علي الرغم من أنه من المُسَلَّم به عمومًا كون أرقي أشعار هاينريش هاينه كتبت في سنواته الأخيرة فإن كتاب الأغاني الذي يجمع كل إنتاجه الغنائي إلي سن السادسة والعشرين يبقي جوهر عمله الشعري. اكتسب الكتاب شعبية فور ظهوره وصدرت منه طبعات عديدة علي مدي عقود. كانت الآراء النقدية في تلك الفترة تشيد بهاينه لكتابته شعره بروح الأغنية الشعبية وفي شكلها البسيط لكنه سرعان ما أصبح شخصية مثيرة للجدل ولا تزال سجاياه موضع نقاش شديد في الأراضي الألمانية إلي اليوم. وهناك خلافات كثيرة تتمحور حول كتاباته النثرية المتأخرة التي أسفرت فيها طبيعته الشعرية غير المستقرة نتيجة لمقاربته الدين والفلسفة السياسية إلي جانب الرؤي النبوية المخيفة عن غموض خطابيٍّ كبير. لقد كانت مشاعره تجاه ألمانيا شديدة الغموض.فيما بعد وخلال منفاه في باريس أصبح هاينه بمثابة جسر يربط بين ضفتيّ الراين؛ أما التأثيرات الفرنسية التي أحاطت به في الست عشرة سنة الأولي من عمره التي كانت خلالها راينلاند في الغالب إما تحت الاحتلال العسكري أو الحكم المدني الفرنسي فلم يكن لها تأثير يذكر علي ما يبدو. في مذكراته قال هاينه إن التجارب المدرسية المبكرة جعلته متشبِّعًا بتحامل دائم تجاه الأدب الفرنسي ثم دخل في مرحلة من الحماسة القومية التي انتهت فحسب حين اكتشف أنه تنفَّس بحرية أكبر تحت حكم الفرنسيين منه في ظل النظام البروسي. في نهاية المطاف شجب هاينه رهاب الثقافة الفرنسية والأنانية القومية الألمانية. وكان في إحدي قصائده المبكرة قد عبَّر عن اعجابه الصبياني بنابليون عادة ما يكون الإعجاب ليس بالأفعال ولكن فقط من أجل عبقرية الرجل لكن بعد أن عاش هاينه بين الفرنسيين أصبح إعجابه موجَّهاً بشكل أساسي نحو تحررهم من المثالية والحكمة والنظرة العاطفية التي طالما عابها علي اليهود الألمان في ظل تنامي حس الدعابة والسخرية لديه. في القسم المعنون باسم » بحر الشمال» الذي ينتهي به كتاب الأغاني يصف هاينه حبه العميق لألمانيا وهو الحب الذي ازدهر علي الرغم من حقيقة كون »التربة الألمانية اللطيفة» مليئة » بالجنون والفرسان والمقاطع الشعرية البائسة». هناك مقاطع خاصة في قصائده المبكرة يعبر فيها بوضوح عن تماهيه مع الشخصية الألمانية إما عن طريق رثاء نبل وفضائل ألمانيا القديمة أو عبر إطراء ومديح شجرة البلوط التي تتمثل فيها بسالة و »قداسة» وطن الأسلاف. لقد كان هناك شيء في حبه لألمانيا يشبه علاقته بحبيبتة المفتقدة ومحاسنها الزائفة تلك العذراء ذات الجمال المزهر والقلب المتحلل وهذا ما ظل يشكل في مجمله معظم رصيده الشعري وما يكاد يمثل في الحقيقة أهم كنوزه الأدبية مع هذا فقد كان هاينه يعتبر نفسه من البداية إلي النهاية مواطنًا ألمانيًّا، وشعره متجذِّر بعمق في الحركة الرومانسية. كما كان يحب أن يشير إلي نفسه كآخر الرومانسيين بما يعني نهاية المدرسة الشعرية الألمانية القديمة ذات الطابع الغنائي، وبرغم انحيازه ذاك إلي التجديد فقد هاجم مجموعة »ألمانيا الفتاة» ذات التوجه السياسي الواقعي بنفس الحماسة التي هاجم بها الشعر القديم والروحانيات الرجعية . جرَّب هاينه في معظم أنماط وكافة أشكال القصيدة الرومانسية إلا أنه أخذ من الحركة ما يناسبه فحسب مشكِّلا في النهاية رافداً مهمٍّا انحرفت بواسطته الروح الرومانسية الألمانية نحو ما عرف فيما بعد بالرمزية. إن كلمات كتاب الأغاني تعاني في بعض الأحيان من تدفق سهل للمعني والشعور ولكنه مليء أيضًا بشعر يتجنب منذ البداية ذري المطلق وأعماقه علي حد سواء. لقد كان تعامله مع المطلق موجَّهًا إلي حد ما للمحافظة علي نوع من التوازن الخطر مدعومًا بلغة هاينه الطازجة النشطة وموسيقاه الرقيقة بغزلها المتدفق المسجوع وانعطافاته ذات الحس المألوف الساخر . هذا ويشتمل كتاب الأغاني Buch der Liederالصادر عام 1827، والذي يعد أشهر أعمال هاينه بعد أن قام الموسيقيان الشهيران فرانس شوبرت وروبرت شومان بتلحين بعض قصائده، علي خمس دورات أو أقسام هي علي الترتيب: 1 آلام الشباب Junge Leiden 2 فواصل شعرية Lyrisches Intermezzo 3 العودة إلي الديار Heimkehr 4 من رحلة هارتس Aus der Harzreise 5 بحر الشمال Die Nordsee وتشمل المختارات المترجمة هنا آلام الشباب، العودة إلي الديار و بحر الشمال.