كان استشهاد الحسين في كربلاء مأساة مروعة أدمت قلوب المسلمين وهزت مشاعرهم وحركت أرواحهم نحو حب آل البيت عليهم السلام.. نحن أولى بالحسين دينًا وملَّة، ونسبًا وصهرًا، وحبًّا وولاءً، وأرضًا وبيتًا، وتاريخًا وجغرافيا..ارفعوا عنّا سيف العدوان، وأغمدوا عنّا خنجر الغدر؛ فنحن الذين اكتوينا بقتل الحسين، وأُصبنا في سويداء قلوبنا بمصرع الحسين: جاءوا برأسك يابن بنت محمد..متزمِّلاً بدمائه تزميلا ويكبِّرون بأن قتلت وإنما.. قتلوا بقتلك التكبير والتهليلا لقد ارتفع حب الحسين وآل بيته الطاهرين متربعاً على عرش القلوب المؤمنة المنصفة في كل زمان ومكان ولقد عرف هذا الفضل، وتلكم المكانة العالية أكابر الصحابة وسيدهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث كان يقرر:"لصلة قرابة رسول الله أحب إلى من صلة قرابتي"! استشهد مع الحسين الكثير من أنصاره وأهل بيته وأقاربه، وكان أول من قتل منهم هو "مسلم بن عقيل بن أبي طالب"، الذي أرسله الحسين إلى الكوفة لمقابلة أنصاره وحشدهم في انتظار قدومه عليهم، لكن والي الكوفة تنبه إلى قدومه فقبض عليه وقتله. أما في المعركة نفسها، فقتل العديد من أبناء الحسين وإخوته، وأشهرهم أخوه "العباس بن علي"، الذي كان يُعرف بقمر بني هاشم.. تناول أبو الفرج الأصفهاني في كتابه "مقاتل الطالبين"، قصة مقتله أثناء إحضاره للماء لسقاية الحسين، حين أحاط به جمع من الأمويين فقطعوا يده اليمنى ثم اليسرى، ثم أجهزوا عليه تماماً ومنعوا توصيل الماء لمعسكر الحسين. ويحتل العباس موقعاً متميزاً في التاريخ الإسلامي، وتُنسب له الكرامات والخوارق، كما اشتهر بلقب "ساقي العطاشى".. ويعتبر "عبد الله" الرضيع ابن الحسين واحداً من أبرز ضحايا مذبحة كربلاء.. يذكر أبو الفرج الأصفهاني أن أحد أفراد الجيش الأموي يُدعى حرملة رماه بسهم وهو بين يدي والده فقتله، ومن أنصار الحسين الذين قتلوا في كربلاء، "زهير بن القين"، وجاء أنه لم يُقتل حتى قتل 120 رجلاً وحده! كذلك "الحر بن يزيد الرياحي"، الذي يذكر الطبري في تاريخه، أنه كان أحد قادة الجيش الأموي، فلما عرف نية عمر بن سعد في قتل الحسين وتأكد منها، انضم إلى الحسين وقاتل معه حتى قتل! استطاع عدد قليل من أهل بيت الحسين النجاة، من هؤلاء "زينب بنت علي بن أبي طالب" و"سكينة بنت الحسين". كما أن "علي بن الحسين" كان الوحيد من أبناء الحسين الذي ظل حياً بعد كربلاء، والسبب في ذلك، بحسب ما يرويه "الذهبي" في كتابه "سير أعلام النبلاء" أن علي بن الحسين كان مريضاً وقت المعركة فاعتزل القتال، وبقي مع النساء والأطفال، فلما هجم الأمويون على معسكر الحسين قبضوا عليه وأسروه، وأرسلوه مع الباقين إلى الكوفة، وقد تعرض الناجون من تلك المذبحة إلى المهانة والذل على يد "عبيد الله بن زياد" والي الكوفة، فدخلوا إلى المدينة مكبلين بالحديد والأصفاد، واقتيدوا كما يُقتاد الأسرى والعبيد إلى قصر الوالي، وهناك جرت مناظرة رائعة بين زينب وابن أخيها علي من جهة وابن زياد من جهة أخرى.. فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، والله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد، يوما ينادي المنادي (ألا لعنة الله على الظالمين). وبعد ذلك بقليل، تم الإفراج عنهم، فتوجهوا إلى المدينةالمنورة، حيث أقاموا، وبقي فيها علي بن الحسين، لم يخرج منها. وعرف عنه حبه للعلم وانقطاعه للعبادة وبعده عن أمور السياسة والحكم، حتى عُرف باسم "زين العابدين" واشتهر بلقب "السجاد". يتفق الكثير من المؤرخين، مثل الطبري والمسعودي وأبو الفرج الأصفهاني، على أن جسد الحسين تم دفنه في كربلاء، في ساحة المعركة التي شهدت مقتله. وجد في الحسين ثلاثة وثلاثين جرحاً، ودفنه أهل الغاضرية من بني أسد، ودفنوا جميع أصحابه بعد قتلهم بيوم واحد بكربلاء.أما رأس الحسين، فحملها الأمويون معهم إلى الكوفة، فبعث به الوالي إلى يزيد بن معاوية في الشام، وهناك اختلاف وتضارب كبير في الأقوال والروايات حول مصير الرأس بعد وصولها لدمشق، فذكر "ابن كثير، الآراء المختلفة بشأن ذلك في كتابه "البداية والنهاية"، فيقول إن الرأي الأول هو أن يزيد بعث برأس الحسين إلى المدينة حيث تم دفنه في البقيع، والرأي الثاني يقول إنه تم الاحتفاظ بالرأس في إحدى الخزائن الأموية، حتى توفي يزيد، فأُخذ الرأس ودفنت في دمشق، أما الرأي الثالث، وهو الصحيح والراجح عند أهل العلم رأي المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي، الذي ذكر في كتابه "الخطط المقريزية"، أن رأس الحسين دفنت في مدينة دمشق ثم تم استخراجها وأعيد دفنها في مدينة عسقلان، وبقيت بها حتى بدأت الحروب الصليبية على بلاد الشام، فخاف الفاطميون من استيلاء الصليبيين عليها، فنقلوها إلى مصر ودفنوها بالموضع الذي يوجد بجواره الآن مسجد الحسين المعروف بالقاهرة. وختاماً ما أجمل قول الشيخ خالد محمد خالد في مؤلفه أبناء الرسول في كربلاء: إنه يوم لم يعرف المسلمون بعد حقه عليهم ولا واجبهم تلقاءه، وإن الأقدار لم تدع رؤوس أبناء الرسول تحمل على أسنة رماح قاتليهم إلا لتكون مشاعل على طريق الأبد للمسلمين خاصة وللبشرية الراشدية كافة يتعلمون في ضوئها الباهر أن الحق وحده هو المقدس وأن التضحية وحدها هي الشرف، لقد وجدت – لا غير – عبير تلك التضحيات وتلك العظمة فرحت أنادي الناس كي يستمتعوا معي بهذا العبير، وليشهدوا – كما لم يشهدوا من قبل شرف التضحية وعزمها القدير، ويا أبا عبد الله سلام على البيت الذي أنجبك وعلى الدين الذي رباك وسلام على رفاقك الأبطال الممجدين والشهداء الظافرين.