زيارة إلي المعتقل ذات مرة أمام واجهة مبني مرتفع شاهق الارتفاع عندما كنت صغيرة صغيرة للغاية وقفت الجماهير تنظر إليّ عبر النوافذ تنادي وتبتسم قال الرجال الطيبون حاملو الفؤوس في حديقة الأشغال الشاقة »سيدي.. أتسمح لنا أن نلمس شعر الطفلة الصغيرة» آه.. لقد كان شديد الحمرة كما تعلم وبدأوا يقطفون لي زهور خماسية ملونة بمقصات حادة لامعة ويقدمون لي الأعناب والخوخ والكمثري وكعكات لذيذة لآكلها من خلف جميع النوافذ وبغضّ النظر عن الاتجاه الذي كنت أسلكه كانت عيونهم المُحبة تلاحقني بالنظر والامتنان كانت هناك ألف نافذة جميعها موصدة بالسياج الحديدي من الأسفل للأعلي بامتداد المبني رأيناها في طريق عودتنا حاولوا الظهور بأكبر قدر ممكن من الوداعة والطيبة وهم يصيحون عودي مرة أخري يا فتاة حتي يمكننا رؤيتك فأجبتهم »لماذا لا تأتون أنتم لرؤيتي؟!» علي ربوة ذات ظهيرة سأكون أسعد مخلوق تحت أشعة الشمس سألمس مئة زهرة ولن أقطف حتي واحدة سأنظر بعيون هادئة للمنحدرات والسحاب وأراقب الرياح وهي تعبث بالعشب لتوقعه والعشب ينهض مرة أخري وعندما تبدأ أنوار البلدة في الظهور من بعيد سأقرر أيهم يجب أن يكون ملكي ثم أبدأ في النزول. صدقة لقد أصبح قلبي كما كان من قبل منزلاً يزوره الناس ويرحلون ولكن حبك جاءني بالشتاء إطارات النوافذ مغطاة بالثلج أضيء المصباح وأضع قطعة القماش جانباً وأوقد الفحم البارد مرة أخري ولكن حبك جاءني بالشتاء وتكوّن الصقيع بكثافة علي الزجاج أنا أعرف فصل الشتاء عندما يأتي الأوراق تصبح ذابلة علي غصون الاشجار راقبت حبك لفترة من الوقت ثم أدخلت نباتاتي إلي المنزل قمت بسقايتها وتقليب التربة قطفت الأوراق البنّية من سيقانها ولكن حبك جاءني بالشتاء لا أملك إلا الاعتناء بها وسقايتها كان هنالك وقت فيما مضي حيث أتوقف لمشاهدة العصافير الهزيلة المتعبة كنت أحب الشحاذ الذي أهبه الطعام واستمع لما يقوله باهتمام اليوم شاهدته قادماً من بعيد فتحت الباب ووضعت وعاءً علي السلم إن قلبي كما كان من قبل ولكن حبك جاءني بالشتاء قمت بمسح الفتات من علي درجات السلم وأغلقت النافذة بإحكام لتجمع العصافير الفتات أو لتتركها هذا أمر يخصها وحدها. إشارة تاريخية كنت أفكر وأنا أمرّ بعيني علي طرف المغزل إن »بينولبي» كانت تفعل مثلما أفعل ليس لمرة واحدة بل لمرات عديدة فالمرأة لا تقدر أن تستمر في الغزل طوال النهار ثم تقوم بحلّ الغزل عندما يأتي المساء الذراعان يصيبهما التعب ومؤخرة العنق تصاب بالتقلصات الصباحات التي تمر بها لن تكون سهلة وزوجها بعيدا ولا تعرف عنه شيئاً عدة سنوات ستنفجر فجأة بالبكاء ثم تدرك ببساطة أن هنالك أشياءً أخري يمكنها أن تفعلها كنت أفكر وأنا أمرّ بعيني علي طرف المغزل إنه أداة قديمة أثرية أصيلة تضمنتها أقدم الأساطير الإغريقية وأكثرها كلاسيكية وقد فعلها »يوليس» أيضاً كرمز أو إشارة ضمنية ليثير اهتمام الحشد المجتمع لقد أخذها عن »بينولبي» »بينولبي» التي كانت تبكي بصدق. السفر يبعد عني خط السكة الحديدية أميالاً عديدة واليوم صاخب مليء بالأصوات العالية ولم يمر قطار واحد طوال اليوم ولكني أسمع صراخ الصافرة في الليل لا تمرّ قطارات بالجوار الليل مخصص للنوم والأحلام ورغم ذلك فأنا أري أضواءها الحمراء في السماء وأسمع أصوات محركاتها البخارية إن قلبي دافئ بالأصدقاء الذين عرفتهم ولكنه أفضل حالاً بالأصدقاء الذين لم أتعرف عليهم بعد لذلك لا يوجد قطار لا أتمني أن أركبه لا تهمني وجهته جوقة موسيقية تتخلي عن ردائها تتخلي عن حذائها لم يعد لديها مزيد من الاحتياج لذلك الثوب المعطر انزعوا كل شيء عن الشماعات المبطنة أزرق أخضر أزرق أرجواني وردي أزرق إنها لن ترقص مرة أخري في حذائها الضيق أبعدوا هذا الحذاء الضيق عن أرضية الخزانة. أشجار المدينة الأشجار بطول شوارع المدينة تحفظ حركة المرور والقطارات وتجعل الأصوات رقيقة كالحلوي كالأشجار في طرقات الريف التي يستظل بها الناس ويهربون من المطر تسمع من خلالها أصوات الموسيقي كما لو كانت مصنوعة من أشجار الريف آه أيتها الأوراق الصغيرة الغبية التي تتحدي هواء المدينة الصاخب أنا أشاهدك عندما تهب الرياح وأعرف ما هو الصوت المحبوس بداخلك. شجرة الغار لماذا تتبعني يمكنني أن أتحول في أية لحظة لشجرة الغار يمكنني في أي لحظة أن أهرب من تلك المطاردة أستطيع أن أجعلك في مكاني أستطيع أن ألقي بك في حضن غصن وردي ومع ذلك ما زلت تتبعني عبر التلال والمنخفضات بإرادتك الحرة ومع ذلك سأهرب منك متوجهاً لمدار »أبولو». المغادرة لا أهتم كثيراً بأي الطرق أسلك ولا إلي أين ينتهي ذلك الطريق ما يهمني أن أخرج من هذا المنزل أن أرحل إلي مكان ما قبل أن ينفطر قلبي أنا لا أعلم الكثير عن محتويات قلبي ولا أفهم الكثير عما يدور بعقلي ولكن شيئاً ما بداخلي يخبرني بأنني يجب أن أبدأ من جديد ولا يهم إلي أين ستأخذني قدماي أتمني أن أستطيع السير لمدة يوم وليلة حتي أجد نفسي عند الفجر في بقعة مهجورة حيث لا طريق ممهد في الأفق ولا سقف منزل ولا عيون محدّقة أتمني أن أستطيع السير حتي ينسكب دمي فأسقط أرضاً ولا أستطيع الحراك مرة أخري علي شاطئ واسع يغمره المد وصخوره المكسوة بالعشب تصبح عارية تحت المطر سواء غرقت أو طفوت فأنا قليلاً ما أهتم بالمسار الذي أسلكه ولا أهتم إلا قليلاً بالضجة التي سيثيرونها لوعثروا عليّ ميتة ومتجمدة في حفرة في مكان مجهول قالت » هل هناك ما يشغلك يا عزيزتي فأنتِ تعملين غارقة في صمتٍ عميق » » لا شئ يا أمي إنها مجرد عقدة في بكرة الخيط سوف أحضر الغلاية وأصنع قليلاً من الشاي » تلاشٍ أنا أعرف ما هو شكل قلبي منذ أن مات حبك إنه مثل صخرة مجوفة تحمل بركة صغيرة خلفها المد بركة صغيرة تافهة تجف بالتدريج..