ما أشد وأصعب الحياة اليومية بصراعاتها وابتلاءاتها لو حرص الإنسان فقط علي ما فيه هوي نفسه وحظوظها ،وخاصة في العبادات.. الهدف من كثرة العبادات هو الانتقال من أعمال الجوارح إلي أعمال القلوب ؛ فما الجدوي من أن أكون صواما قواما مؤديا للحج والعمرة كل عام لكنني عند أبسط ابتلاء أنهار ولا أؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره؟! وكيف يتجلي الله علي الإنسان بالقهر والغلبة إن لم يختبره بالمرض،فيتعرف الإنسان علي ربه القهار؟!.. أليس الله هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الذي يبتلينا بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ،ليبشر الصابرين منا، ويصطفيهم بهدايته ورحمته وصلواته عليهم ؟!فهو القائل سبحانه وتعالي :(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين،الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون،أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). ماذا يستفيد الإنسان من كثرة تكرار الجوارح للعبادات إذا اغتر بهذه الكثرة وأخذته في طريق العزة والغرور والاستكبار في غياب أعمال القلب؟! لذلك يعتبر الفقيه الزاهد ابن عطاء الله السكندري أن حضور القلب بالتوبة من المعاصي خير من الطاعات التي تورث الكبر وغيره من أمراض القلوب كالرياء والمن والغرور ؛ حيث يقول ابن عطاء : (رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا) في المحن والابتلاءات يدرك المرء أسماء خالقه وصفاته ويعايشها في معناها الأسمي راضيا بقضاء الله وقدره،فلا يكفي أن نرددها ليل نهار، حتي اننا أصبحنا نفتتح ونختتم بها الأفراح والليالي الملاح، دون أن ننتقل بها من أعمال الجوارح إلي أعمال القلوب.. الاعتماد علي الله والتوكل عليه وتفويض الأمر له يقتضي أن نتحلي بصفات الصابرين،الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا:إنا لله وإنا إليه راجعون حتي ننال الجزاء الأوفي ،وهو هداية الله لنا وصلواته سبحانه وتعالي علينا ورحمته الواسعة لنا بدلا من الصراعات النفسية اليومية التي يعيشها الكثيرون في مواجهة ابسط الابتلاءات. ماأجمل العبادات حينما تسمو بقلب الإنسان وترقي بسلوكياته في مواجهة محن الحياة وابتلاءاتها اليومية.