المستشار عبد الستار إمام أثناء حواره ل«آخر ساعة» خبرة قضائية كبيرة اكتسبها خلال فترة اعتلائه منصة القضاء، وأيضًا خلال أداء واجبه في إدارة الشئون القضائية، يطرح من خلالها المستشار عبد الستار إمام، رئيس محكمة جنايات القاهرة، عضو مجلس إدارة نادي قضاة مصر، رؤيته القانونية الثاقبة وأطروحاته المُختلفة في ملف الإصلاح التشريعي. في حواره مع "آخر ساعة"، يؤكد المستشار إمام أنه لا يتفق في الرأي مع وزير العدل بشأن حاجة الدستور للتعديل لتعيين المرأة في مجلس الدولة، مُشيرًا إلي أن نادي قضاة مصر، قال كلمته لمجلس النواب في المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية، لكنه يحترم ما سيقرره مجلس القضاء الأعلي، ومطالبًا بضرورة إصدار قانون تنظيم ندب القضاة وأعضاء الهيئات القضائية قبل 19 يناير المقبل لإلغاء الندب نهائيًا. • أين يوجد ملف تطوير منظومة القضاء علي أجندة الرئيس خلال فترة ولايته الثانية؟ - ملف تحقيق العدل بين الناس والاهتمام بمنظومة العدالة وبناء دولة القانون هو المدخل الطبيعي والرئيسي لتحقيق كافة الملفات في الولاية الثانية والاستمرار في إنجاز التحديات التي بدأت في مرحلة الولاية الاولي مثل الملف الأمني الذي يهدف إلي تحقيق الاستقرار ومواصلة الحرب ضد الإرهاب، أيضا استكمال المشروعات القومية الضخمة التي بدأت، أهمها شبكة الطرق والعشوائيات والمدن الجديدة والوحدات السكنية ومحاربة الفساد، ملف البناء السياسي والإعلام التنويري القادر علي الارتفاع بالوعي الوطني ومرتبط بالثوابت الوطنية، ملف الاقتصاد والاستثمار، كذلك ملف الخدمات كالتعليم والصحة والثقافة، ملف رعاية محدودي الدخل وأصحاب المعاشات أي شبكة الحماية الاجتماعية. فدولة القانون تعني أن الوظيفة الأساسية للدولة وجوهرها هو تحقيق العدل بين الناس، فالدستور يتحدث في المادة 194علي أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة كما تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته وحيدته بضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات أيضًا التقاضي مكفول ومصون للكافة دولة القانون تعني أن الجميع يخضع للقانون و أمام منصة القضاء متساوون وتعني المواطنة وتكافؤ الفرص، وتحقيق دولة القانون منوط في الأساس بالسلطة التشريعية، وعليها مسئولية كبيرة في إصلاح منظومة العدالة التي تعاني العديد من المشاكل. وما أبرز العقبات التي تعاني منها منظومة العدالة؟ - نحتاج نظرة في تطوير منظومة العدالة، فدولة القانون لن تتحقق إلا من خلال التشريعات والقوانين الحديثة التي تواكب العصر فلدينا قوانين طرحتها أمام لجنة الإصلاح التشريعي مر عليها أكثر من مائة عام فهناك ترسانة من التشريعات قد تكون متعارضة مع بعضها البعض فلا تصلح في الوقت الحاضر إطلاقا لتطبيقها أيضا متمثلة في بطء إجراءات التقاضي وطول أمد الإجراءات وتأخر العدالة، عقبات تنفيذ الأحكام، سوء حالة أبنية المحاكم، وعدم تهيئة البيئة الملائمة للقاضي لتأدية رسالته،عدم مواكبة العمل الإداري في المحاكم للتطور التقني والتكنولوجي، فالعدل البطيء هو الظلم بعينه وقد لا يحصل علي حقه أو يحصل عليه أحفاده إن كان له هذا الحق فهناك بعض القضايا في القضاء المدني يستغرق عشرين سنة مما قد يدفع الناس إلي أن تلجأ إلي وسائل أخري قد تؤدي إلي مشاكل وجرائم. وهذا الأمر يحتاج لنسف التشريعات القديمة وليس تعديل بعض موادها أو تنقيحها أو تنقيتها ولابد من تشريعات حديثة تواكب العصر فلدينا القضايا الجنائية تستغرق بالمحكمة تصل لعشر سنوات حتي يصدر الحكم النهائي مما يحفز المجرم في أن يتمادي في إجرامه لإطالة مدة الفصل في القضايا، فضبط الشارع المصري بالقانون بإجراءات قانونية سريعة وسهلة بأن توقع العقوبة علي المخالف وتنفذ، هذه تسمي العدالة السريعة وليست المتسرعة وهناك عشرات الآلاف من التشريعات الخاصة بالجنائي والمدني والعمال والتجاري والاستثمار فوزارة العدل ولجنة الإصلاح التشريعي تعمل ولكني أري أن تعديل التشريعات يكون وفقا لخطة ومنظومة وأهداف محددة وهو سرعة الإجراءات وتحقيق العدالة الناجزة أي تعديل وإزالة كل العقبات الموجودة في التشريعات التي تطيل أمد التقاضي دون مبرر من خلال إجراء ما يسمي التقسيمات النوعية للتشريعات، فالتشريعات الجنائية يتم تجميعها ويتولي تعديلها فريق متخصص من القضاة وأساتذة الجامعات المختصين والمحامين بما يحقق الأهداف التي نسعي إليها مع الالتزام بضمانات المحاكمة العادلة وينطبق الأمر علي مجموعة القوانين التي تواجه قضايا الاستثمارالداخلي والخارجي وكذلك المدني والعمالي وهكذا يكون لدينا تقسيم نوعي للتشريعات لكل فريق أو ورشة عمل. ولماذا لم تلجأ لجنة الإصلاح التشريعي للعمل بهذه الرؤية منذ إنشائها في 2014؟ - لا ننكر أن لجنة الإصلاح التشريعي الحالية تعمل وأنجزت بعض التشريعات وهناك العديد من المشروعات التي انتهت منها وموجودة أمام الحكومة وأخري أمام مجلس النواب، ولكن كنت أتمني أن تعمل وفق الرؤية التي أوضحتها من خلال لجان منفصلة متخصصة جميعها لها رؤية واحدة هي علاج بطء إجراءات التقاضي وطول الإجراءات وعدم مواكبة التشريعات، فلا يقتصر عمل اللجان علي القضاة فقط، وتوجيه جهود القضاة كل في تخصصه حتي يمكن الاستفادة من خبرته في مجاله، وتوفير جهد القضاة فلا ينتهي القاضي من تنقيح قوانين الجنائي ويتوجه نفس القضاة إلي قوانين المدني أو الاقتصادي. ما العائق أمام زيادة أعداد القضاة؟ - القضاة سدنة العدل لكن يحتاج القاضي إلي مزيد من تهيئة البيئة والمناخ ليؤدي رسالته ونحيط تأهيله بالعناية الواجبة وقلة عدد القضاة الذي لا يزيد مع الزيادة السكانية التي تزيد القضايا معها طرديا مقارنه بالماضي، فالقاضي الذي كان يطرح عليه خمس قضايا في الشهر يدرسها في ثلاثة أسابيع ويفصل في جلساتها علي مدار أسبوع الآن يري في الرول حوالي 50 جناية و400 في الجنح فحتي يحقق العدالة بتأنٍ لا يستطيع نظر هذا الكم، فلا يوجد في أي دولة دائرة صباحية ومسائية أو أن تنتظر كل دائرة من انتهاء الدائرة السابقة .لذا نحتاج هنا إلي زيادة عدد القضاة، ولن يأتي ذلك بين يوم وليلة ولكن نحتاج من البداية زيادة عدد القضاة أثناء الاختيار وأيضا تأهيلهم فاختيار 600 قاضٍ في الدفعة الواحدة لا يكفي والقانون يبيح روافد أخري لتعيين القضاة من المحامين وأساتذة الجامعة في الدرجات المناسبة ولابد أن نبدأ في استغلال هذه الروافد سواء زيادة الأعداد من النيابة العامة أو البدائل التي يتيحها القانون لأن عدد القضاة لا يتناسب مع عدد القضايا. ما المدة القانونية لنظر أي قضية كحد أقصي؟ - القانون لم يحدد سقفا زمنيا ولكن الواقع العملي يعكس بطئا وهذا ما يتعارض مع الدستور في المادة 97 التي تنص علي أن تعمل الدولة علي سرعة الفصل في القضايا أي ملتزمة دستوريا وهذا ما يحتاج إلي علاج منظومة العدالة كما أن جزءا كبيرا يرتبط بعمل الأجهزة المعاونة للقضاء والجهاز الإداري في المحاكم يحتاج إلي تطوير سريع فحتي الآن القضية تستغرق سنوات لإصدار ورقة وحجتهم في هذا دائما بالقول "لما ييجي دورها"، مما ينتج عنها الفوضي وأقترح أن تجمع كل الأجهزة المعاونة للقضاء في هيئة واحدة تتمتع بالاستقلالية لأنها جزء من منظومة القضاء ومراقبة أدائها واستخدام التقني بها، وكذلك إنشاء جهة تسمي هيئة تنفيذ الأحكام تنفذ في خلال أيام بحد أقصي أسبوعين. هل موازنة وزارة العدل كافية لتحقيق الإصلاح الشامل في منظومة العدالة؟ - الموازنة العامة غير كافية فهي مرتبطة بالظروف المالية للدولة و المفروض أن تزيد وأناشد الدولة بزيادة الموازنة فيما يخص صندوق أبنية المحاكم بما يتناسب لوضع خطة خمسية لمضاعفة بناء عدد المحاكم الجديدة وتسريع وتيرة استحداث مبان للمحاكم وبالتالي زيادة عدد الدوائر، ولوضع خطة عاجلة للمحاكم لتأمينها وتوفير خدماتها. كيف تري مشروع قانون تنظيم ندب القضاة وأعضاء الهيئات والجهات القضائية؟ - هناك تناقض شديد في هذه المسالة فنتحدث علي عجز في عدد القضاة وننتدب قضاة إلي الجهات الأخري فالقاضي مكانه منصة القضاء وليس المكتب فلابد من إلغاء الندب الكلي أو الجزئي ولا ينتدب إلا لجهات شئون العدالة مثل وزارة العدل أو في لجان ذات اختصاص قضائي أو الإشراف علي الانتخابات التزاما بالدستور، وكنت أري إعمال مبدأ إلغاء الندب منذ صدور الدستور دون الانتظار خمس سنوات الماضية حتي يناير المقبل، ولابد من سرعة إصدارالقانون لكي يقيد الندب نهائيا من العام القادم. كيف تري محاولات تدبير موارد تمويل صندوق القضاة؟ وأزمة نادي القضاة ومجلس القضاء الأعلي والبرلمان فيما يخص المادة 134 بتخصيص نصف مبلغ الكفالة؟ - هناك أسباب عديدة لاعتراض نادي القضاة علي هذا الاقتراح فالكفالة يقررها المحقق سواء القاضي أو وكيل النيابة عبارة عن مبالغ تودع في الخزانة يحصل عليها المتهم إذا قضي له بالبراءة لكن إذا تخلف عن أداء واجب من واجباته فتخلف عن التحقيق أو الجلسات أو قضي ضده فلا يأخذ الكفالة فالجهة التي تحدد استحقاق الكفالة أو استردادها هو القاضي فإذا حددنا منها 50٪ إلي صندوق الرعاية الصحية للقضاة لوزارة العدل فإذا حدد مبلغ وكان كبيرا للكفالة سيظن من هذا القرار لأنه يقتطع جزءا ينتفع منه الصندوق، أنا يهمني الثقة في القضاء واحترام أحكامه وضمان حيدته ونزاهته وأنأي بالقاضي عن مظنة استفادته من تنفيذ هذا القرار فعندما يصرف المتهم الكفالة ويقدم عذرا فقد لا يقبل القاضي عذره وبالتالي لن تصرف الكفالة وبالتالي سيخل الثقة بالقضاء، ووجهنا وجهة نظرنا في الاعتراض رسميًا إلي مجلس القضاء الأعلي ويسال إذا كان البرلمان أخذ رأيه أم لا وإذا كان له رأي آخر فنحترم ونثمن رأيه. هل تؤيد ما انتهت إليه اللجنة التشريعية بشأن توصية وزارة المالية علي توفير الاعتمادات المالية لصندوق الرعاية الصحية؟ - هناك عجز شديد في موارد صندوق القضاة وعلي الدولة أن توفر المبالغ التي تسد هذا العجز من خلال تمويل الخزانة العامة وليس من خلال موارد مباشرة مع المتقاضين بما يستشعر أنها وضعت علي كاهله والهدف أن يدعم الصندوق سواء دفعة واحدة او علي مراحل. ما ردك علي تعليق وزير العدل بضرورة تعديل الدستور لتعيين قاضيات بمجلس الدولة؟ - المادة 73 من قانون مجلس الدولة لم تميز في التعيين بين الجنسين ولا يوجد نص يمنع تعيين المرأة في مجلس الدولة، ثانيا إعمالا لأحكام المادة 11 من الدستور أنه يجب أن يتم النظر في تعيين المرأة في مجلس الدولة وجميع الهيئات القضائية لأنه حقها الدستوري الذي صوتنا عليه ويجب أن نلتزم به فالدستور وضع لينفذ وإذا كانت هناك عقبات لابد أن يصدر القانون الذي يفعل هذه المادة وليس تعديلا دستوريا إطلاقا. أين مؤتمر العدالة الناجزة؟ - دولة القانون تحتاج إلي تطوير منظومة العدالة الذي يحتاج إلي مؤتمر العدالة الناجزة لعلاج بطء إجراءات التقاضي وطول الإجراءات هذا المؤتمر نادينا به منذ 2016 ومازلنا ننادي به وتحدثنا بشأنه مع كافة المسئولين وأثق أن رئيس الجمهورية عندما تحدث أثناء عملية اغتيال الشهيد النائب العام هشام بركات طالب بسرعة إجراءات التقاضي وهي تحتاج إلي مؤتمر ضخم من المتخصصين في كل المجالات القضائية له جدول زمني ويأمل نادي القضاة إلي الدعوة لعقده.