لاحظت قسوة المحافظين التي تجسدت في كلمات لهم نشرتها الصحف متفاخرين بأعداد الكلاب التي قتلوها غير واعين بأن قتل الكلاب بقسوة أمر يعبر عن تراجع مؤشر الرحمة في المجتمع. منذ سنوات طويلة، أتذكر في مرحلة الطفولة في قريتنا حاجر أبو ليلة بسوهاج أن كلبا أسود كان يسكن معنا. كلب طيب غير مؤذ. نداعبه ويتقبل مضايقاتنا المقبولة بدون غدر أو رد فعل عنيف. تقدم العمر بكلبنا الأسود ويبدو أن هذا الأمر كان يعني عند شباب العائلة قساة القلوب أن الأوان آن للتخلص من كلبنا الأسود. لم يكن في بيتنا رجال كبار، كان أبي مسافرا وكذلك أخوالي ولم يكن جدي قادرا علي مقاومة رغبة قساة القلوب. وتصيد هؤلاء كلبنا الطيب ليقتلوه شر قتلة. استأسدوا عليه بالعصي الغليظة والطوب. لم يكن ذلك ليقتله في الحال، لذلك عاني معاناة وألما تجسد في صرخاته المتوسلة ومحاولاته الهروب في ركن هنا أو الالتصاق بباب هناك، لكن قساة القلوب كانوا ينهالون عليه بعصيهم وكأنهم يحتفلون بمناسبة سعيدة. كنت اختبئ خلف بوابة بيتنا أبكي بكاء لا نهاية له، شاعرا بعجز لا مثيل له لأنني لم أكن قادرا علي إنقاذ كلبنا الأسود الطيب. ولم أستطع الاستمرار في مشاهدته يعاني كل تلك الآلام ففررت إلي أبعد مكان يحجب عني رؤيته ويمنعني من سماع أنين آلامه. المؤكد أن كلبنا الأسود الطيب لم يفهم أي ذنب جني جعل هؤلاء يضربونه بكل تلك القسوة، ولماذا يريدون قتله، ولماذا لا يقتلونه سريعا ويتلذذون بتعذيبه. مات وهو لا يعرف. التفاخر بقتل الكلاب مؤخرا لاحظت تكرار النشر في الصحف عن قتل الكلاب التي تسمي بالضالة. ولاحظت التوسع في النشر في صحف كبيرة وحرص المحافظين علي التفاخر بأنهم قتلوا آلافا مؤلفة من الكلاب. وبالطبع يبررون فعلتهم بأن الكلاب تعقر البشر وأنها تسبب الخوف للنساء والأطفال وأنها تنقل الأمراض وأنها تسبب الإزعاج.. وأمور أخري. بمناسبة هذا النشر تذكرت حادثة كلبنا الأسود الطيب التي وقعت منذ حوالي خمسين عاما. ولاحظت قسوة المحافظين التي تجسدت في كلمات لهم نشرتها الصحف متفاخرين غير واعين بأن قتل الكلاب بقسوة أمر يعبر عن تراجع مؤشر الرحمة في المجتمع. في دول العالم الحريصة علي الرحمة وعلي الرقي الحضاري لا يتخلصون من الكلاب بهذه الطرق الوحشية. لا يستخدمون الرصاص لصرع الكلاب أو الحيوانات غير المسعورة. ولا يستخدمون سم »الاستركنين» المحرم استخدامه دوليا ويتم استيراد العبوة بحوالي 14 ألف دولار حسبما نشر في وقت نحتاج فيه إلي الدولارات وفي الوقت الذي يمكن تطعيم الكلاب وتعقيمها بأدوية محلية. وأقول تطعيمها حتي لا تصاب بالسعار وتعقر البشر وتعقيمها حتي لا تتوالد بأعداد كبيرة تؤدي إلي وجود مشاكل مثلما يحدث الآن. يدافع المسئولون عن الخدمات البيطرية عن استخدام سم الاستركنين في الوقت الذي توجد عروض لمنح من دول الاتحاد الأوروبي لتوفير الأمصال وأدوية التعقيم مجانا وبالطبع هناك مافيا لاستيراد هذا السم الذي منع من كل دول العالم منذ بدايات التسعينات في القرن الماضي وله آثار خطيرة علي الإنسان والتربة ولا علاج له لأنه يتم استيراده بدون الأمصال المعالجة له في حالة إصابة إنسان. سادية الأطفال لقد ابتعدنا عن الهدف الأساسي للمقال وهو الرحمة والرقي الحضاري. الأطفال يتعلمون القسوة بسبب تشجيع ذويهم علي استخدام القسوة مع الحيوانات الضعيفة علي أساس أن هذا نوع من السلوك الذي يكسب الطفل الشجاعة. وفي تراثنا أن العريس يذبح القطة لعروسه حتي تخشاه وتعمل له ألف حساب. ولا أعرف ما ذنب قطة بريئة تذبح لأجل أن يثبت عريس جدارته بزوجته في ليلة الدخلة ! إن المجتمع لا يدلل إلا الحيوانات التي لها نفع اقتصادي عنده، أي تلك التي يتجر فيها ويتكسب مالا من وراء بيعها، أما الحيوانات الأخري فهو يتعامل معها كعدو خطير يجب سحقه وتدميره حتي لو كان هذا العدو قطة صغيرة ضعيفة، فهي لا تستحق الرحمة وتعذب أو تقتل ببساطة. ويقوم الأطفال بارتكاب مثل هذه القسوة والشراسة وبعضهم يطلق كلابا شرسة لكي تقتل قطة صغيرة لمجرد الاستمتاع أو بغرض التسلية. وهؤلاء الأطفال هم مجرمو المستقبل الذين يمارسون السادية والعنف مع المجتمع بدون تمييز أي يمارسونه حتي في بيوتهم. وفي بعض النوادي التي تسمي بالراقية، يستعينون بقساة القلوب من حاملي العصي الغليظة لقتل القطط بحجة أنها تضايق أعضاء النوادي خلال تناولهم الطعام ! ولو يعلمون فإن الحيوان يعاف الطعام إذا كان شبعانا ولا ينظر إليه وكلنا نعرف هذا. ولكنها ازدواجية المجتمع الذي قد يتعامل البعض فيه مع قطة أو كلب بكل رقة وحنان لدرجة أنه إذا مات الحيوان بني له مقبرة خاصة في النادي وفي نفس الوقت يقوم نفس الشخص بقتل حيوان آخر لا صاحب له. إذن التفرقة في معاملة حيوان وآخر ليس سببها انعدام الرحمة فحسب، وإنما يمكن أن تكون أيضا بسبب التفرقة الطبقية. زيف مشاعر الرحمة إن المجتمع الذي يري أن الرحمة مجرد شعارات يطلقها، مجتمع منافق. لأن الرحمة سلوك يفترض أن يحكم إنسانيتنا. والعلاقة بين الإنسان والحيوان يجب أن تقوم علي أساس الرحمة كما أوصي الله الإنسان بكل الكائنات. والرسول الكريم يقول : » الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ».. ويقول : » إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف ». وهل انتشر الإسلام إلا بالرفق والرحمة ! ألا يوصف النبي محمد بأنه نبي الرحمة المهداة ! لقد صار الحديث عن رحابة الإسلام وأنه دين الرحمة والرفق وكأنه حديث استهلاكي، لذلك علي أولي الأمر أن يدفعوا في اتجاه نشر ثقافة الرحمة وإثبات أن الرفق ليس مجرد شعار نزين به ساحاتنا ونردده في بروج عاجية. يجب أن تكون الرحمة سلوكا ومنهج حياة. الجنسية للحيوانات إن دولا غربية ترحم الحيوان لدرجة أن بعضها يمنح الجنسية لحيواناتها. وصار لكل حيوان بطاقة هوية وحقوق لا تقل عن حقوق البشر. هم يرون أن الله أراد لتلك الحيوانات أن توجد في وطنهم وبالتالي فلها حقوق مثل مالهم. ولقد قرأت كتابا للعلامة أبي بكر بن خلف المرزبان المتوفي عام 310 هجرية، عنوانه » فضل الكلاب علي كثير ممن لبس الثياب »، أقتطف منه بعضه. أن الكلب أشفق من الوالد علي ولده، والأخ الشقيق علي أخيه، فهو يحرس ربه صاحبه ويحمي حريمه شاهدا وغائبا ونائما ويقظان لا يقصر وإن جفوه، ولا يخذلهم وإن خذلوه. رأي عمر بن الخطاب أعرابيا يسوق كلبا فسأله : ما هذا الذي معك ؟ فقال : نعم الصاحب، إن أعطيته شكر وإن منعته صبر. قال عمر : نعم الصاحب فاستمسك به. وقال الشعبي : خير خصلة في الكلب أنه لا ينافق في محبته. ولو قرأت الكتاب الصغير كله لعجبت مما ورد فيه عن قصص إخلاص الكلاب. ومنا من عاش في الريف فيعرف عن الكلاب الكثير ويعرف كيف تحمي الإنسان وتخلص له. والكلب يضرب به المثل في وفائه. ولكننا عندما نسبُّ أحدا نقول له يا ابن الكلب! أذكر أن مجموعة من كلاب شارعنا لا تتراجع عن مصاحبتي إلي المحال التي أشتري منها حاجاتي يسيرون مرافقين لي وكأنهم كتيبة حراسة لدرجة يتعجب لها المارة. أطالب فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بالتدخل لنشر مشاعر الرحمة بين أفراد المجتمع. وأطالب فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية بفتوي واضحة وصريحة بشأن استخدام القسوة في التعامل مع الحيوان. وأطالب الحكومة بمنع استيراد السموم التي تقتل بها الكلاب وتصيب كل الكائنات بالضرر. كما أطالب البرلمان بتعديل نصوص القانون رقم 35 لسنة 1966 والتي تسمح بإبادة الكلاب التي ليس لها مأوي فهي نصوص لا تليق بمجتمع أو أمة يدعو دينها إلي الرحمة والرفق. بل لا يليق بدولة تلحق بركب الحضارة مبتعدة عن الهمجية. القصبي صديقي الروائي الصحفي بمؤسسة أخبار اليوم، صدر له مؤخرا رواية بعنوان » السيدة ».. في صفحاتها التي تزيد علي ثلاثمائة يستخدم القصبي سحر السرد في تدوين روايته التي تشبه سيرة ذاتية للراوي الذي يحكي عن تجربته في الحياة في إحدي دول الخليج العربي. من خلال الرواية نتعرف علي طبيعة الحياة في تلك الدولة وعادات أهلها والعلاقات التي نسجها الراوي وهي جزء من التاريخ المقترن سياسيا واجتماعيا بمجمل التاريخ العربي في هذه الفترة التي تتناولها الرواية وهي عبر عقدين من الزمان، السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وهما أساس التحول الاجتماعي في دول الخليج بعد بدء حقبة تراكم الثروة النفطية. استخدم الراوي في سرد وقائع » السيدة » مستخدما لغة نثرية تقترب في تكوين عباراتها من المفردات الشعرية مستعرضا حصيلة لغوية ثرية لم يبخل بها علي القارئ. للقصبي عدة روايات سابقة وتأتي السيدة كنوع من كتابات السيرة الذاتية. الإمامي بينما نحن علي أعتاب موسم الحج، صدر للكاتب الصحفي محمود الإمامي نائب رئيس تحرير جريدة اللواء الإسلامي كتابه الأنيق »خواطر حاج».. يهديه الإمامي إلي كل طامح وطامع في زيارة البلد الأمين، والصلاة في المسجد الحرام، وأداء الحج والعمرة. يروي الإمامي في كتابه تجربته الشخصية في الحج كخريطة طريق لكل حاج يمكن من خلال بساطتها الاستفادة في أداء المناسك بأيسر السبل. العارف بالله الزميل الطيب، العارف بالله نائب رئيس تحرير جريدة اللواء الإسلامي صدر له مؤخرا كتابه » يوميات صحفي في بلاط صاحبة الجلالة.. أسرار وحكايات ». يروي خلاله العارف بعض الحوارات التي أجراها مع شخصيات بارزة في المجتمع، منها ثروت أباظة، حسن عباس زكي، الشيخ أبو العينين شعيشع، محمود ياسين، وآخرون عبر رحلته الصحفية.