انضباط وهدوء بلجان كليات العلوم وطب الأسنان والتمريض بجامعة قناة السويس    عاجل- عطلة البنوك في مصر 5 أيام بمناسبة عيد الأضحى 2025.. اعرف مواعيد العودة للعمل    أبو شقة يطالب بقانون موحد للاقتصاد الأزرق وتشديد العقوبات    رسميًا.. الأهلي يعلن ضم سيحا من المقاولون العرب    وزير التعليم: سيتم وضح أليات فور تطبيق نظام البكالوريا بالثانوية العامة لحضور الطلاب بالمدارس    إجازة عيد الأضحى المبارك 2025 في مصر للقطاعين الخاص والحكومي والبنوك    استعدادات مكثفة لمياه أسيوط والوادي الجديد لاستقبال عيد الأضحى    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    وزيرا الاتصالات والتضامن الاجتماعي يشهدان توقيع مذكرة تفاهم وبروتوكولين لدعم الشمول الرقمي والمالي    محافظ القاهرة: الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    ضمن الاحتفال بيوم البيئة العالمي 2025.. «فؤاد» تفتتح معرض «إعادة التدوير»    مصدر في الوفد الأوكراني إلى محادثات السلام في إسطنبول: كييف مستعدّة لاتخاذ "خطوات كبيرة نحو السلام"    وزير الخارجية: التصعيد العسكري لا يخدم استقرار المنطقة    أزمة المعادن النادرة تفجّر الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    «التضامن»: انطلاق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة لتعزيز دور رجال الدين في بناء الأسرة المصرية    "غصبًا عن الرابطة".. جدو يوجه رسالة بعد فوز بيراميدز بدوري الأبطال    ترتيب الكرة الذهبية بعد فوز باريس سان جيرمان بدوري الأبطال.. مركز محمد صلاح    إنتر ميلان يضع مدرب فولهام ضمن قائمة المرشحين لخلافة إنزاجي    الجلاد: على مسؤوليتي.. تغيير 60 % من أعضاء "مستقبل وطن" بالبرلمان المقبل    قيمتها 190 مليون جنيه.. القوات البحرية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة عبر سواحل البحر الأحمر    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة أبوتيج فى أسيوط    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    الحكم على المنتجة ليلى الشبح بتهمة سب وقذف الفنانة هند عاكف 23 يونيو    في ذكرى ميلاده.. محمود ياسين أشهر جندي بالسينما المصرية    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    قبل طرحه.. ماذا قال محمود حجازي عن فيلم "في عز الضهر"؟    "الإغاثة الطبية" بغزة: الاحتلال يستهدف كل شىء بلا تمييز ولا مكان آمن بالقطاع    الأربعاء.. قناة الوثائقية تعرض الجزء الثاني من فيلم «الزعيم.. رحلة عادل إمام»    دعاء للأم المتوفية في العشر الأوائل من ذي الحجة «ردده الآن» ل تضىيء قبرها    بعد عقود من "الرعب".. وزير الصحة يتحدث عن إنجاز السيطرة على الفيروسات الكبدية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    "الكورة اللي بيلعبوها اختفت".. مالك وادي دجلة ينتقد طريقة لعب بيراميدز    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    الخانكة التخصصي تنقذ حياة رضيعة تعاني من عيب خلقي نادر    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    قرار جديد من الزمالك بشأن المدرب الجديد.. مدحت شلبي يكشف    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد سميح الريحاني..القاضي الذي برّأ الخيال
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 07 - 2012

نقطة النور ليس فقط عنوان رواية بهاء طاهر، التي يعشقها المستشار أحمد سميح الريحاني، القاضي الذي برّأ عادل إمام وعدداً من المبدعين في قضية ازدراء الأديان، بل كان الحكم أيضا "نقطة نور" في وقت تتكاثف فيه التخوفات علي مستقبل الأدب والفكر والفن. لا عقاب علي خيال، جملته التي أنهي بها حكمه، ستدخل التاريخ كما دخلت جملة وكيل نيابة مصر محمد نور التاريخ أيضاً، بعد حفظه للتحقيق في قضية كتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين
عندما كتب: "مما تقدّم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن علي الدين، بل إن العبارات الماسّة بالدين التي أوردها في بعض المواقع من كتابه إنما أوردها في سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها، وحيث إنه من ذلك يكون القصد غير متوفر فلذلك تحفظ الأوراق إدارياً". لا يحب الريحاني التعليق علي حكمه." ما أرت قوله ورد في الحكم" ... كما لا يحب الأضواء أو الصحافة أو السياسة أيضاً.. يقول:" لابد أن يكون القاضي بعيدا عن السياسة، إذا تورط فيها وكنت تعرف وجهات نظره السياسية، فقطعا لن تكون مطمئنا لأحكامه، لذا لابد أن تترك أراءك السياسية خلفك".. لكن ماذا عن الثقافة؟ يبتسم قبل أن يجيب: "الثقافة ضرورة، هي جزء من تكوينك لا يمكن أن تتركها خلفك". يتذكر سميح الشاب المولود في القاهرة عام 1977 أعمال توفيق الحكيم، ويحيي حقي، وقاسم أمين وآخرين، ما يربط بينهم أنهم درسوا القانون وكتبوا أدبا، إذن من وجهة نظره: "هذا دليل علي أن تتكلم في مجالين قريبين من بعضهما البعض، الأدب والقانون لا فرق بينهما".يتذكر رواية الحكيم "يوميات نائب في الأرياف" رواية غريبة - حسب وصفه- "تقرؤها وكأنك تقرأ شيئا معاصرا، لم يتغير شيء كبير في المجتمع، ولا أدري هل هذه ميزة أم عيب". استوضح منه.. يجيب: "هي دليل علي أن التقاليد القضائية قوية ومتماسكة علي مدار السنين، لم تتغير، وعيب لأن "السيستم" هو نفسه لم يتغير، الناس أيضا لم تتغير ولكن لم يحدث ذلك لأن المجتمعات تتطور، وأنت ثابت في مكانك لم يحدث تطور اجتماعي حقيقي". الثقافة ضرورة لأي فرد، حقيقة قد تكون غائبة عن كثيرين، قد يراها البعض ترفا، ولكنها ليست كذلك بالنسبة للقضاة، كما يقول الريحاني: "ينبغي في عملنا أن نكون علي إلمام كامل بتفاصيل القضية التي نحكم فيها.. عندما تأتيني قضية إهمال طبي لابد أن أسأل وأتقصي عن كيفية إجراء العملية الجراحية، خطواتها..؟ وعندما تأتيني قضية "بورصة" لابد أن أكون مدركا ماذا تعني الدورة المستندية ، ليس شرطا أن تكون ثقافتك في تلك المجالات مكتملة، ولكن ثقافة الحد الأدني لأن القاضي يعتبر الخبير الأعلي، قد يطّلع علي تقارير الخبراء الآخرين، وكثيرا ما تكون هذه التقارير متناقضة، لا بد أن يأخذ بما يطمئن إليه قلبه منها.. من هنا تأتي ضرورة الثقافة".
المجتمع الذي لا يقرأ الأحكام ويعتبرها مسائل قانونية بحتة هو مجتمع مأزوم
هناك تأثيرات قانونية علي الأدب، والعكس، وأحيانا كثيرة لا يمكن الفصل بين الأدب وعلم الاجتماع والتاريخ
لست ضد التعليق علي الأحكام ولكن عندما يحاول البعض التشكيك في القضاء ستُهدم دولة القانون
لم يتوقع الريحاني أن تتم قراءة حكمه في أوساط غير قضائية، رغم أن ذلك كان هدفا من أهدافه "أن يُقرأ علي نطاق واسع"، ويتم نقاش فكري حوله، هذا الأمر أسعده لأن "المجتمع الذي لا يقرأ الأحكام ويعتبرها مسائل قانونية بحتة، هو مجتمع مأزوم".
شهران قضاهما الريحاني لصياغة حكمه، كانت الأفكار مكتملة في ذهنه، مكتبته الكبيرة تحتوي علي كل أفكاره، أخرج المراجع وبدأ في القراءة مرة أخري، ليكتشف غياب أعمال محمد عبده. استعارها بعض الأصدقاء ولم يعيدوها، وكانت المرحلة النهائية هي كتابة الحكم، واستغرقت أسبوعين، قراءته للأدب بالتأكيد أثّرت في أسلوبه. يوضح: "صحيح أن الحكم ليس أدبيا بل مكتوب بلغة قانونية، ولكن من الأدب تتعلم بماذا تبدأ، كيف تضع الحيثيات القوية في نهاية الموضوع، متي ينبغي أن تؤكد فكرتك بتكرارها، كيف تربط القارئ بما تقول ولا تجعله يشعر بالملل حتي يستمر في القراءة. في كل هذا تأثرت بالأدب، وبالدراسة في الجامعة الأمريكية إذ يهتم النظام الأمريكي بالعرض والإقناع..". يتذكر أول مرة قرأ فيها مقالا قانونيا يدمج الأدب فيه كان أثناء دراسته في الجامعة الأمريكية: "بدأ أستاذي مقالته بإشارة إلي بطل رواية (موسم الهجرة إلي الشمال)، كان يناقش صراع الهويات الذي يدور داخل البطل، كنت مندهشا وقتها، ولكن جذبتني فكرة الدمج بين الأدب والقانون.. لأكتشف أن كل الأشياء مرتبطة بعضها البعض".
هذه الفكرة نماها القاضي، لم يتخصص في مجال قانوني واحد، اهتمامها بالقانون الجنائي، مثل الدستوري، والدولي، والشريعة وحقوق الإنسان، والقانون المقارن، يؤكد ذلك الحكم نفسه أيضا الذي جمع كل هذه التخصصات.. يقول: "لا ينبغي أن يوجد القانون وتخصصاته في جزيرة منعزلة، الثقافة شيء مهم وضروري، هناك تأثيرات قانونية علي الأدب، والعكس، وأحيانا كثيرة لا يمكن الفصل بين الأدب وعلم الاجتماع والتاريخ..".
ليست لدي الريحاني مشكلة أن يعلّق الناس علي أحكام القضاء، فالحكم نفسه قابل للنقد والنقاش، ودرجات التقاضي نفسها تأكيد علي ذلك، ولكن المهم أن من يتصدي للتعليق يكون ملما بالقانون، لا أن يقول كلاما مرسلا، ولا تشكك في القاضي ودوافعه. يوضح: "نسمع الآن كلاما لا محل له من القانون عن حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، واتهامها بأن الحكم مُسيّس، لا ندرك مثلا أن كل أحكام المحكمة الدستورية كانت ضد النظام، ، بل أن حكمها عام 2005 بضرورة وجود قاض علي كل صندوق أتي ب 88 نائبا من الإخوان المسلمين في البرلمان، حكمها بعدم دستورية فرض ضريبة علي عمل المصريين في الخارج كلف الدولة مليارات الجنيهات، بل القضاء نفسه كثيرا ما كان يعطي جماعة الإخوان أحكاما بالبراءة لدرجة أن النظام أحالهم إلي محاكمات عسكرية، وتكفي النظام الفضيحة الدولية عندما يتم تحويل المدنيين إلي القضاء العسكري. المشكلة تحدث عندما يحاول البعض التشكيك في القضاء الذي هو الملجأ الأخير لنا، ستهدم دولة القانون". يوضح سميح: "عندما أراد تشرشل أن يطمئن علي أحوال بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية سأل: ما أخبار القضاء؟ أجابوا: جيد. قال إذن لا مشكلة". والمدهش أيضا كما يضيف أن الثورة قامت من أجل سيادة القانون لا تدميره، وإذا كان لدي أي أحد اعتراضات فيمكن أن يلجأ إلي الوسائل القانونية وهي كثيرة، لكن أنا أندهش مثلا من قيام البعض بالتظاهر أمام محكمة أثناء نظرها حكما قضائيا، لأنك في هذه الحالة ستكون ضد حرية الرأي التي ينبغي أن تُستمد أساسا من المحكمة وسيادة القانون، لأنه مستحيل أن يخضع القاضي للتظاهرات، يمكن أن تتظاهر أمام القصر الجمهوري، أو أمام البرلمان، ولكن ليس أمام المحكمة".
ولكن كيف وصلت إلي هذه الجملة: "لا عقوبة علي خيال"؟
يجيب: "لا ينبغي أن احاسبك علي ما تفكر فيه، ربما أنت تجلس أمامي وتفكر في قتل شخص ما، لا أعاقبك علي التفكير، تماما كما لا أحاسبك علي وجود شخصية مُلحدة مثلا في عمل روائي أو فني، القرآن نفسه فيه أقوال أهل النار، وأقوال الشيطان. الأدب والفن عامةً واقع افتراضي غير حقيقي، ومهمة الأدب ليس رصد الجانب "الحلو" في المجتمع، هناك جوانب "مُرّة" كثيرة ، كما أن الأديب قد يكون مُطالبا بأن يرصد مشكلات الواقع، ولكنه ليس مطالبا بأن يقدم حلولا لهذه المشكلات".
أساله: هل تري أن مشكلة المجتمع أنه دائما يتحدث عن القيود قبل أن يتحدث عن الحرية نفسها؟
يجيب: معركة التحرر بدات منذ زمن طويل، منذ أيام رفاعة الطهطاوي، هي معركة مستمرة تكسبها مرة وتخسرها مرة ثانية..".
أسأله: علي أي شيء يتوقف المكسب والخسارة ..هل الاجتهادات الفردية للقاضي ومدي استنارته، المجتمع، السلطة؟
يجيب: "هناك عوامل كثيرة، في أوقات كثيرة أنت أمام نظام قمعي ديكتاتوري يمنع المعرفة، والانفتاح الثقافي، لم تكن هناك الوسائل التي تسمح بالانفتاح الواسع علي العالم سواء الإنترنت أو الفضائيات، كانت تخرج مظاهرات تطالب بسقوط الديمقراطية أحيانا، أو تغلب السلطة تيارات فكرية وتهمش تيارات أخري، فضلا عن الظروف الاقتصادية التي أدّت إلي هجرة المصريين إلي دول الخليج وعادوا متأثرين بثقافتهم التي نشأت في بيئة اجتماعية وتاريخية مختلفة، وبهذا المعني أنا ضد التغريب أيضا لمجرد التغريب، فلا بد أن تصل إلي المعادلة التي تمثل هويتك الحقيقية، أن تجمع بين المعاصرة والتراث..". التراث مشكلة أخري يتوقف أمامها الريحاني.. متسائلا: "هل درسنا في المدارس الحكومية شيئا عن التاريخ القبطي؟ متي عرفنا اسم أول رئيس لمصر؟ عندما كبرنا اكتشفنا أن ما درسناه من تاريخ هو مزيف، كنا أمام مفاجآت".
ولكن لماذا تغيب الثقافة..؟
يجيب: "الثقافة تحت الحصار دائما، نحن مجتمع لا يقرأ ولا يترجم، رغم أننا نتحدث عن النهضة، والترجمة هي أساس لأي نهضة، تأمل التأثير الذي أحدثه سفر رفاعة الطهطاوي علي المجتمع، مهمة الدولة الآن أن تترجم، وأن تساهم في سفر الناس إلي الخارج. لا تقل لي أن السفر والترجمة قد يؤثران علي الهوية، هذا كلام غير صحيح، لأن أوروبا نفسها حفظت تراثها اليوناني والإغريقي من خلال الترجمة العربية،
محمد نور ..والعميد
لا يتذكر أحد تقريبا اسم مقدم البلاغ في قضية عميد الأدب العربي طه حسين، لا يتوقف أحد أمامه أساسا ولكن الكثيرون يعرفون من هو محمد نور وكيل النيابة الذي حفظ التحقيق في القضية. المعلومات المتوافرة عن نور شحيحة تقريبا. هو من أبناء المنصورة، وكان وقتها في منصب يشبه منصب النائب العام حاليا، وقد حقق محمد بك نور طويلا مع طه حسين ، وجادله ، ثم قرر حفظ القضية . وتتضح أهمية موقف محمد بك نور في أنه قرر حفظ القضية ليس لأنه متفق مع ما جاء في الكتاب ، بل رغم اختلافه مع ما جاء في الكتاب ومع طه حسين . وفي ذلك تحديدا تكمن عظمة ذلك العقل المستنير . ومازالت كل حجج محمد بك نور التي برأت طه حسين - صالحة كأساس منهجي إلي يومنا هذا، وقد استند نور إلي أن غرض العميد لم يكن الطعن علي الدين. وإنما اثبات أن دراسته إثبات ان الشعر الجاهلي بكامله تقريباً منحول، وتعرض لذلك لأمور في الدين من بينها ان ورود اسمي ابراهيم واسماعيل في القرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي. هذه أمور في الدين مسها طه حسين من بعيد أو قريب إلا ان غرضه منها لم يكن الطعن علي الدين وانما عرضت له اثناء بحثه في لغة الشعر الجاهلي وموضوعاته. أي ان غرض العميد لغوي تاريخي وليس الدين لغة أو تاريخاً.
ولم يصلهم تراثهم إلا من خلالنا، لم يخجلوا من إعادة الترجمة، كما لم تتحول أوروبا إلي الإسلام بسبب الترجمة، ولم يحدث عندهم مشكلة الهوية.
أسأله هل أنت مؤمن بصدمة المجتمع الراكد الساكن؟
يجيب: الصدمة ضرورة في أحيان كثيرة، وما لا يمكن تقبله الآن سيتم تقبله في المستقبل، يعني مثلا كتاب قاسم أمين كان صدمة عندما نشره، ولكن حالياً أصبح كلاما عاديا، وكذلك أفكار محمد عبده أو نصر أبوزيد ، قد نتفق مع أفكارهما أو نختلف. قد يكون حكمي صدمة للبعض ولكن أنا مجرد مجتهد قد أصيب وقد أخطئ ولكن أمامنا مشوار طويل من الكفاح".
يكتب الشاعر اللبناني عباس بيضون معتبرا أن :" نص الريحاني او مطالعته القانونية تصح ان تكون في مجملها وثيقة من وثائق الاصلاح الديني، بل هي هي ترينا ان هذا الاصلاح يملك حقا تراثا وربما، في المقابل: يملك موقعا ومكانا بين النخب الاسلامية فهو لا يقتصر علي اسماء جليلة مثل الامامين محمد عبده والسيد الافغاني بل يستمر ويتصل في أحفادهما. ننتظر منه ان يغدو تياراً فاعلاً وأن يغدو قوة ضغط علي المؤسسات والجمهور، وان يخرج إلي إسلام لا يعادي العصر ولا الديموقراطية ولا حقوق الإنسان. مطالعة الريحاني هي بدون شك محاولة في هذا السبيل ، بيان فعلي ومتكامل لإصلاح عمدته الاولي التمييز بين المقدس وغير المقدس، فضلا عن ضرورة قراءة النص انطلاقا من حاجات الراهن ومسائله، والتمييز بين الظرفي والثابت في النص الديني نفسه، هذه في مجموعها تؤسس لقراءة متماسكة وجديدة هي مع ذلك لا تحيد عن التراث الديني ولا عن نصه"
ولكن كيف تشكلت ثقافة الريحاني..من اين استمدها؟
فتش عن مكتبة الوالد ضابط الجيش المتقاعد، الذي يمتلك مكتبة موسوعية ضخمة في كل مجالات العلم، ولكن يطغي عليها الثقافة الدينية. في تلك الفترة اكتشف الصغير محبته للموسيقي، وبالفعل شرع في تعلم البيانو، الذي يجيده حتي الآن، وعشق من خلاله الموسيقي الكلاسيكية وتحديدا موزارت، ثم الرسم.. والخط العربي الذي يعتبره هوايته الوحيدة الآن مع التصوير ، كان حلمه أن يدرس الفن أو العمارة تحديدا. مكتبة المدرسة كان لها دور آخر ، كان المدرس يطلب من كل تلميذ أن يشتري كتابا من سلسلة كاملة عن "علماء العرب" علي أن يتم تبادلها فيما بينها، ولكن الأب بدلا من أن يشتري جزء من السلة اشتري له كل السلسلة. كمن الأشياء التي تعلمها في تلك الفترة بعد أن انتهي من قراءة هذه السلسلة أم كل علماء العرب لم يتخصصوا في مجال واحد، بعضهم طبيب وفيلسوف وله اسهامات في الفيزياء، تجد منهم الأديب والعالم ..شئ ليس موجود الآن .." لا أعرف لماذا؟" كما يتساءل . يضيف:" اندهش ممن يكتفي بتخصصه ولا يقرأ أو يهتم بمجالات أخري تحديدا فنية وثقافية ، الفن هام لتكوين الإنسان العقلي.." . يضحك متذكرا:" في تلك الفترة قرأت "موسوعة مصر القديمة " لسليم حسن ، رغم ان البعض يراها مملة إلا انني لم أشعر بذلك، عندما يصف الآلات الموسيقية والفروقات بينها.
بعد تخرجه من الثانوية، التحق بكلية التجارة لم يتحملها طويلا، نقل أوراقه إلي كلية الحقوق وكان أيضا من الصعب الاستمرار فيها ..ولكنه يريد بالفعل دراسة القانون ، فالتحق بكلية الشرطة لدراسة الحقوق فيها وخاصة أن الكثافة فيها أقل بكثير من كلية الحقوق.. اجتهد كثير ليكون من الأوائل حتي يستطيع أن ينقل من " الداخلية " إلي النيابة، وهو ما تحقق بعد عامين. عندما انتقل إلي النيابة ، لم يكتفي ككثيرين بما حقق، كان لديه سيارة باعها من أجل أن يكمل دراسته في القانون في الجامعة الأمريكية ، وحصل علي كورسات خاصة باللغة الإنجليزية، حتي أنه كان رئيسا للنيابة ولكنه يستقل "المترو"... لم يكن لديه مشكلة في ذلك ، كثيرا ما كان يسأله زملائه: ليس لديك سيارة ولم تتزوج بعد »لم يكن قد تزوج وقتها«.. ماذا حققت إذن. كانت الدراسة تكفيه، ولم تكن لديه مشكلة طبقية، وخاصة انه حصل في تلك الفترة منحة للدراسة في بلجيكا أثرت عليه كثير عندما سافر إلي هناك مع جنسيات مختلفة، لكل منهم ثقافته وعاداته وأكله ..وهذا ما علمه التسامح.
اساله: لو عرضت عليه هذه القضية بدون المرور بهذه التجارب الفنية ، الثقافية لو لم تقرأ أدبا، أو تسمع موسيقي هل كان سيحكم بهذا الحكم أيضا؟
يجيب: طبعا، أنا اعرف في الحكم مواطن القوة القانونية الجديدة فيه، ولكن السفر يؤثر إلي حد كبير، يضيف إليك ليس فقط امورا ثقافية وإنما حتي في الأمور القانونية، فترة كبيرة أقرأ ، سافرت وشاهدت قضايا كثيرة شهيرة اثناء نظرها، ربما عدم الانفتاح علي العام يؤثر.
سميح الآن يجهز للحصول علي الدكتوراة، يجهز للحصول علي منحة ، ويحلم أكثر بأن يحقق تميزا في مجال القانون المقارن ووالقانون الدستوري الذي يعشقهما ..,أن يصبح مثل مثله الأعلي محمد البرادعي الذي تابعه طويلا أثناء رئاسته لمؤسسة دولية، واذداد له احتراما عندما حمل علي عاتقه فكرة التغيير.
أساله عن الدستور؟
يجيب: بغض النظر عن الاختلافات الفكرية والسياسية أو الثقافية أو الاجتماعية الموجودة بين البشر، لابد أن نبحث عن أرضية مشتركة بين الجميع .
الدستور هو الأرضية المشتركة التي يرسمها القانون، لابد أن يكون علي درجة من الليونة لا يمكن أن يستوعب بها الاختلافات داخل المجتمع ، لذا لابد ألا تكون اللجنة المنوط بها وضع الدستور بعيدة عن التطرف سواء أكان تطرفا دينيا أو تطرفا ليبراليا". الأمر الآخر الذي يؤكد عليها أن المحكمة الدستورية هي منارة للحريات في مصر ينبغي الحفاظ عليها ، وهي تعتمد في أحكامها علي الواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر " ويبدي دهشته: الاتفاقية الوحيدة التي لم نوقع عليها هي اتفاقية روما ، رغم أن أحد اعمدة المحكمة الجنائية الدولية وشارك في صياغة الاتفاقية هو العالم المصري شريف بسيوني المدرس بجامعة شيكاغو".
اساله في النهاية هل أنت متفائل؟
علي الفور يجيب: بالتأكيد يكفي اننا كسرنا حاجز الخوف، ولن يستطيع أحد ان يعيدنا إلي ما كان يحدث سابقا، لنك امام جيل نجح في عزل ديكتاتور، ويمكن أن يكرر ما ذلك مرات ومرات بلا يأس أو ملل. يكفي أن الثورة احدث طفرة ثقافية وسياسية وقانونية ...لا حديث الآن حتي لرجل الشارع العادي سوي عن الدستور، ولولا الثورة ما كان ذلك أن يحدث".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.