لا شك أن لوقع اسم ريا وسكينة رهبة لم يمحها الزمن علي الرغم من بشاعة الجرائم التي ترتكب حاليا، إلا أن هاتين الأختين ظلتا رمزا للشر وللجرائم السيكوباتية التي تدفع الإنسان بالخوف من الجنس البشري وتعيد إلي الأذهان أسئلة عدة من عينة هل يموت الضمير الإنساني في مقابل المادة، هل يفقد الموت رهبته لدرجة المجاورة بعد القتل.. ربما لهذه الأسباب اختار الفنان الشاب هابي خليل »ريا وسكينة» ليعيد تقديمهم بصورة مغايرة من خلال ما يقرب من 15 عملا فوتوغرافيا في معرض استضافه مؤخرا جاليري بيكاسو بالزمالك. وتميل تلك المجموعة إلي ما يعرف باسم التصوير المفاهيمي الذي يفتح المشهد البصري للتأويل تاركا للمتلقي مهمة حل الشفرة وتلقي الرسالة .. حيث يخرج كل عمل من تلك الأعمال برسالة خفية يضعها الفنان خلف مشهد أعده جيدا علي عكس باقي أنواع التصوير الأخري التي تحكمها اللحظة كتصوير الشارع مثلا. استوحي هابي تلك المجموعة من واحدة من أسوأ الجرائم الجنائية في التاريخ المصري الحديث بهدف استكشاف الصراع بين الإيديولوجيات التقليدية والليبرالية الحديثة. إذ إن ريا وسكينة هي واحدة من أبشع جرائم القتل، فقد هربت الأختان من صعيد مصر ليقطن بحي فقير بالأسكندرية ويمارسن القتل عن طريق إغواء الضحية وجذبها إلي المنزل بمنحها وعد زائف للحصول علي البضائع بأسعار رخيصة قبل أن يتم تخدير الضحايا وخنقهم ثم دفنهم تحت بلاط المنزل. وبعد ارتكاب أكثر من 17 جريمة، تم القبض علي الشقيقتين وحكم عليهما بالإعدام في عام 1921 ، وهي أول عقوبة في القانون المصري الحديث ضد المرأة. بالنسبة لهابي فإن ريا وسكينة العصر الحالي هم أطراف الأيديولوجيات المتصارعة ، ربما هم أصحاب الصراعات والنزاعات التي لوثت أيديهم دماء الأبرياء، وقد اختار أن يسمي كل عمل فوتوغرافي علي حدة، فخرجت الأسماء قوية تدفع بالمتلقي لإعادة قراءة العمل إذ يقول هابي: كل اسم يصف شكلا ومرحلة من مراحل الصراع التي تدور بين الأيديولوجيات المختلفة ، وبين »التطهر» ، و»العبء» و»القسم» ، و»العدالة للجميع» ، و»اتبعني» و»اعتراف» وغيرها تنوعت الأسماء. وقد اعتمد في كثير من الأعمال علي الثنائيات بين فتاتين تبدوان متماثلتين إلي حد كبير، إذ يدعو التماثل البصري المشاهد إلي التركيز علي الفرق بينهما، في حين يخلق استخدام الملابس ايحاءً رمزيًا بالمصير المتصل للشقيقتين، ففي لوحة »اتبعني» تنظر كل منهما في اتجاه مغاير يصل بينهما غطاء رأس واحد أو بالأحري ملاية لف تلك التي اعتادت المرأة ارتداءها في ذلك العصر، فهناك دائما حلقة وصل مهما اختلفت الأيديولوجيات، كل منها يحاول جذب الآخر لطريقه، أما صورة »القسم» و»الاحتفال» فتوحي بحالة ألفة وترابط تعكس كما يفسر هابي - مشهد متكرر ودارج بين الأيديولوجيات المختلفة بعد فترة من الصراع والدموية والحروب حين يخرجون بأشكال تحالفات غريبة، حتي صورة »اعتراف» فتكرس لما يدور وراء الأبواب المغلقة علي عكس ما قد يظهر للجمهور. كذلك اختار خليل أن يستكشف أبعاد القصة بالأبيض والأسود فيما يرمز إلي الصراع الأبدي المستمر بين تلك الأيديولوجيات. فيما تعكس تلك المساحة البيضاء المحيطة بالشخصيات عزلتها الداخلية. وقد عزز هذا التناقض حالة التفاعل بين الموجودات وما يحيط بها يستخدم هابي في الغالب الموضوعات التاريخية كلغة بصرية لمعالجة القضايا الاجتماعية السياسية. ففي مشروعه »اغتراب» - الذي يعمل عليه حاليا - يوظف رموز من الحضارة المصرية القديمة متمثلة في خمسة من أهم الآلهة ومن بينهم حابي إله نهر النيل، ولكن في إطار زمني ومكاني مختلف عن سياقهم الأصل. إذ يناقش تلك اللحظة التي يصطدم فيها الإنسان بكل قناعاته ويتعامل معها كمسلمات وحتي يتجنب تدمير كل القيم والمعاني الإنسانية التي أدت لوجوده ينتهي به الحالة لدخول حالة من النكران تدفعه لتكرار نفس المعتقدات ولكن هذه المرة بطريقة مشوشة ومضطربة. أما مشروعه القادم "الطريق إلي الجنة" فيعالج قضايا ذات علاقة بالمرأة والطفل مثل الختان والزواج المبكر وعمالة الأطفال والاستغلال الجنسي للأطفال. وقد ولد هابي خليل عام 1979 ، وهو فنان بصري علم نفسه بنفسه بعد أن درس تجارة إنجليزي ، وهو يعمل بشكل أساسي في التصوير الفوتوغرافي والسينمائي والفيديو. وله خبرة كبيرة في مجال التصوير الدعائي، الأمر الذي ساعده فيما بعد في مشاريعه الفنية إذ يقول: إدارة مشاريع إعلانية ذات انتاج ضخم علمني كيفية التخطيط وإدارة المشاريع بشكل احترافي، وكيفية وضع جدول زمني، وكذلك أسس ومعايير اختيار فريق العمل والتغلب علي المشاكل . جدير بالذكر أن لهابي تجربة متميزة في التصوير السينمائي، حيث عمل كمدير تصوير لفيلم »في يوم» وهو يحكي بالتوازي قصص مختلفة ليست شخصيات يعيدون البحث في مفهوم الهوية بعد أن فقدوا الأمل والكرامة من خلال سعيهم لحياة كريمة وقد نال الفيلم شهادة تقدير من مسابقة السينما العربية آفاق في مهرجان القاهرة السينمائي 2015.