كانت البداية صورة نشرها طبيب للطلبة الاوائل بالثانوية العامة في محافظة بورسعيد منذ 37 عاما، وكان واحداً منهم، بعد أن بحث عنهم ليعرف أين ذهبوا وكيف أصبحوا وماذا حققوا؟ وإكتشف من هذا البحث أن أغلب زملاء دفعته من الاوائل أطباء ومهندسين أكملوا دراساتهم وعملوا بعدة دول عربية وغربية، لم يعد إلي بلده منهم سوي واحد أو اثنين، ليعلق قائلا »لماذا تهاجر عقول مصر وتستمر بالخارج»؟ نفس الفكرة كانت موضوعا لعمل درامي إذاعي قديم بحث فيه البطل »نور الدمرداش» عن زملاء دفعته ليعرف كيف سارت حياتهم وكيف اختلفت أقدارهم، وكيف تغيرت أفكارهم وشخصياتهم، علق الطبيب علي ما توصل إليه من بحثه قائلا: كنا ندرس في كتب التاريخ أن الاستعمار يأخذ من بلادنا المواد الخام ليصنعها ويعيد بيعها لنا بأسعار باهظة، ولكننا الان ننتج شبابا »خام» يهاجر للعلم والعمل في بلاد الدنيا وللأسف معظمهم لا يعود، وسوف تتقدم مصر عندما تصبح جاذبة لهذه العقول لتستمر بها وتعمل وتحقق نفس النجاح. الصورة التي نشرت علي موقع التواصل الاجتماعي منذ ثلاث سنوات مازالت تحقق زخما كبيرا من التعليقات من مختلف الاتجاهات، بعضها تظهر يأسا من تغير أشياء كثيرة، وبعضها تهاجم من يتعلم في مصر بأقل النفقات- منذ 40 عاما- ثم يفضل الهجرة للخارج ويفيد بلاداً أخري بدلا من بلده، وبعض التعليقات كانت تظهر مرارة من عدم توافر فرص مماثلة للنجاح في مصر، وبعضها كان يؤكد أن هناك قصص نجاح كبيرة لمن فضلوا البقاء في وطنهم والتعامل مع واقع قاس واختبروا كثيرا من المعاناة حتي استطاعوا تحقيق أهدافهم في الحياة، دون انتظار فرصة تأتيهم من بلد آخر. أسباب كثيرة قد تكمن وراء حلم الكثيرين في الحصول علي فرصة للتعلم أو العمل بالخارج، بعضها قد يكون للهرب من نظم بيروقراطية عتيقة طاردت أحلامهم في زمن مضي، ولم تترك بابا يدخلون منه دون واسطة أو سند يفسح لهم الطريق، وحين يضيق الأفق أمام شباب في مطلع حياتهم من الطبيعي أن يبحث الواحد منهم عن أفق أكثر رحابة في مكان آخر. أعتقد ان إجابة السؤال المصاحب لقصة الصورة تحتاج إلي دراسات تبحث عن كيفية تغيير الأوضاع العامة التي جعلت عقولا كثيرة تهاجر منذ عشرات السنين وتفضل البقاء بعيدا عن الوطن بحثا عن نجاح لم تحققه فيه