الفيوم - محمود عمر: تتعرض بحيرة قارون بمحافظة الفيوم، التي كان يتفاخر صيادوها بإنتاجية أسماكها التي وصلت إلي 210 آلاف طن سنويا وأصبحت تعد الآن علي أصابع اليد الواحدة، لعملية موت محقق للحياة البحرية فيها وفق ما أكده الخبراء بسبب ظهور طفيل يقضي علي الأسماك، فضلا عن التلوث الذي يحيط بها من كل جانب، لا يقتصر الأمر علي ذلك بل تسبب تدني الإنتاج السمكي في هجرة مئات الصيادين للعمل في بحيرات أخري في السويس ودمياط، ومنهم من قرر السفر للخارج حتي يستطيع الإنفاق علي أسرته. فبحيرة قارون تلك البحيرة التاريخية ارتبط ذكرها بالقصة الشهيرة لقارون علي الرغم من عدم صحتها، ولكن ارتباطها بهذا الاسم أعطي لها بعدا تاريخيا علي مدار السنوات المتعاقبة، حتي أنها كانت قبلة للملوك والرؤساء في كافة الأزمنة، وكان يتباهي بها المسئولون أمام الزوار الأجانب لوقوعها في منطقة غاية في الروعة والهدوء، بالإضافة إلي اشتهارها بتواجد أجود وأشهر أنواع الأسماك، انهارت تمامًا حتي اصبحت مستنقعا للتلوث والطفيليات التي قضت علي الحياة البحرية فيها تدريجيًا حتي اصبحت خاوية علي عروشها من المخزون السمكي، حتي أعطي الرئيس عبد الفتاح السيسي تعليماته بالاهتمام ببحيرات الجمهورية وكان من ضمنها بحيرة قارون، والتي تم إمدادها ب 5 كراكات عملاقة للحد من التلوث تعمل منذ 3 سنوات، بالإضافة إلي تنفيذ حزام آمن وفلتر ميكانيكي داخل البحيرة، وتم مؤخرًا إلقاء 5 ملايين من زريعة الجمبري داخل البحيرة لعودة إنتاجها السمكي إلي سابق عهده. في البداية يكشف لنا الدكتور ديهوم الباسل الأستاذ بكلية العلوم بجامعة الفيوم أن تدهور أحوال بحيرة قارون بدأ منذ نقل زريعة أسماك موسي والبوري بأنواعه عام 1929 وتوالت عمليات النقل العشوائي بمعرفة موظفين غير متخصصين إلي أن حدثت كارثة نقل القشريات من نوع »قمل الأسماك Argus» والذي يتطفل علي خياشيم وفم الأسماك وقد يلتهم اللسان ويسبب أضرارا بالغة في الشكل والمضمون للأسماك، مشيرًا إلي أن البحيرة تستقبل مياه الصرف الزراعي بما فيها من مبيدات وكيماويات وكذلك مكونات الصرف الصحي التي تتسرب إليها عن طريق المنشآت المدنية والسياحية والقري الواقعة عليها وهو ما ساهم في خلق نوع من التفاعلات تسحب الأوكسجين، وعندما يهدأ التفاعل سرعان ما يعود عند إضافة مياه صرف جديدة، وكذلك الطيور المهاجرة تنقل الكثير من الطفيليات التي وجدت عوائلها الوسيطة من قواقع ومحاريات وقشريات تم نقلها من البحر مع الزريعة بطريق الخطأ ما ساهم في توطن تلك الطفيليات التي وجدت في مياه البحيرة بيئة صالحة لنموها وتكاثرها، حتي زاحمت الأسماك علي الأكسجين والغذاء دون وجود أنواع الأسماح اللاحمة التي تتغذي علي تلك القواقع والقشريات وتحد من تكاثرها فحدث ما يسمي بالإثراء الغذائي مما ساهم في نمو وتكاثر أنواع من الطحالب تنبعث منها روائح كريهة يمكن استنشاقها عند مدخل البحيرة. وقال د. محمد حماد مدير التنوع البيولوجي للمحميات الطبيعية بالفيوم إن مشاكل بحيرة قارون كثيرة من أهمها ارتفاع نسبة الملوحة بالبحيرة والتي وصلت إلي 38 جراما في اللتر ولحل المشكلة لابد من إنشاء مصنع جديد لاستخراج الأملاح بالإضافة إلي المصنع المقام حاليًا، كما أن البحيرة تعاني من ارتفاع نسبة الملوثات الناتج عن مياه الصرف الزراعي والصحي، ويجب رفع كفاءة محطات لصرف وإنشاء محطات للقري التي تقوم بالصرف علي البحيرة. وأوضح أن من ضمن المشاكل علي البحيرة مشكلة الصيد الجائر باستخدام شباك غير مصرح بها ولذلك قرر الدكتور جمال سامي محافظ الفيوم السابق مصادرة المركب وإلغاء ترخيصها لمن يقوم بالصيد المخالف علي البحيرة، كما أن هناك مشكلة كبيرة تواجه الصيادين وهي الطفليات وقنديل البحر الذي دمر الثروة السمكية بالبحيرة وسوف يتم تشكيل لجنة علمية لمعالجة المشكلة والإشراف علي تجميع الزريعة قبل وضعها في البحيرة، وهناك دراسة تعد للطفيلات الموجودة في الأسماك لإيجاد تصور علمي فعال للسيطرة علي الطفليات الموجودة في البحيرة مع التوعية للصيادين وتفعيل القانون ضد المخالفين. وإشار إلي أن الإنتاج السمكي للبحيرة في السنوات السابقة كان كبيرا وتسبب في رفع مستوي دخل الصيادين وحاليا لا يوجد سوي 5 أنواع من الأسماك فقط داخل البحيرة وهي البلطي والبوري والبساريا والجمبري والموسي، ويوجد 605 مراكب مرخصة يعمل عليها من 4 إلي 6 أفراد، وعقب ضعف الإنتاج وتدنيه هجروا مراكبهم للعمل في محافظات أخري. دكتور عمرو هيبه مدير عام المحميات الطبيعية السابق بالفيوم، يقول إن بحيرة قارون جزء من محمية قارون مساحتها تبلغ 235 كيلو مترا مربعا أي ما يعادل 55 ألف فدان، مشيرًا إلي أن أهم المشاكل التي تواجه البحيرة الصرف الصحي المحمل علي المصارف الزراعية بسبب عجز بعض المحطات المعالجة عن أداء دورها المنوط بها ما أدي إلي تكوين المعادن الثقيلة وأثرت بشكل فعال علي طبيعة المياه وعلي البحريات. ولحل هذه المشكلة سوف يتم قريبًا إعلان إنشاء مصنع جديد لاستخراج الأملاح من البحيرة، بالإضافة إلي منحة لإنشاء 84 محطة لمعالجة الصرف الصحي الذي يصب في بحيرة قارون، مما يساعد علي تحسين نوعية المياه، ونتمكن من استزراع أنواع جديدة من الأسماك. من جانبه أكد اللواء عصام سعد إبراهيم محافظ الفيوم، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يولي اهتمامًا كبيرًا ببحيرات الجمهورية ومن ضمنهم بحيرة قارون التي تم إمداداها ب 5 كراكات عملاقة لتطهير قاع بحيرة قارون من الطبقة العضوية التي تضر بالثروة السمكية في البحيرة، مشيرًا إلي أنها تمنع التسريب في باطن الأرض مما يؤدي إلي تراكم طبقة الحمأة الضارة التي تلوث المياه، وأسهمت بشكل كبير في تطهير قاع البحيرة وتحسين الحياة المائية فيها. وتابع محافظ الفيوم أن ما تم إنجازه في بحيرة قارون في الفترة الماضية سيسهم بكشل كبير في تحسين الحياة المائية وعودة الثروة السمكية فيها، خاصة وأنه تم تنفيذ الحزام الآمن والفلتر الميكانيكي وحوض التهدئة والبدالات علي البحيرة، مشيرًا إلي أن تنفيذ حوض التهدئة أمام مصب مصرف البطس يبدأ بهدار قبل الدخول للحوض بطول 100 م وعرض 40 م وعمق 4 م بإجمالي أعمال حفر قدرت 16 ألف م3، مشيرًا إلي أنه تم تنفيذ الحزام الأمن بداية من مصرف البطس في اتجاه الجزء البحري من المرحلة الأولي بعرض 30م سطحي و14 م قاعي وعمق 3.5 م بقطاع 77م2 وبطول 3.5 كم بإجمالي أعمال حفر 336000م3 استخدمت فيه كراكة قاطعة ماصة و3 معدات متعددة الأغراض و3 حفارات برمائية و4 حفارات برية علي أن يتم تطهير وتعميق القناة »الأحزام الأمن» بصفة دائمة، كما تم تنفيذ فلتر ميكانيكي من إجمالي 5 فلاتر أخري من خلال المرحلة الأولي للمشروع، وتم تركيب 4 بدالات هوائية لتحسين خواص المياة بالبحيرة وتم وضع 2 قبل الفلتر و2 بعد الفلتر الميكانيكي، بالإضافة إلي تنفيذ أعمال التكريك اللازمة لإنشاء الحزان الأمن وأحواض التهدئة وتنفيذ الجسور لتنفيذ الفلتر الميكانيكي عن طريق المعدات التابعة للهيئة العامة للثروة السمكية، كل ذلك ساعد بشكل كبير في تحسين الحياة المائية بالبحيرة. وأوضح محافظ الفيوم أن هيئة الثروة السمكية ألقت 5 ملايين من زريعة الجمبري في شهر أغسطس الماضي داخل بحيرة قارون علي مرحلتين، بعد أن ألقت في البداية نصفها وبعدها بيومين ألقت النصف الآخر، مشيرًا إلي أن الجمبري يتكاثر بشكل كبير ولا يتأثر بوجود الطفيل الموجود داخل مياه البحيرة بل علي العكس يتسبب الجمبري في قتل هذا الطفيل وبعدها بفترة سوف يتم وضع أنواع أخري من الأسماك.