الكتاب: الاحتجاجات الاجتماعية والثورات المدنية من المؤكد أن محاولات دراسة ومعرفة أسباب موجة الانتفاضات العربية التي حدثت علي مدار العام الماضي وتطوراتها، التي لا زالت في طور التشكل، ستظل تأخذ حيزا كبيرا من اهتمامات الباحثين المهتمين بمنطقة العالم العربي والشرق الاوسط، وايضا اهتمامات دارسي العلوم السياسية. حيث غيرت الانتفاضات الثورية في المنطقة الكثير من المفاهيم المتعلقة بالوضع السياسي والثقافي والاجتماعي بالعالم العربي. في هذا السياق يأتي كتاب "الاحتجاجات الاجتماعية والثورات المدنية تحولات السياسة في دول البحر المتوسط العربية" الصادر ضمن منشورات مركز الاهرام للدراسات الإجتماعية والتاريخية، بالتعاون مع مجلة العالم الثالث الفرنسية. يحاول الكتاب المكون من عدد من الدراسات معرفة الاسباب التي أدت إلي موجة الانتفاضات المدنية في الحالتين المصرية والتونسية اساسا ومعرفة العوامل والاسباب التي أدت إلي إنطلاق العملية الثورية الساعية للبحث عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في العالم العربي. الكتاب صدر في طبعتين، الاولي عربية قام بتحريرها نبيل عبد الفتاح، والاخري فرنسية قامت بتحريرها الباحثة التونسية سارة بن نفيسة، وبلاندين ديسترمو. وتم اهداء الطبعة العربية إلي روح المفكر الراحل محمد السيد سعيد "الذي حلم بالثورة المصرية وأعد لها لكنه لم يعشها" والذي رحل عن عالمنا في 2009 يحاول نبيل عبد الفتاح في مقدمته للطبعة العربية المعنونة ب"البحث عن سياسة الامل" الكشف عن حدود الحركات السياسية والاحتجاجية التي برزت في مصر تحديدا منذ 2005 مثل "كفاية" وأخواتها التي تعد بالنسبة له امتدادا عن تمدد بعض الخطابات الحقوقية وانتشارها في بعض أوساط القوي السياسية المعارضة، وهو في الوقت نفسه ما منح هذه الحركات طابعا اصلاحيا إذ كان نشاط المنظمات والجماعات الحقوقية نشاطا يهدف إلي احداث تعديلات في بنية النظام التسلطي واصلاحه هيكليا ولكن لم تكن تحمل هذه الخطابات أي أفق ثوري، وبالتالي لم تكن الثورة أو التفكير الثوري أو المشروع الثوري جزءا من أهداف وغايات هذه النشاطات إلا علي صعيد التنظير الذي كان بدوره يؤسس لمستقبل "ثوري" غائم وغامض ولم تستطع تحديد معالمه ولا زمنه ولا سياقاته ومحدداته. من هنا يحاول عبد الفتاح تفسير حالة "المفاجأة" التي شعرت بها تلك القوي حال اندلاع الانتفاضات في تونس ثم في مصر. يبدأ الكتاب بدراسة للحركات الاحتجاجية في مدينة "قفصة" التونسية، و"إفني" المغربية في الفترة ما بين 2005 إلي 2009 حيث تري الدراسة أن التعبئة الاحتجاجية التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني كانت تقوم علي طلب تدخل الدولة لإنعاش النمو وضمان راحة السكان في المناطق الاقليمية، وفي نفس الوقت مهاجمة الدولة لكونها المتسببة في الوصول لتلك الحالة. ومن هنا نشأ خطاب مطلبي ملتبس وغير واضح تجاه الدولة. حيث تختلط أسطورة الانتفاضة ضد الدولة مع اسطورة المقاوم الوطني في إطار من العاطفة والاخلاق مما يساهم في انتفاء الطابع السياسي عن الاحتجاج، ومن ناحية أخري يعطي الفرصة للدولة في اختيار الرد المناسب لها بين المنح والقمع. ثم يتناول أنطوان دومون في الدراسة الثانية في الكتاب حالة مدينة "الرديف" التونسية الواقعة بمنطقة حوض المناجم، حيث كانت المدينة احدي مصدري العمالة المهاجرة إلي مدينة نانت الفرنسية وارتفعت نسبة هذه الهجرة بعد قمع الدولة لاحتجاجات 2008 بالمدينة وهو ما ادي من ناحية إلي ارتفاع نسبة الهجرة من المدينة إلي نانت الفرنسية وفي الوقت نفسه تشكلت روابط من المقيمين التونسيين في نانت بالتعاون مع مؤسسات ناشطة لدعم نضال التونسيين بالداخل، هذه الحركات المتقاطعة بين "الداخل" و"الخارج" خلقت ماتسميه الدراسة "تداخل القوميات عبر هجرة الاحتجاج". بينما يحاول كل من ماري نويل ابياجي، وميريام كاتوس دراسة الحالة اللبنانية حيث يستطيع المجتمع اللبناني اظهار قدرات استثنائية علي التعبئة السياسية بينما يعني ضعفا شديدا في المطالبات الاجتماعية، حيث تم تشكيل العديد من الحركات ضد الاثار الناتجة عن سياسات اعادة بناء البلد ولكنها قلما توجت بالنجاح، تدرس الباحثتان التناقض ما بين ضآلة الحقوق الاجتماعية وإتساع الهوة الاجتماعية من جانب وارتفاع درجة التعبئة السياسية لنظام الطوائف من ناحية أخري. ومن مصر تدرس الباحثة الفرنسية ماري ديبوك حالة اعتصام شركتي مصر للغزل والنسيج في المحلة الكبري وإندوراما بشبين الكوم، حيث تدرس تأثير السياقين السياسي والاجتماعي علي موجة الاحتجاجات التي شهدتها مصر بشكل عام منذ 2004، وتتبع من خلال النموذجين اللذين اختارتهما للدراسة طرق واشكال التنظيم علي المستوي المحلي مع التأكيد علي أهمية الشبكات الاجتماعية التي شجعت وسمحت بترويج مطالب المعتصمين. من مصر أيضا تحاول ناتالي برنار موجيرون تحليل عملية بلورة قانون الخلع عام 2000 والسجال والتعبئة المثارة حول تبني هذا القانون، وتقوم بتحليل التوترات والرهانات التي تسيطر علي المشهد السياسي المصري ورسوخ الاطار المرجعي الديني، وتطرح تساؤلا حول الدور الذي يمكن أن تلعبه القوانين القضائية المفروضة من قبل الدولة علي عملية التغيير الاجتماعية. ثم تقدم الباحثة لور جرجس دراسة عن خصائص النشاط الاحتجاجي القبطي المعاصر في مصر وتركز لور علي عملية التفاعل بين اتجاهات رئيسية داخل هذه الاحتجاجات وهي الاتجاه الطائفي والعالمي، والتفاعلات الحاصلة علي الصعيدين الوطني والدولي التي تحفز ظهور أشكال جديدة من التحركات الاحتجاجية كما تعرض ايضا لردود فعل النظام المصري إزاء هذه التحركات. وينتهي الكتاب بدراسة لسارة بن نفيسة حول ال18 يوما حيث تطرح سارة تساؤلا حول الثورة التي عاشتها مصر بلا قيادة، وتحاول رؤية هذه الايام في سياق إعادة صياغة عامة للعلاقة بين الدولة والمجتمع في مصر بدأت بالنسبة لها منذ 2005 مع عملية تفكيك الاحتكار الاعلامي وزيادة حجم الاحتجاجات الاجتماعية. وتحلل الادوار المختلفة لممثلي الانتفاضة الذين فرضوا علي مبارك التنحي، وايضا تتساءل عن الممثلين السياسيين القائمين علي العملية السياسية المستقبلية وهم الجيش والاخوان المسلمون.