عمّى أبو النجوم مات.. آخر خبر فى الراديوهات والتليفزيونات.. وفى الكنائس والجوامع والمصانع والمزارع والساحات. مات الذى كان أول مَن استقبلنى وأول مَن حضننى فى أول زيارة وأول إقامة لى فى سجن «استقبال طرة».. كنت وقتها فتى صغيرًا (يناير 1977) وكان هو وتوأمه الروحى الشيخ إمام عيسى قيثارة ذائعة الصيت تشنف آذان الوطنيين والثوار فى مصر والأمة العربية كلها.. لحظة أن دسّنى أبو النجوم فى حضنه الدافئ وكأنه أبى، كنت آتيًا للتو من «سجن القلعة»، حيث كان يجتمع عادة عشاق الوطن آنذاك، كما أخبرنا هو. من يومها صار أبو النجوم ينافس أبى على عرش قلبى، حتى رحل أخيرًا إلى دار الحق، وأظنّه سيبقى هناك رفيقًا للوالد الذى سبقه، وعشمى أن كليهما فى الجنة إن شاء الله. لو يتسع المقام لكنت حكيت عن «أبو نجوم مصر» ألف حكاية حلوة وطريفة تكشف روعته ورقته وعبقريته وصعلكته وطيبته ودهاءه وخفة روحه التى هى شىء من روح المصريين البسطاء ملح الأرض الذين خرج منهم وعاش ومات مخلصًا لهم. غير أن ضيق المساحة ليس وحده الذى يمنعنى الآن من الحكى، ولكن أيضًا الحزن و«ضيق النفس»، لذلك سأترك ما تبقّى من هذه السطور لقطوف من بستان إبداع أبو النجوم الذى يستعصى على النسيان والموت.. وأبدأ ب«شمس البشاير»: هلّى يا شمس البشاير طابت وآن الأوان طلّى وحلّى الستاير نور البشاير يبان وأرخى الضفاير مناير فوق الزمان والمكان مصر الشباب العزيزة قامت وكان اللى كان مصر اللى خاضت ليالى بحر الظلام الرهيب تسهر عليها البلاوى تزعق ولا من طبيب عرفت بلاها ودواها بعيون شبابها النجيب تسلم عيون الأطبا ويعيش حكيم الزمان مصر العلوم والصنايع والفلاحين والغيطان مصر الجنود بالمدافع متسلحين للميدان مصر السلام بالمعارك يفرش يغطى المكان ينده يا شمس الحقيقة طلّى عليكى الأمان.. طلّى عليكى الأمان ■ ■ ■ دور يا كلام على كيفك دور خلى بلدنا تعيش فى النور ترمى الكلمة فى بحر الضلمة تحبل سلمى وتولد نور يكشف عيبنا ويلهلبنا لسعة فى لسعة نهب نثور دور يا كلام على كيفك دور ■ ■ ■ مُر الكلام زى الحسام يقطع مكان ما يمر أما المديح سهل ومريح يخدع لكن بيضر ■ ■ ■ وأخيرًا.. إذا الشمس غرقت فى بحر الغمام ومدت على الدنيا موجة ظلام ومات البصر فى العيون والبصاير وضاع الطريق فى الخطوط والدواير يا ساير يا داير يا أبو المفهومية مافيش لك دليل غير عيون الكلام