حين تشاهد لوحات هذا المعرض لأول وهلة قد تعتقد أنها لا تعدو أن تكون تناولا فنيا لسلسلة جرائم الخطف والقتل التي ارتكبتها الأختان ريا وسكينة, وقد تشعر أيضا أن الأمر ينطوي علي قدر من الطرافة أو الخروج عن المألوف أن يكون هذا الحادث الشهير وبعد مرور كل هذه السنوات الطويلة محورا لمعرض فني, لاسيما أنه في مجال التصوير الفوتوغرافي! لكنك سرعان ما تكتشف أن الأمر ليس كما يبدو لك, وأن ثمة رسائل و أفكارا فلسفية يطرحها الفنان الشاب هابي خليل في أحدث معارضه الذي يحمل اسميهما معا ريا وسكينة. يعد المعرض استكمالا لمرحلة فنية, يهتم فيها الفنان باستخدام الموروث الحضاري والثقافي لمصر كلغة بصرية في تعبيره عن المشكلات المجتمعية, فقد سبق هذا المعرض مشروعه الذي أطلقه منذ نحو سنتين بعنوان العزلة, وسيتبعه بمشروعه القادم الذي يستعد له الآن تحت عنوان الطريق إلي الجنة, وهو ما يفسر لك ما تنطوي عليه أعماله من عمق فكري وأبعاد أيديولوجية. يقول هابي: حين أردت تناول قضية ريا وسكينة قرأت معظم ما نشر عنهما وعن الحادث, رجعت للصحف القديمة والكتب ودرست جيدا ما جاء في المحاضر الرسمية, وفي المحاكمة, وكان من أكثر ما استوقفني هو الاختلاف الشاسع في شخصية وردود أفعال وقناعات كل منهما حتي في لحظات الإعدام, علي سبيل المثال بينما كانت ريا ملتزمة الصمت ويرتسم علي وجهها وحديثها إحساس ما بالندم, فإنه علي العكس من ذلك كانت سكينة تصيح ويعلو صوتها مؤكدة أنه لو عاد بها الزمن, لكانت قد كررت ما فعلته!. ومن هنا تناول الفنان في معرضه المقام بجاليري بيكاسو حتي12 سبتمر الجاري, القضية في إطارين مختلفين, الإطار الأول وهو الأكثر شمولا فإنه يكمن في فكرة أنه مهما اختلفت شخصيتنا واتجاهاننا أو أيديولوجياتنا, فإنها تبدو مختلفة من الظاهر, لكن إذا ما تعمقنا فيها فقد يفاجئنا كم أنها متشابهة إلي حد كبير, والأكثر من ذلك أن الهدف أو التوجه قد يبقي واحدا, وهو الفوز بالنجاح أو المال, والرغبة في السيطرة وتحقيق الأنا, وكيف يصل الأمر بالبعض إلي سلك وسائل غير مشروعة, قد تصل إلي إنهاء حياة الآخرين. أما الإطار الآخر فهو مواجهة الأفكار القادمة من الماضي, والتي تريد أن تفرض نفسها للآن, مثل الزواج المبكر أو الختان أو العنف ضد المرأة ولذلك لم يكن اختيار هابي للونين الأبيض والأسود مصادفة, إنما هو انعكاس لاستمرار الصراع بين الحديث والقديم أو صراع الأجيال. أما ما يثير دهشتك فهو اختياره لشاب لا لفتاة لتكون ضحية ريا وسكينة في أعماله!, وهو أمر أراد به التأكيد علي فكرة أن ضحية سيطرة الأفكار البالية والقوالب الجامدة إنما هو المجتمع بأكمله لا الجنس الناعم وحده, وأن علي الجيل الجديد أن يصر علي التخلص من هذه الأفكار, لاسيما أن ما يربطه بها روابط ضعيفة, وهو جسده ببراعة حين جعل هناك غشاء من البلاستيك الرقيق الشفاف يربط الشاب بالصندوق في رمزية لهذا الضعف. يستخدم الفنان في أعماله أسلوبا فنيا عرفه الفن الأوروبي والأمريكي منذ سنوات طويلة, لكن يندر استخدامه في الفن المصري, لارتفاع تكلفته, وما يتطلبه من مال ووقت وجهد, وهو ما يمكن أن نطلق عليه مسرحة الفن أو مسرحة الفوتوغرافيا أي استخدام جانب كبير من عناصر الفن المسرحي في اللوحات; حيث يتم خصيصا للتصوير تجهيز استديو وإقامة ديكور وتصميم وإنتاج الملابس والإكسسوارات, والاستعانة بالممثلين, ومدير للإنتاج والإضاءة, ومن هنا يصل فريق العمل الذي يستعين يه هابي في عمله إلي30 شخصا. ومن أهم ما يحققه المعرض أنه نجح في أن يواجه حالة التردد التي تنتظر دائما معارض التصوير الفوتوغرافي من جانب الجاليريهات في مصر, في الوقت الذي يتنامي فيه الاهتمام بها في العالم والمنطقة العربية لاسيما في دبي ولبنان, إلي حد أنه أصبحت هناك قاعات متخصصة في هذا المجال وحده.