوارينا وازقاتنا وقبورنا، طوبي للذي أضاء بشخصياته فجعلنا نفهم علاقتنا بالكون وبالخالق وبالحياة، طوبي لصبي ينقر بإبرته الحادة علي لوح نحاس في خان الخليلي، ولخياط يرتق كفنا في الإمام الشافعي، ولسقا يروي بقربته شفاه المعدمين في أروقة الحسن الشاذلي، طوبي لكلب العرب المدبوح بعد أن غنينا له أبوح يا أبوح، وأمه وراه بتنوح، طوبي للذي صرخ في وجهي ذات يوم وقال: لو عقلوا لفطنوا كيف يطرد واحد ألفا، هكذا يقول التاريخ للعرب.
وأول كلامنا بسم الرحمن، ونصلي علي الهادي المنان، ونقرأ الفاتحة علي عمدتنا وزعيمنا وكبيرنا، ونبتهل إلي رب السماوات والأرض أن يغمره برحمته ويعفو عنه ويدخله فسيح جناته.
خيري شلبي الغارق في السيرة الهلالية وأشعار فؤاد حداد وبيرم التونسي، وصديق ابن عروس وشهريار وطه حسين، والذي شارك في أفراح الأميرة ذات الهمة وست الحسن والجمال وبنت الغول والشخشبان ومعارك الشاطر حس وعلاء الدين وعلي الزيبق، وحارب مع سيف بن سي يزن ضد أمه، وكان في جيش عنترة العبسي ودياب بن غانم، ذلك الذي كان يستمع لشهرزاد كل ليلة ويعرف مصيبة شهريار وأخيه شهزمان في نسائهما، خيري شلبي الذي استطاع من خلال رواياته وقصصه وحكايته أن يستنبط الحكمة من واقع الحياة اليومية في بناء معماري مدهش وكلمات عامية فصحي فلا تستطيع أن تنفض التراب عنهما، لأنه استطاع أن يطرق الكلمة ويشكلها ويسبكها ويقوم بخلط ( تسييح ) كل ذلك في بوتقة الرواية العربية كي تصل إلي العالمية، لذا كانت كتاباته ضمير الأمة وعينها وروحها المتألمة المتجددة المشتعلة بأوار الحياة وضجيجها، خيري شلبي واقع حي متجسد في إنسان بسيط صاحب شعور فياض، متدفق، متألم، مدقق في كل كبيرة وصغيرة، يحيي بكلماته وعباراته وجمله، يعشق الحرية والبراح والحواري والأزقة والمقابر والأموات والمعددين ومنابر المساجد، ، لأنه يعشق ويحب الأصالة والمعايشة للواقع، رواياته منبع لفهم الحميمية والمعاناة والحب في قلب الشعب المصري، والسخرية من أحزانه ومصائبه، ذلك لأنه المستحلب رحيق الرحمة من أنفاس المهمشين، خيري شلبي المفتون بالشيخ أمين الخولي والدكتور عبد الحميد يونس ورشدي صالح وفاروق خورشيد وزكريا الحجاوي، يكتب روايات بلغة تمتد في أغوار الثقافة الشعبية، يشرب من بئرها الفياض، ويستطيع أن يزيح الماء العكر عن أدبائنا وعقولنا.
خيري شلبي الذي يقف بهلاهيله وفي رقبته دوباره بها مفتاح يفتح به لنا الغد والعقول والآفاق، منتظر كي ينام ويستريح بعد نزول أستار الليل والموت، كي يلتحف بالبرد ورقائقه السوداء في زمهرير قارس، فيمتلئ القلب برماد الأحلام العصية، ويصبح الأمل في سرسوب لبن فاتر يدفئه في سواد الليل الطويل، ضد صقيع ينفض الجسد والقلب نفضاً، فلا يجد غير قصعة بها قوالح ذره وأخشاب تدفع الدفء في الثنايا، وتمتد الكفوف للتدفئة وتمتلئ العيون بالدموع نتيجة الدخان، ذلك الدخان القديم الذي يظل متعلقا في هلاهيل الملابس حتي الموت، إنها رائحتنا جميعا، تلك التي لن ينقذها من الغرق والضياع إلا الموهبة وحبنا للتراث وسلامة قلبنا.
وعم خيري شلبي كان يمتلك ميزتين لم تتوفرا لأحد من أدبائنا، أولاهما الراوي، فهو القادر علي سحب بكرة الرواية كي تبدأ الكر في سلاسة ونعومة، في نفس واحد، لا ينقطع ولا يتعطل ولا يتلخفن، إنه الراوي المتمكن المسيطر علي موضوعه وحدوته وأبطاله وزمانه، يعرف كيف يحافظ عليهم وكيف ينميهم خلال أحداثه، لا يهربون من بين أنامله أو من عقله أو مجال رؤية عينيه ولا ينفلت منه ولا تكر وتقع منه البكرة، فيضطر إلي الإنحناء كي يعيد تسليك الخيط من لعبكته، فالعمدة كان أكبر من أن ينحني إلا لغير الله، وأكبر من أن تهرب من يديه الأمور أو يقطع طرف الخيط، وخلال ذلك يحيك بخيطه روايات جعلت من حياتنا وكل هوامشنا أدبا وتراثا وحكايات وخرافات، حتي أصبح أسلوبه ثورة في الكتابة، وموضوعاته متجددة متدفقة مع انه يكتب عنا وعن طموحاتنا وأحلامنا واحباطاتنا.
والأمر الثاني : العين الحمراء اللامعة التي تشع بالموضوعات والأبطال والأساليب والأشكال، عين حمراء تبرق لكنها لا تخيف إلا من ينزل بحر الرواية أو القصة أو يتلاعب بالتراث أو يهبط حلبة الحكاية، ( مع إنها في الحياة عين طيبة وخجله وباكية وشاكية للمولي عز وجل، تري فيها ما مرت ورأت من محن ومعاناة وشظف وحروب وانكسارات وثورات وابتسامات)، إنه الغلبان والطيب والمغامر إلي أقصي جبال الدراسة والنائم وسط قبورها، وعم خيري شلبي صاحب العين اللامعة، عين شابهت عين صندوق الدنيا حيث يخرج منها سحر فيمدنا بفيض الأنوار ويغرقنا بالألوان ويملأ حياتنا الباردة بالحرارة، حرارة أنفاسه في الكلمات، وحرارة وسخونة في الموضوعات المطروقة، تعرف من خلالها إنه قارئ نهم لا يترك كتابا أو رواية أو أقصوصة أو حتي ورقة ملقاة في سلة المهملات أو حلقة زار أو جنازة إلا وسار فيها، انه الراوي الذي يعرف السر، سر الحكي وسر الموهبة وسر أن تظل عطاءً ومانحاً، ومبتسماً إلي نهاية الدهر.
خيري شلبي الذي استطاع أن يحبل ولد ويولّده من بطن رجله والمستمع لمباحثات السلام بين الذئب والثعلب أو بين الأسد والفأر، الواقف مع الثلاث غنمات يرتعش من عواء الذئب، ذلك الذي تعلمنا منه الكثير، وكيف كتب وسبك عادات وتقاليد طوائف الشعب المصري بجميع أنحائه الجغرافية في رواياته وأدبه، كي تكون تلك الروايات بطاقة هوية للشعب المصري، وذلك لان قارئ تلك الروايات سوف يستمع لراو يتحدث بلغته ولهجته، لذا يقوم مباشرة نوع من الحب والتآلف والحميمية بينهم أي بين القارئ والنص، وهو ما امتد بين القارئ والكاتب أو الحكاء خيري شلبي، فكانت العلاقة متينة والتلاحم بينهما كبيرا، لأننا نقرأ أنفسنا ووجداننا ومن يكشفها ويعريها بهذه الطريقة وتلك الروح الشفافة.
وعم خيري طول عمره جالس علي مصطبته كي يروي حكاياته، فإن انتهي من حدوته، ترك المصطبة وبدأ يسير وسط دهاليز وحواري وصحاري ومقابر هذا الوطن، بحثا عن حكاية أو حدوتة أو كلمة، لكنه لا يأخذها هكذا، بل إنه قادر علي تنظيفها وردها إلي من قالها ومتي وحقيقتها، وهذا يدل علي المجهود الذي فعله في كتابه محاكمة طه حسين: تحقيق في قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي، فهو مكتشف قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي إذ عثر عليه في إحدي مكتبات درب الجماميز المتخصصة في الكتب القديمة، ولم يكن كتابا بل كراسة محدودة الورق متهرئة ولكنها واضحة وعليها توقيع النائب العام محمد نور الذي حقق مع طه حسين في القضية، وكان المعروف إعلاميا أن طه حسين قد استتيب لتنتهي القضية، وبظهور هذا القرار النيابي اتضحت القضية واتضح أن النائب العام حفظ القضية لعدم كفاية الأدلة، وكانت أسئلة النائب العام وردود طه حسين عليها شيئا ممتعا وعظيما، كما أن المستوي الثقافي للنائب العام كان رفيعا، كل ذلك حفز خيري شلبي لتحقيق هذا القرار من الزاوية القانونية وإعادة رصد وقائع القضية وردود أفعالها اجتماعيا وأكاديميا وسياسيا وأدبيا، ثم نتج عن ذلك واحد من أهم كتبه وهو: كتاب (محاكمة طه حسين) الذي طبع أكثر من مرة في مطبوعات دار الهلال.
لقد فعل عم خيري شلبي الكثير لأدبنا العربي وليس علي أرض الرواية فقط فقد تخطي الشكل والمضمون وتطور إلي أن اصبحت الرواية عنده معبرا وكوبريا للغرب كي يرونا ونراهم، وهذا ما يؤكده حبه وولعه بالتراث، وهنا أؤكد للكثير الذين يربطون بين التراث وتخلفنا، بل إنهم هم الذين لم يروا ويفهموا الجغرافيا الثقافية للأرض العربية وصحاريها، لذلك فإن ما يقدمونه عبارة عن استنساخ وانسلاخ للغرب، فقط تقليد أعمي ولوي الأعناق غرباً، تلك الأعناق التي كان يحب عم خيري شلبي أن يقصفها ويطيح بها وبما تمتلك من عقول
والذي كان يري عمة خيري شلبي كان يزعم أنه لم يغادر مصطبته ودكته منذ أن ألقيت حكايات ألف ليلة وليلة، لكننا كنا نراه وهو عند الخياط حيث يرتدي الجلباب والزعبوط ويلف عمامة فوق طاقية، ونراه وسط المقابر وهو يحمل محفات النعوش ويرش المياه ويسلم الرب وديعته، نراه وهو يتجول بين شوارع القاهرة وحواريها من عابدين وأرض شريف إلي صحراء حلوان، نراه وهو يسير خلف الجنائز باكياً كالأطفال وصارخاً كالعجائز، فعم خيري شلبي صاحب أول كف تربت علي كتفك في محنتك، وأول شفاه تبتسم لك وتهنئك عند نجاحك، وأول من يضع في جيبك النقوط وأول من يطلق لك طلقات الرصاص ابتهاجاً بك وبغزواتك الأدبية، ولا انسي منظره وهو جالس في صوان عزاء مستجاب، كان يبكي بشدة كبيرة علي فراق مستجاب، ولا أنسي أنه أول من شجعني علي خوض طريق الكتابة، فلا انسي أثناء هاتفي عندما كتبت أول مقاتل في حياتي ( مولانا مستجاب)، أنه الراعي والأب والمراقب دائماً لأفعالك، وآخر مرة التقيت بعم خير شلبي كانت في حفل تأبين العملاق محمود السعدني، سلم عليّ وقال لي أزيك يا محمد وازي أمك وأختك، أنه السؤال البسيط والذي تعلم انك ليس لوحدك في الكون، فيوجد شخص يراقبك ويتابعك ولا انسي انه نبهني علي تغيير اسمي كي اصنع لنفسي تاريخا ومجدا إلا إنني قلت له: إذا سوف اسمي نفسي محمد خيري شلبي، فضحكنا ومازلنا نضحك.. وداعاً يا عمنا الجميل الذي زين أحد كتبه بقول عمنا فؤاد حداد: إزاي أفضل أهيم ع الخط المستقيم، من حارة لجوه حارة وأفضل قلبي سليم.. وداعاً يا عمدتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.