"معظم هذه الأعمال رسمت قبل الثورة ولم تنل حظها من العرض، فقد رفضت قاعات العرض الخاصة هذه الأعمال في حينها لما كانت تحمله من نقد اعتبره البعض ثقيلا لما كان قائما وإرهاصات لما هو آت" هكذ يتحدث الفنان محمد عبلة عن لوحات معرضه الجديد "الطريق الي التحرير". كان عبلة يتمني أن يعرض كل اللوحات مجتمعة وقت تنفيذها لما كانت تعنيه بالنسبة له كصرخات تمني أن يسمعها أحد، كتب عبلة وهو يعمل علي مجموعة "أبراج القاهرة" متسائلا:" هل من سبيل إلي إنقاذ مدينتنا هل من سبيل إلي إنقاذ أنفسنا؟". تساؤلات عبلة وأمنياته جاءت في مقدمته للمعرض الذي افتتح مساء الاحد الماضي في قاعة الباب بالمتحف الفني المعاصر بالأوبرا ويستمر حتي 24 ابريل. في منتصف المعرض تظهر لوحة كبيرة لجمل، هل يمكن أن نسميها ارهاصات لما هو قادم؟ يقول عبلة "عرضت لوحتين من هذا المعرض في عام 2009 في ألمانيا من خلال معرض عن الفن المصري المعاصر، وفي البحرين أيضاً، أستغرب الآن عندما أنظر للوحاتي وكم كانت الاشارات واضحة جدا، وأمتن بامتياز الفن الذي منح المعرض مثل هذه النبوءة". توقيع اللوحات يبدأ من عام 2004 حتي عام 2010 ولم يرسم عبلة أي لوحة منها بعد الثورة، سألته بخصوص أن الأمر غير موثق وقابل للتشكيك يقول " بالنسبة لي أنا لا أحاول أن أثبت شيئا لأي شخص حتي ان اللوحات لا تصلح لتكون نتاج أعمالي بعد الثورة." لوحات الطريق الي التحرير تحمل تداخلا للعديد من الفنون استخدم فيها عبلة رسومات الكاريكاتير والمانشيتات الصحفية ليرصد ما يدور في الشارع، حتي يبدو أن عبلة كتب علي لوحاته مثل ما رسم. أيضا هناك بورتريهات لرموز مثل عبد الناصر، حليم، عرفات، حسن البنا يشيرون الي مراحل بعينها ومدي تأثيرهم في الوجدان المصري. هناك لوحات رسمت فيها علي فوتوغرافيا كيف تري هذا التداخل الفني؟ عندما أرسم علي صورة فوتوغرافية أريد أن أقول هذا هو الواقع وهذه هي فكرة ارتباطي به، كما أن الفن متسع لدرجة استخدام وثائق مختلفة فالفوتغرافيا جزء من المشهد الفني ولها علاقة كبيرة من الواقع وعندما أرسم فوق الفوتوغرافيا أركز علي التضاد ما بين المرسوم والمطبوع وهذا يسبب نوعا من الحيرة للمتفرج. رسمت اللوحات من 2004 في أوقات مختلفة بينما كنت أعمل علي معارض أخري ولم يكن القصد منها تكوين مجموعة، ولكن تكومت اللوحات الممنوعة من العرض فوق بعضها. أسأله ألم يشعرك ذلك بالقمع؟ متعة الفنان الحقيقية أن يرسم، مسألة العرض ليست هي الأساس، ولكني كنت أشعر اني سأعرضهم يوماً ما. المواطن المصري هو بطل لوحات محمد عبلة يظهر بكثافة بأشكال مموهة ومزدحمة أو بروفايل لوجه مصري دافئ كما تظهر في العديد من اللوحات صورة العسكري لتعكس الطابع الأمني الذي كانت تعيشه الشوارع قبل الثورة. أيضا الأرقام الموجودة علي اللوحات كلها كأن البلد كلها مسعرة توضح المزايدات والتخفيضات التي تراهن علي المواطن المصري وعن الجو التجاري الذي نعيشه. كيف أحسست بالعلاقة بين ما رسمته وما رأيته عبر أيام الثورة الاولي؟ بالنسبة لي عندما كنت في التحرير شعرت بالهتافات واللافتات وبأجواء كوبري قصر النيل ، الأماكن التي أصبحت بعد ذلك جزءا من ذكريات الثورة. في الثورة لم أشعر أني غريب كنت أعيش في أماكن رسمتها من قبل ولي علاقة بها، فالفن بالنسبة لي مثل اليوميات للأشياء التي تشغلني جدا. لم يستطع رجال الأمن في الإسماعيلية فعلياً اقتحام المسرح، لم يصمد فعلهم الصبياني الهشّ، لسبب بسيط، أنهم لم يمتلكوا القدرة علي تقديم فكرة أو الدفاع عن قضية.. مجرد فعل مجاني خاو، مجرد سطو صغير لجماعة من الفتوات والبلطجية.. لم تمتلك قوات أمن الإسماعيلية سؤال القرن التاسع عشر، لنقول إن الرجعية الأصولية تُناهض المسرح، ولم تمتلك قوات الأمن أخلاق شباب مايو 1968 في فرنسا، حين احتلوا مسرح "الأوديون" في باريس، معلنين أن (الخيال استلم السلطة).. بين اقتحام الرجعية الأصولية لمسرح أبوخليل القباني في دمشق بالقرن التاسع عشر، واقتحام الرجعية الأمنية لمسرح قصر ثقافة الإسماعيلية قبل أسبوع، مساحة لتأمل حجم التردي.. كان ذلك سؤال القرن التاسع عشر، حين شدّ الشيخ "سعيد الغبرا" الرحال إلي الباب العالي العثماني، رافعاً احتجاجه وتوقيع 26 شيخاً من رجال الدين لإبطال البدع التي ظهرت في الشام، فأصدر السلطان عبد الحميد إرادته بمنع التمثيل العربي في سوريا..!! ورغم أن مسرحيات القباني، لم تكن تُشكّل خروجاً أو تمرّداً فكريّاً علي الثقافة السائدة والمحافظة في ذلك الوقت، إلا أن فكرة المسرح تنطوي علي فعل مغاير وحر، يصطدم بالضرورة مع كل سلطة، فن لا يتواطأ ولا ينكسر.. هكذا وقف شيوخ دمشق أمام مسرح القباني، باعتباره بدعة، فكان أن حمل مسرحه إلي القاهرة.. في الإسماعيلية لم يقف رجال الدين ضد المسرح، لم يخرج المتشددون بجنازيرهم لإغلاق المسرح، كما سبق وحدث قبل سنوات في أسيوط.. ما حدث أن رجال الأمن، ورجال القانون هم الذين شنّوا هجماتهم، بحضور سُلطوي مخيف، فقد حرص علي حضور مشهد الاقتحام مدير أمن الإسماعيلية، ومدير العمليات، ونائب وزير العدل، وفريق من شركة "المقاولون العرب" للقيام بفكّ مقاعد المسرح وتجهيزاته استعداداً لتحويله إلي قاعة محكمة، وهو ما رفضه بقوة مدير قصر الثقافة. لا نستطيع الحديث عن خلاف فكري، أو صراع إيديولوجي، فالمسرح في أشدّ حالاته تراجعاً، ليس في الإسماعيلية وحدها، ولكن في كل المحافظات المصرية.. والأمن أيضاً في أشدّ حالاته انحطاطاً وتردياً.. لا أحد يُخيف أحداً، ولا أحد يُصارع أحداً.. معركة خاوية أقرب إلي معارك الفتوّات والبلطجية، استعراض للقوة، وتسييد لقانون الغاب، وفي مشاركة وزارة العدل في عملية الاقتحام دلالة فاضحة علي حجم التردي والانهيار، وعلي وضعية القانون الذي يحكم بالقوة لا بالعدل. المعركه خاوية لأنها خارج الثقافة، وخارج الفكر، وخارج المسرح،وخارج الموقف أيضا محض سطو واستيلاء، لا يُدافع عن فكرة، ولا يبحث عن قضية، أو لا يمتلك قضية، لهذا السبب تحديداً سقط الفعل بسهولة، عجز مشهد القوة أن يخيف أحداً. سلطة فقدت صوابها، غير قادرة علي إدراك الفارق بين (الوهم) و(الخيال)، فراحت تقتحم المسرح بمظنة أنه فضاء خاو، مجرد (وهم) غير مدركة لحقيقة يدركها المسرحيون، أن (الخيال استلم السلطة).