القارئ الطبيب أحمد نعينع أثناء حواره مع »الأخبار« أحد الرؤساء الحاليين لدولة التلاوة المصرية العريقة، يستقي نبراته القرآنية الرائقة من معين شيخه مصطفي إسماعيل الذي يتولي منصب الناظر في مدرسته القرائية، رغم أن مدرسته الخاصة بدأت في التشكل والفرادة بعدما ازدانت بطلاوة صوته النابعة من أغوار قلب رهيف، واصطف فيها الدارسون والمريدون من كل دول العالم.. إنه القارئ الطبيب أحمد نعينع، القارئ الرسمي السابق لرئاسة الجمهورية في عهدي السادات ومبارك.. الكثير من ذكريات الصيام في هذا الحوار: مهرجان »كلوبات» بسيدي عبدالوهاب.. وملك المغرب قال لي: »أنت بضاعتنا رُدت إلينا» مصطفي إسماعيل أبي الروحي.. وعرفت السادات علي رصيف نمرة تسعة ما أهم الذكريات الرمضانية الطفولية التي لا تزال تناوش القارئ الطبيب أحمد نعينع؟ - نشأت بمدينة مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، وفي الطفولة المبكرة كنتُ وأطفال القرية نجتمع في ساحة مسجد سيدي عبد الوهاب انتظارًا لأذان المغرب الذي كان إعلانًا لنا لنضرب »البمب» باستخدام قطعة خشب بها قطعة حديد مربوطة بأستيك، وكأنها مدفع الإفطار الخاص بنا، ثم بعدها نهرول سريعًا إلي منازلنا لإخبار أمهاتنا، وأحيانًا كنت أستمر بالمسجد حيث يعطيني جدي »قراطيس» التمر لأوزع ثلاث بلحات لكل صائم. مهرجان »الكلوبات» ماذا عن صيامك الأول وارتباطك بالمسجد في تلك الفترة المبكرة؟ - بدأت الصيام مبكرًا جدا، ربما عند خمس أو ست سنوات، بأمر من جدي الذي كان يُراقبني أنا وأخي ونحن نتلوي من الجوع والعطش ويرفض إطعامنا حتي نتعود علي الصيام، كما كان يحرص علي اصطحابنا إلي صلاتي العشاء والتراويح، وقد ارتبطتُ بالمسجد لأنه كان يتحول إلي مهرجان رمضاني جميل في ساحة سيدي عبد الوهاب التي كانت تُضاء »بالكلوبات» حيث لم تكن الكهرباء موجودة في ذلك الوقت وإنما هي لمبات الجاز أو »الكلوب» في كل البيوت، وأحيانا يستأجر أهل القرية مولدا كهربائيا لإضاءة المسجد والساحة بمصابيح ملونة مع الزينات الرمضانية؛ ولا أنسي الفانوس أبوشمعة الملون بألوان مختلفة من جوانبه واشتريته وقتها بقرش صاغ واحد. كيف اتجهت إلي طريق قراءة القرآن الكريم رغم تفوقك الدراسي؟ - الحقيقة أنه لم يكن أحد من أقاربي قارئا ليرشدني إلي الطريق، ولكنني حفظت القرآن عند سن التاسعة كما كنت أعشق تقليد الأصوات، خاصة ابن قريتنا القارئ الكفيف الشيخ أمين الهلالي، إضافة إلي موهبة الصوت الجميل التي وهبها الله لي، وكنت أتباري مع أقراني في التلاوة والتجويد حتي اشتهرت بينهم بطلاوة الصوت، فكان أساتذتي بالمدرسة يطلبون مني القراءة دائما في حصص الألعاب وأوقات الفراغ مع افتتاح الإذاعة المدرسية والحفلات. التجويد بمعدة فاضية! يشتهر مشاهير القراء بالوجبات الدسمة قبل التجويد.. هل لديك »قصة» مع الطعام؟ - بالفعل بعض أصدقائي القراء يشتهر بذلك، وقد كنت في تنزانيا منذ أيام ووجدت هناك قراء يأكلون بشراهة قبل التلاوة أيضًا ولا أعرف حقيقة العلاقة بين القراء والطعام؛ ولكنني لستُ من »الأكيلة» وإنما أقرأ بمعدة خاوية، بل ولا أستطيع القراءة أصلا بعد الأكل مباشرة، والأهم عندي من الطعام هو الراحة والنوم قبل التلاوة، وكان صديقي الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب يقول لي: »خميرة الصوت النوم». وهل أفادتك علاقتك بعبد الوهاب في تحسين أدائك الصوتي؟ - بالطبع أفادني كثيرًا، وقد عرفته في جلسة مع المؤرخ الموسيقي محمود كامل، ومجدي العمروسي المستشار القانوني لشركة صوت الفن، اللذين سألاه عن صوتي فقال: »صوته دمه خفيف، وأكتر من جميل»، وكان يشير إلي الكنبة التي أجلس فوقها ويقول: »هذه الكنبة جلس عليها الشيخ محمد رفعت».. كما أفادني في تعريفي بمنطقة الطبقة التي يخرج منها صوتي وصنع لي »دوزان» لتدريبي علي هذه الطبقة. يعتقد بعض القراء أن دراسة المقامات الموسيقية ضرورة لإتقان التجويد.. ما رأيك؟ - لا أعتقد ذلك، وما تراه الآن من كورسات لتعليم القراء المقامات كلام فارغ ولا يصح، كما أن القرآن لا يحتمل مثل هذه الأمور.. وقد عرفت المقامات ومناطق خروج الصوت بالفطرة ولم أدرسها، تماما كما فعل شيخي مصطفي إسماعيل. أبي الروحي كانت لك علاقة وطيدة بالشيخ مصطفي إسماعيل.. ما أهم الأشياء التي تعلمتها منه؟ - مصطفي إسماعيل كان أبي الروحي، وقد رافقته آخر ثماني سنوات من حياته في فيللته بالإسكندرية، واستفدت منه في كيفية مفاجأة المستمع بمسارات القراءة حتي يقول »الله» رغمًا عنه، وكذلك كيفية القراءة أكبر وقت ممكن بأقل مجهود، وتعلمت منه فن المقامات »سماعي» كما تعلمها، ثم تعلمت احترام قراءة القرآن، إذ كان- رحمه الله- إذا بدأ القراءة انفصل عن الموجودين واتصل بحبل السماء.. والحقيقة أن »جُعبة» مصطفي إسماعيل تضم كل ما قرأ السابقون واللاحقون. يحكي الكثيرون عن صداقتك بملك المغرب.. ما صحة ذلك؟ - علاقتي وطيدة بالمغرب منذ عام 94 حين انطلقت الفضائية المصرية وقرأت في مسجد السيدة زينب علي الهواء مباشرة لمدة 45 دقيقة واكتشفت بعد ذلك أن ملك المغرب استمع لي وأعجبه صوتي وطلبني للقراءة في الدروس الحسنية، وعندما عرف الملك الحسن أن جدي الأكبر من مدينة »مكناس» قال لي: »أنت بضاعتنا رُدت إلينا.. وعليك أن تصل رحمك كل عام»، ومن وقتها أقرأ بالدروس الحسنية سنويا. لا تزال رائدة يظن البعض أن المدرسة القرائية المصرية تراجعت مؤخرًا لصالح قراء الدول الخليجية.. ما رأيك؟ - لم يحدث هذا إطلاقا في أي وقت من الأوقات، فالمدرسة القرائية المصرية بخيرولا تزال هي الرائدة، ولكن بعض القراء يخرجون عن الصف ولا يلتزمون بأحكام التلاوة، أما عن القراء الخليجيين فهم يقرأون القرآن مرتلا فقط، ولكننا نمتلك قراءة منفردة وهي القراءة التجويدية أو التعليمية، بخلاف قراء الخليج الذين لا يقرأون بهذه الطريقة، كما أن الناس يحبون أن يسمعوا القراء السعوديين لأنهم يحملون في أصواتهم روح مكة والمدينة، فيستعيد الناس نسمات هذه الأماكن المقدسة عندما يسمعون تلك الأصوات. كيف تم اختيارك قارئًا لرئاسة الجمهورية في عهد الرئيس السادات؟ - عرفت الرئيس السادات عندما كنت مُجندا بالبحرية في حفلة علي الرصيف نمرة تسعة وعندما قرأتُ أمامه أعجب بقراءتي، ثم قرأت أمامه بعد ذلك في وجود المهندس عثمان أحمد عثمان الذي قال له الرئيس: »يا أبو عفان، الشيخ مصطفي إسماعيل صحا تاني»، وفي المرة الثالثة بنقابة الأطباء بالقاهرة حين دعاني النقيب د. حمدي السيد وكان الرئيس حاضرًا، ثم ضمني إلي رئاسة الجمهورية قارئًا وطبيبا خاصا له، ونزلت في تعليمات الرئاسة بند أوامر. المركز الأول ما أهم الجوائز التي حصلت عليها في مصر والخارج؟ - حصلت علي المركز الأول في الهند في مسابقة للقراء علي مستوي العالم، وفي ماليزيا وفي بروناي وغيرها وهذا كان في المرحلة الأولي من حياتي، أما الآن فأذهب إلي هذه الدول ولكن كحكم بين المتسابقين؛ ولكن في مصر لا أعتقد أنني حصلت علي جائزة. إلي من يستمع القارئ الطبيب أحمد نعينع من القراء؟ - كل من يقرأ القرآن بطريقة صحيحة سواء من القديم أوالحديث وإن كان هناك بالطبع رموز وأهمهم الشيخ مصطفي إسماعيل لأنني عشت معه أواخر عشر سنوات من عمره وكان له تأثير كبير علي قراءتي.