لا تقُل لي فيما تزدادُ عيناك جحوظاً وشفتاك تلوٌياً إنٌ الحلالَ بيٌنٌ والحرامَ بيِّن .. قل فقط إنّ ثمة تساقطاً نفراً نفراً وثمة سقوطاً كبيراً يدوّي ، ولا تبتئسْ إن بدَت جرداءَ روحُك، لعلّ عريَها منهم جميعاً يكونُ الحلالَ الوحيدَ بيّناً أو غيرَ بيّن!! لملم استهجانَك، فكل شيء ٍ مدهشٌ كما أبلغتك: النيران المتوقدة ما زالت تخلصُ لحرقنا باستماتة، الجراحُ تتشبّث بالنزفِ والتمزّق .. القلبُ المهشَّم يتفنّن في مضغ فُتاته.. والدم لم يخُن حُمرتَه، إنّه يصبغ بها العالم.. وأنت أين أنت ؟! تبّاً للروح التي تخلصُ للجرح وتخونُ صاحبَه.. ماذا أحكي والسماء بدَت منحدرةً، فارتفعَت مكانها الصرخات..الملائكة اختفوا خجلين..النضالُ تغيّرت معانيه وبات أهمّهما إجادةَ التسلّق ولو لجدران الفيسبوك.. وأنا بتُّ أضحك كثيراً كي أستر صوتَ الدم الذي يشخب في روحي.. أفهم طبعاً أنّ النقائض قد تجتمع بل وقد تتوحّد، كأن نحبَّ حدّ القسوة أو نلثمَ حدّ النهش.. كأن نضوّعَ حتي نضيع أو نذوبَ حدّ التبلّد.. فلا تسألني مستهجناً كيف النقيضُ بالنقيضِ يلتقي أو في النقيض يعيش؟! هل رأيتَك يوماً في مرآتي مصلوباً ؟؟.. يدك في فم والدٍ مفغور ٍ تصرخُ النهش، كتفك بين أسنان أخٍ حادّة، رجلاك تشدّهما أيدي أخواتٍ مجتمعات بالحبال، ظهرك غُرزَت فيه أنيابُ الأصدقاء المقيمين احتفالاتِهم فوقه، بطنك انسحبَت أحشاؤه بين أظافر صديقاتٍ مخلبيّة، لسانك المشدودُ سالَت دماؤه من عضّات الأبناء، دماؤك التي سُفكت لملمها زوجٌ للاستفادة منها في مشاريعه.. وبلهجة واعظٍ مقزّز يهمس لك أحد المحسوبين عليك حين الخيباتُ شاحذةً أسنانَها كما قندسٌ تقضم أشجارَ الروح، حين الروحُ تتناثر شظايا وغرقي، حين الشظايا تضيعُ كسوراً وفتاتاً،وحدهم الحقيقيون قادرون إذٌاك علي لملمتها.. " فلا تبتئس إن ضاعت الشظايا، لعلّ العيبَ في زمنٍ خلا منهم"............... .. لن تملك أكثرَ من صرخة مصعوق تقذفها في وجهه : "أرح أسنانك وأصغ جيداً، هذا الذي يطرطق في لعابك أليس دمي"؟ لا تنتظر جواباً وسط ضجيج وقاحتهم. يتبجّح أحدهم فيما استجديتَه أن يطل إليك / يناديك: وأنتَ ذاهبٌ إلي الموت لا تنسَ أن تتركَ لي بعضاً من دمِك أتجرّعه قبل أن يفسد، وقليلاً من لحمك تبرّع لي به أتشدّق في علكه فوق جثٌتك وأبكي قليلاً ريثما يأتيني رفاقٌ بعلبة دخانٍ جديد ٍ وكأس عرق وموسيقي حزينة وآياتٍ أحتمل فيها شيخاً حماراً وأجامل المعزّين بقبلاتٍ تفوح منها روائح البصل. أو- قبل أن تموت اترك لي ما يكفي من ثمن العطور لي ولكلّ أولئك الذين سأخونك معهم بنكتٍ سمجةٍ تنسينا الدموعَ التي نذرف فوق جثّتك. تريّث قليلاً ولا تستعجل الموت قبل أن تلبّي طلباتي الأخيرة يا حبيبي.. ثم يسترسل في ذبحك: لِمَ تحدّق بي؟ ألا تصدّق أني أحبّك؟! صدّق حبيبي هي فقط المفاهيم تتبدّل! تتبدّل؟؟ نعم كل شيء يتبدل.. حتي قناعاتنا .. دعك من الإيمان فما عنه نتحدث.. ثمة قناعة هي الأصدق.. ستنادي من عمق النزف :" هوووووووووووووووووووووب يا كلَّ المتساقطين منّي.. شكراً.. سنواتٍ مضَت لم أشعر بروحي خفيفةً لهذا الحدّ.. شكراً لما أخليتم من أماكن للأحلام".. لن تفرح كثيراً، فسرعان ما تكتشف أنّ تلك الخفّة لم تكن غير الخواء.. إنه الفراغ العدمُ اللاشيء.. نعم الخواء.. أعني تماماً ما أقول.. فأنت لم تجرّب أن تناديَ إلهك فلا يجيب.. لا .. لا اللهُ معنا ولا عبادٌ صالحون. معنا حروفٌ تبكي الغربةَ واغتصابَ معانيها بسطحٍ متشابهٍ وغيرِ متشابه، معنا أوجاعٌ لا يمحوها الموتُ ولا ينصفها قبرٌ تزهر فوقه ورداتُ التوليب ويخضرّ الحبق، أحلامٌ نخشي عليها التناثرَ والضياع، قلوبٌ بعيدةٌ لم تدرك يوماً أن تقرأنا بأكثر من عين، معنا حبٌ دعونا إليه كاذبين ممنّين أنفسنا بأن الغاية النبيلة تبرّر الكذب والحلم.. وذكرياتٌ سيرسم منها الآخرون لوحاتٍ مزيفةً لادّعاء بطولات جوفاء.. وقلبٌ قد حلم ألف حياةْ بأن الله يسكنه ثمّ انتفضت الأحلام.. انتفضت لحظة انطلق السؤال من فوق الصليب : "إلهي إلهي لماذا تركتني"؟ فارتدّ رجع السؤال خائباً .. لتشقّ الصّدرَ زعقاتُ الموت الحقّ: ها قلبي الذي وسع أكواناً إذ وسعَك هو ذاتُه مَن يندب الآن الفراغَ.. يا للخواء مذ غبتَ أيها الملاذ الذي كم كان مطَمئناً.. يا للاشيء حين يبدّد كلَّ الكلّ فيتهابي... بمَن ألوذ الآن وكلُّ الملاذات انفضح كذبُها؟؟ وستكادُ لفرط الشقاء تقسم أن إلهك لم يغادر قلبك فقط، إنما غادر أكوانه وتركها لعبث شياطينهم التي غلبت النور.. لحظتها ستعود لتقشير روحِك من نزفها.. لن تمنعك الأصفادُ التي سوّروا بها رسغيك أن تزعق ملء صدغيك منادياً أن يا الله.. أطلّ إليّ قليلاً .. فيطلّ ناطقٌ بلسانه من جديد.. يقول ما قلتَ الآن، ويتشدّق بالحلال والحرام.. رافعاً نخبَ دينٍ فصّله علي مقاسِ غرائزه.. قل له بصوت الواثق مهما سلبوا صوتَك: أعرفُ أعرفُ أن الأحمر في كأسك ليس نبيذاً، فهل تحرّمه وتحلل بدلاً منه الدم؟ ولا تنتظر أن يخجل من مرآتك إذ عرّته.. سيلقي إليك بآيةٍ غير بيّنة، وحديثٍ ابتدعوه، ساعياً أن يجعل من إلهك حاجبًا منمّصاً وغريزةً لا تفتر، أو حتي خبزةً مغمّسةً باعترافٍ زائف.. وسيحكم لينفذ الحكمَ أولئك الذين ياما أخلصتَ لهم.. وستنتبه أنك كلما خلعتَ الحجُبَ فدنوت من النواة بتّ غريباً وحيداً.. ثمّ بغتةً ، وبعد أن تقنطَ من كلّ الذين تفرّجوا بانتشاءٍ علي دمك المسفوح علي عتبات محبّتهم، سيفاجئك مَن حدستَ فيه يوماً خيراً ما من بعيدٍ وكاد يضيع في دروب القنوط.. سينحني للملمة رفات روحك من علي الإسفلت الذي التصق به من خطواتِهم الساحقةِ عليه.. سيجمع ما استطاع من شظاياك ويلعقُ عن الرّصيف ما تدفّق من دمك المخدوع.. ثمّ ينسج من دمك ورفاتك أغنيةَ وفاءٍ تعيد الأمل بأنّ هذا العالم مهما تضاءل وسط الوحوش، لم يخلُ بعد من بقايا إنسانٍ يخلف الله فيه .. لن تطلبَ الكثير ، فحسبك أن تجد مصبّاً صادقاً يحتضن ما سيفيض منك من أنهار الدم والدموع..