عمي أبو النجوم مات.. كان هذا هو الخبر الذي هبط علي رأسي كصاعقة هوجاء في مثل هذه الأيام من خمس سنوات، أذكر وقتها لما سمعت الخبر الحزين أن أول ما مر بخاطري كان أنشودته الرائعة التي كتبها في رثاء أيقونة ثوار الدنيا النبلاء »إرنستو جيفارا»، ورحت أهتف بصوت مسموع »أبو المفهومية مات.. آخر خبر في الراديوهات والتليفزيونات.. وفي الكنائس والجوامع والمصانع والمزارع والساحات»... وقتها داهمني شعور بأن يتمي قد اكتمل برحيل الفاجومي بعدما مات أبي الأول ثم أمي، ثم أخيرا أبي الثاني أحمد فؤاد نجم.. فلن أنسي ما حييت أنه كان أول من استقبلني وأول من حضنني في أول زيارة وأول إقامة لي في سجن »استقبال طرة».. كنت أيامها (يناير 1977) فتي صغيرا وكان هو وتوءمه الروحي الشيخ إمام عيسي قيثارة ذائعة الصيت تشنف آذان الوطنيين والثوار في مصر والأمة العربية كلها.. لحظة أن ضمني أبو النجوم في حضنه الدافئ وكأنه أبي، كنت آتيا للتو من »سجن القلعة» حيث كان يجتمع عادة »عشاق الوطن» آنذاك، كما أخبرنا هو. من يومها صار أبو النجوم ينافس أبي علي عرش قلبي حتي رحل إلي دار الحق، وأظنه سيبقي هناك رفيقا للوالد الذي سبقه وعشمي أن كليهما في الجنة إن شاء الله.. لو يتسع المقام لكنت حكيت في الذكري الخامسة لرحيل »أبو نجوم مصر» ألف حكاية حلوة وطريفة تكشف روعته ورقته وعبقريته وصعلكته وطيبته ودهاءه وخفة روحه التي هي شيء من روح المصريين البسطاء ملح الأرض الذين خرج منهم وعاش ومات مخلصا لهم. غير أن ضيق المساحة ليس وحده الذي يمنعني الآن من الحكي، ولكن أيضاً ألم الذكري و»ضيق النفس»، لذلك سأترك ما تبقي من هذه السطور لقطوف من بستان إبداع أبو النجوم الذي يستعصي علي النسيان والموت.. وأبدأ ب »شمس البشاير»: هلي يا شمس البشاير طابت وآن الأوان طلي وحلي الستاير نور البشاير يبان وأرخي الضفاير مناير فوق الزمان والمكان مصر الشباب العزيزة قامت وكان اللي كان مصر اللي خاضت ليالي بحر الظلام الرهيب تسهر عليها البلاوي تزعق ولا من طبيب عرفت بلاها ودواها بعيون شبابها النجيب تسلم عيون الأطبا ويعيش حكيم الزمان مصر العلوم والصنايع والفلاحين والغيطان مصر الجنود بالمدافع متسلحين للميدان مصر السلام بالمعارك يفرش يغطي المكان ينده يا شمس الحقيقة طلي عليكي الأمان.. طلي عليكي الأمان مُر الكلام زي الحسام يقطع مكان ما يمر أما المديح سهل ومريح يخدع لكن بيضر وأخيرا.. إذا الشمس غرقت في بحر الغمام ومدت علي الدنيا موجة ظلام ومات البصر في العيون والبصاير وضاع الطريق في الخطوط والدواير يا ساير يا داير يا ابو المفهومية مفيش لك دليل غير عيون الكلام