1 لا أعرف كيف ابدأ بالرغم من أن الحكاية لم يتم رويها من قبل.... في شارع مزدحم بمدينة كبيرة.. كان التنين يعيش معروفا بين الجميع بشجاعته واخلاقه الكريمة، يتميز بين أقرانه بحبه للمغامرة وثقته بنفسه ومثابرته علي تنفيذ اختياراته.. ومن ناحيته كان التنين يؤمن بالحب (بمعناه العام) وما يمنحه لنا من طاقة ايجابية تمكننا من تقبل حياتنا والتفاعل مع كل تقلباتها بصدر رحب فالتنين متفائل ويري انه لا يوجد سبب لأن نكون غير ذلك مهما تفاقمت مشاكلنا فأي مشكلة لها حل وإذا لم يوجد حل فليس هناك مشكلة أصلا.. وبناء علي ماسبق فإن التنين كان دائم المساعدة لمن حوله- حتي ولو لم يطلبوا منه ذلك- يقدم مقترحات، يطرح بدائل، يبث روح العزيمة والحماس العنيد، وان تطلب الامر يشارك فعليا في التغلب علي الازمة كما لو كان هو صاحبها..حتي جاءت ايام شعر فيها التنين "بعد عمر طويل" بأنه يحتاج لمن يلعب معه الدور الذي يلعبه هو مع الناس لم يشعر بإحباط أو بنفاد طاقته بقدر ما شعر بالوحدة وان من حوله صاروا غير متقبلين لمساعدته او مشاركته لهم في ازماتهم.. ذهب إلي الخيميائي يطلعه علي ما يشعر به طالبا مشورته فأخبره الأخير أن عليه الرحيل الي ارض اخري عليه أن يجد الشجرة البيضاء وتحت ظلها سيلاقي مصيره! وفي الطريق اليها سيقابل من هم بحاجة حقيقية الي مساعدته..(عليك ان تجدها لا ان تبحث عنها فقط ). بدأ التنين رحلته عابرا الكثير من البلاد والمدن متنقلا بين مختلف التضاريس، حتي وصل الي صحراء كبيرة ليس لها حدود شعر أنها النهاية و لم يقابل اي شجر ابيض او ناس بحاجة لمساعدة خاصة وضع حقيبته ومدد بجانبها متطلعا الي السماء بنجومها اللانهائية و راح في نوم عميق..ومع شروق الشمس استيقظ التنين عاقدا العزم علي اكمال رحلته التي لا يعرف كيف سيكون خط سيرها بعد الان وهو وسط هذا اللامتناهي الا انه لاحظ وجود اثار لخطوات محفورة علي استحياء فوق رمال الصحراء فتتبعها متمنيا الا تخونه العلامات وان يهتدي لما ذكره الخيميائي..بعد ساعات سير طويلة بدا أمام التنين علي بُعْد بناية متسعة في نفس اتجاه الخطوات ففرح وشعر انه لم يخطئ واسرع في سيره حتي وصل للبناية كان لها باب كبير جزء من سور كبير يحيط بالبناية كلها ولأن الباب كان مفتوحا فقد تقدم التنين للداخل فلم يجد سوي مجموعة من الكراسي والمناضد موضوعين دون نظام وأطلال حديقة قديمة ماتت كل اشجارها وذابلة كل ورودها وبعض الحجرات المتفرقة وفجأة انتبه علي صوت عجوزمتقطع يسأله(من أنت؟هل انت حامل الطعام ؟) وما عرفه التنين ان هذا المكان مخصص لمجموعة من كبار السن فاقدي التاريخ و الذاكرة كان هناك من يرعاهم وكان الجميع يشارك في زراعة الحديقة و ريها عن طريق بئر عميقة محفورة داخل المكان ولكن مع مرور الزمن لم يعد يأت من يرعاهم وساءت احوال الحديقة حتي صارت هكذا ومن حين لآخر يأتيهم زائر بطعام بالكاد يكفيهم.. بدافع عاطفي من الحنين لفترات الطفولة تذكر التنين وقت ان كان يعيش مع جده وجدته ليوفر لهما احتياجاتهما ويسهر علي راحتهما ولذلك فقد راح التنين يعيد اخراج الماء من البئر وقام بتقليب التربة وتنشيط خلاياها،ساعد المسنين علي كل ما يحتاجونه لدرجة انه كان يقوم بعمل فقرات مسرحية ضاحكة ومسلية لهم، ظل معهم حتي استعادت الحديقة ورودها وقامت اشجارها من جديد. وفي احد الليالي رأي التنين في حلمه الخيميائي يطمئنه انه اقترب من ملاقاة مصيره تحت ظل الشجرة البيضاء وفي اليوم التالي قام التنين بتوديع المسنين واعدا اياهم بزيارتهم مجددا ولكنه سألهم عن الشجرة البيضاء فلم يرد سوي أكبرهم سنا ( اتبع الطيور)واشارة بإصبعه الي السماء ... أكمل التنين رحلته متتبعا اسراب الطيور بالسماء وكان الوقت قبيل الغروب بقليل لم يدم سيره طويلا حتي وجد واحة كبيرة بها الكثير من الاشجار من بينها توجد عالية ذات فروع ضخمة ضاربة في السماء كانت الطيور تدخل وسط هذه الفروع وتختفي فعرف التنين ان بيوتها بالداخل تقدم حتي وصل اليها فوجد تحتها فيلا مراهقا ينظر للأعلي فيسقط في عينه فضلات الطيور فينظفها ثم ينظر ثانية فتسقط الفضلات مجددا فينظفها..وهكذا ابتسم التنين لمنظره واقترب منه وساعده علي تنظيف عينه جيدا وتلاقت اعينهما (اريد ان انظر للشجرة واحتمي بظلها) قال الفيل بارتباك، فرد التنين بأن الوقت لا يحتاج الاحتماء بالظل فالغروب قد حل ثم امسك الاثنان بيد بعضهما وابتعدا مقدار خطوات قليلة عن الشجرة ثم اتخذا مجلسا مناسبا ونظرا للشجرة. (هكذا سيكون المنظر أجمل) قال التنين.وجدا ان الطيور قد ملأت الهيكل الخارجي للشجرة فإذا رأيتها تشعر أن اوراقها وثمارها بيضاء،وهي كذلك بفعل الطيور التي أتت لتنام وسط صغارها في سلام بين افرع الشجرة الضخمة وهنا ادرك التنين انه قد اتم مهمته فأمامه الشجرة البيضاء وبين يديه الفيل/مصيره الذي لاقاه تحت ظل الشجرة .... 2 بعد حلم غريب قرر الفيل أن يستقيل من محل عمله.. فقد رأي أنه وزملاءه بالعمل قد تحولوا إلي قرود كما تبدو في السيرك يدخلون ويخرجون من الشباك مديرهم يمسك بكرباج ويرتدي ملابس ملونة عارية الصدر وبعد مقابلة قصيرة وثقيلة مع صاحب العمل انصرف الفيل للمرة الاخيرة من هذا المكان مزهوا بتنفيذ قراره وانتصاره لوجهة نظره فلم يكن هذا الفعل بسيطا بالنسبة للفيل الذي اعتقد- بعد مجموعة من الخبرات السيئة والمواقف الحاسمة داخل حوائط هذا المكان- أن مصيره سيكون مثل ما رآه في حلمه..قرد يدار بكرباج ولذلك فقد قرر الفيل أن يقضي يوما كتلك الأيام التي اعتادها سابقا و افتقدها خلال فترة العمل فاتجه مباشرة الي ميدان الحرية أكثر ميادين المدينة ازدحاما وهو المفضل لدي الفيل، وكعادته دائما اشتري سندويتشات من أحد المطاعم الصغيرة وجلس ليأكلها في الحديقة الصغيرة -المزحمة بالطبع- في وسط الميدان ثم راح الي المقهي الأخضر الذي اشتهر وسط الميدان بأنه مقهي العابرين فهو الأقرب الي محطة القطارات في أقصي الميدان وبمجرد دخوله للمقهي هذه المرة رأي عيونا زرقاء بقوة مشرقة و جذابة للغاية لم ير لجمالها مثيلاً من قبل وما ألهب شعوره أكثر ان العيون ذاتها كانت تنظر اليه وكأن كلا منهم نتظر الآخر بتلهف إنها عيون التنين الزرقاء كالبحر الأحمر كانت تفصلهما طاولتان أو أكثر ولكن هذا لم يمنع الاتصال الروحي الحميم بين أعينهما،خرجا سويا في نفس الوقت عرف الفيل أن التنين ما جاء لهذه المدينة الا كمحطة جديدة في رحلة بدأت من بلاد بعيدة وستستمر الي ما هو ابعد كما عرف التنين أن الفيل لم يغادر هذه المدينة من قبل وأنه يعيش وحيدا بشقة صغيرة بإحدي حاراتها قضيا ليلتهما معا علي أحد شواطئ النهر الهادئة الخالية الا من الاشجار العالية والطيور الوادعة و بناء علي رغبة مزدوجة واتفاق بسيط بين الاثنين قرر التنين البقاء في هذه المدينة-مع الفيل-لأجل غير مسمي. 3 امتلأ قلب الفيل بالمخاوف واكتظ عقله بالشكوك يحلم ان ينطلق فوق دراجة بخارية يتلبسها شيطان السرعة وعلي تلك الدراجة سوف ينسي كل شيء..سينسي نفسه تذكر كلمات أمه لما كانت تحدثه وهي حزينة عن امور اسرتهم التعيسة-كما يصفها الفيل- حيث قالت الأم أنها لم تعد تفرح وتخاف أن لا يذوق قلبها معني الفرح قبل أن تنساه ,,أخبرته عن حالات الحسرة و الاحساس بالفشل التي تنتابها حين تسمع أخباراً سعيدة للآخرون وهي التي بلغت من الكبر عتيا لم تمر بمثل هذه الخبرات السعيدة تخشي ان يملأ الحقد قلبها قلب الفاصلة, حياتها تحولت الي مجموعة من التكرارات المملة البطيئة وبالرغم من ان الام لم تكن من ذوات التفكير في أزمة الانسان الوجودية الا انها في هذه الاثناء كانت حزينة لدرجة انها لم تكذب لم يكن لديها الشجاعة لتكذب بداخلها ظمأ لا يرتوي للبهجة ،البهجة الدارجة ،والشعور بالرضا. وبالنسبة للفيل فكان يمر بحالة من الضياع لاعبا دور ضحية الاضطهاد الاجتماعي معلقا كل مشاكله وازمته علي انعدام الحظ وكما يحدث في مثل الأوقات كان الفيل يشعر بفشله كلما سمع اي شخص بشكل عام والمقربين منه بشكل خاص يتحدث عن نجاحاته بصرف النظر عن فيما كانت او علاقتها بالفيل- يشعر ببطئه كلما راي احدهم مسرعا يشعر بوحدته كلما رأي النمل وهو يعمل ويعيش في مجموعات مرتبة ومنظمة كان الفيل يشعر بالفراغ لدرجة الثقل لم تعد لديه ارادة للحركة التي فقد الايمان بجدواها بداخله شجرة من الاسئلة أصلها في صدره وفروعها في السماء ولكنه لم يعد يحتمل يري نفسه هكذا واقفا مزروعا في الماء..سيموت من البرد..يريد ان يكف عن تعذيب نفسه ذهب الفيل الي فراشه يلتمس الدفء و الونس في الشال الناعم الذي احتفظ به من التنين فرأي ساعتها عصفوراً ازرق قد استقر علي الشباك فوق سريره فعرف انها اشارة من التنين فابتسم علي الفور وراح يردد كلماته (ضع كل شيء علي المنضدة ولا تترك شيئاً تحتها سيحتاج هذا منك الي شجاعة ولربما تكتشف ان منضدتك غير كافية لكل الاشياء التي حتما اصاب العطب بعضها..) وفي هذه اللحظة رنت في اذني الفيل نغمات اغنية "سابالي" فكانت اشارة أخري من التنين الذي كان وفي مثل ذات الوقت ببلاده يحاول ان يمنح لحياته او للحظة من لحظات حياته مكانا ما في المستقبل يقذف بها الي مدار الخلود يحولها الي مجد . يا أخي ويا صديقي ويا رفيقي... انه صمت وليس اختيارا للابتعاد فمازال توارد المشاعر يجمعنا ومازال اتصالنا غير الشفهي ينمو ويشتد فأنت مرآتي التي اري فيها المستقبل و أعرف تماما أن املنا مازال معلقا علي ان نكون سويا وسعداء..