1810 فرصة عمل ب11 محافظة - التخصصات وخطوات التقديم    عميد "هندسة بنها الأهلية": تطبيق ذكي من الطلاب لتطوير الحياة الجامعية    أسعار الفراخ والبيض بأسواق مطروح اليوم الجمعة 18 يوليو 2025    نتنياهو يأسف لقصف الجيش للكنيسة الكاثوليكية بغزة: «كل روح بريئة تُفقد مأساة»    مصر وإيران تبحثان التطورات في سوريا    الجيش الروسي يعلن إسقاط 73 طائرة مسيرة أوكرانية    فيفا يصدم الإسماعيلي بإيقاف قيد الفريق 3 فترات    الأهلي يغادر القاهرة لبدء معسكر تونس    هل يحق للزمالك قيد عبد الحميد معالي تحت السن؟.. اللائحة تجيب    «زادت 4 مئوية».. الأرصاد تحذر من ارتفاع درجات الحرارة اليوم الجمعة 18 يوليو 2025    "الطرق والكباري" تنفي انهيار كوبري مشاة بالقليوبية: مجرد تلفيات محدودة    ب5 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية لمافيا الاتجار بالدولار في المحافظات    ضبط 118379 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ابنة علي الحجار: قررت عدم دخول المجال الفني.. ووالدتي جعلتني أرى والدي ك«ملاك»    بإطلالة جريئة.. ميرنا جميل تستمتع بإجازة الصيف وسط البحر (صور وفيديو)    سما إبراهيم تعلن وفاة خالها: "كان بطلا في حرب أكتوبر"    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 18 يوليو 2025    ماذا تريد إسرائيل من قصف دمشق؟    دماء جباليا.. الاحتلال يصعّد هجماته وسقوط 14 شهيدًا منذ الفجر في غزة    تسريب لقاعدة بيانات يكشف عن معلومات عن جواسيس تابعين لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني    نمو قوي للفائض التجاري لأيرلندا خلال مايو    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فشكراً أشرف!?    عقوبات مشددة لجرائم هتك العرض وخطف الأطفال وإفساد الأخلاق.. تعرف عليها    تكليف "الكاس" بالمشاركة في كأس الخليج للشباب    أسعار الدولار أمام الجنيه اليوم الجمعة 18 يوليو 2025    أسعار الدواجن والبيض في الأسواق المحلية اليوم الجمعة    الطماطم والبصل ب7 جنيه... أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 18 يوليو    رابط تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. قائمة كاملة بالكليات والمعاهد المتاحة لطلاب دبلوم صنابع    انخفاض أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة 18-7-2025    توقعات الأبراج وحظك اليوم الجمعة 18 يوليو 2025.. مكاسب مالية ل«الثور» وتقدم مهني لهذا البرج    تأجيل حفل روبي وليجي سي في الساحل الشمالي.. وهذا الموعد الجديد    مدين يتعاون مع رامي صبري في ألبومه الجديد بأغنيتين مميزتين    موعد إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025 برقم الجلوس عبر الموقع الرسمي للوزارة    الأهلي بين جنة إيفونا ونار أزارو وتمرد وسام أبو علي.. ما القصة؟    خالي من السكان.. انهيار جزئي في عقار خلف مسجد أحمد بن طولون بالسيدة زينب    الهاني سليمان: الأهلي لا تضمنه حتى تدخل غرف الملابس.. والزمالك أحيانا يرمي "الفوطة"    الحزن ينهش جسد والد أطفال المنيا.. ونقله لمستشفى أسيوط    حدث منتصف الليل| مظهر شاهين يرد على تصريح "يمامة" المثير.. وتحذير من طقس الساعات المقبلة    أبرزها حبس رجال الأعمال.. وزير العمل يوضح كيف اعترض النواب على قانون العمل الجديد    بالتفاصيل.. نقل رزان مغربي للمستشفى بعد سقوط سقف فندق عليها    الرئاسة السورية: المجموعات الخارجة عن القانون انتهكت التزامات الوساطة الأمريكية العربية    هل تعد المرأة زانية إذا خلعت زوجها؟ د. سعد الهلالي يحسم الجدل    عم الأطفال الخمسة المتوفين بالمنيا: الطفل يكون طبيعيا 100%.. ويموت خلال ساعة من ظهور الأعراض    متحدث الصحة: لا أمرض معدية أو فيروسات وبائية في واقعة "أطفال المنيا"    شاهد بالصور.. أعمال إصلاحات هبوط أرضى بمحور الأوتوستراد    حزب الله: الظلم الكبير الذي تعرض له جورج عبد الله وإبقاؤه محتجزا رغم انتهاء محكوميته وصمة عار لفرنسا    «لا أحد معصوم من الخطأ».. نجم الإسماعيلي يعتذر بسبب قميص بيراميدز    «لمصلحة الفريق».. الهاني سليمان يرد على هجوم البعض بسبب تضيعه للوقت    «حزب الوفد مذكور في القرآن».. مظهر شاهين يهاجم يمامة: كتاب الله ليس وسيلة للدعاية    رسميا.. عدد أيام إجازة ثورة 23 يوليو 2025 بعد ترحيلها من مجلس الوزراء (تفاصيل)    بمشاركة 9 جامعات.. غدا انطلاق فاعليات ملتقى إبداع السادس لكليات التربية النوعية ببنها    رئيس جامعة المنيا في جولة مفاجئة بمستشفى القلب والصدر    100% نسبة تنفيذ.. قوافل دمياط العلاجية تقدم خدماتها ل 41 ألف مواطن في 2025    مشيرة إسماعيل: حياتى كانت انضباطًا عسكريًا.. وعاملونا كسفراء بالخارج    طبيب مصري بأمريكا لتليفزيون اليوم السابع: ترامب يحتاج جراحة لعلاج القصور الوريدي    ما حكم استخدام إنترنت العمل في أمور شخصية؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: تقديم العقل على النص الشرعي يؤدي للهلاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبر عمياء لا تخيط إلا الريح
إلي صديقي الشاعر حلمي سالم، حتي لا تبقي طريح الألم
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 03 - 2012


تِبَاعاً تَرَكَتِ الوُعُولُ أحْرَاشَها
جَفَلَتْ، كما لَوْ أَنَّ طَيْفاً أَفْضَي بِها إلي ماءٍ
لَمْ تَكُنْ سَبَحَتْ في صَفَائِهِ من قَبْلُ.
سَقَطَ عِنَبٌ كَثِيرٌ من دَالِيَةٍ، لَمْ تَسْتَوْفِ بَعْدُ، ظِلاَلَها
بَدَا أَنَّ مَكِيدَةً تَسْعَي الغَابَةُ من وَرَائِها لاجْتٍثَاث ضَبَابٍ كَانَ يَنْحَدِرُ مِنْ فَراغٍ،
كَانَتِ الوُعُولُ ظَنَّتْهُ مَطَراً سَيَرْوِي شَجَرَها، أوْ يُضْفِي علي الغابَةِ رَفَاهاً، لاَ مَثِيلَ لانْهِمَارِهِ.
لاَ شَيْءَ جَرَي بِما ظَنَّتْهُ الوُعُولُ.
الغَابَةُ خَرَجَتْ مِنْ نَوْمِها
وَمَسَحَتْ عَنْ وَجْهِهَا زَغَبَ الفُصُولِ.
الشَّجَرُ القَدِيمُ تَهَاوَي
والنَّهْرُ سَادَ فِي الأرْضِ، لاَ يَسْتَعْجِلُ الثِّمَارَ، أو عِنَبَ كُرُومٍ ضَرِيرَةٍ. آلِهَةٌ كَثِيرَةٌ وَقَعَتْ فِي شِرَاكِهِ، لمْ تَسْتَوْفِ بَعْدُ نَهَارَها، فَخَرَجَتْ مِنْ ظَلامٍ كَثِيفٍ، خَلْفَها قُبُورٌ، كانتْ في مَاضِيها، خَذلَتْ حاضِرَها.
مَنْ يَكْنِسُ هَذَا الهَوَاءَ بِما يَكْفِي مِنْ حَذَرٍ؟
الشَّارِعُ الوَحِيدُ الَّذِي كَانَ يُفْضي إلي الجَنَّةِ احْتَرَق.
هَلْ ثَمَّةَ طَرُقٌ أُخْرَي يُمْكِنُ اخْتِلاقُها
لِيَمُرَّ الهَوَاءُ خَفِيفاً
بِنَفْسِ خِفَّةِ الشِّرَاكِ الَّتِي لَفَتَتِ انْتِبَاهَ الثَّعَالِبِ ؟
لَيْسَتِ الغَابَةُ مَنْ نَزَعَتْ عَنِ الشَّجَرِ ظِلالَها
قِيلَ؛ إنَّ فَتِيلاً أَفْضَتْ بِهِ شُعَلٌ عابِرَةٌ
هُوَ ما أَتَي عَلَي وُجُورٍ كَانَتْ نِمَالٌ ضَرِيرَةٌ حَفَرَتْها لِتَمُرَّ مِنْها الشَّمْسُ، أوْ حِينَ يَكُونُ الغَيْمُ ضَافِياً، يَرْوِي تَعَبَ الأَشْجَارِ.
هَذِهِ رِيحٌ " لَيْلٍ قَدِيم ".
كَمْ يَلْزَمُنَا مِنَ الوَقْتِ لِلْخُروجِ مِنْ هَذِهِ الظُّلَمِ الَّتِي خَذَلَتْ جُوعَنَا
وأَتَتْ عَلي مَا كُنَّا افْتَرَضْنَا أَنَّهُ الضَّوْءُ الَّذِي بَدَا فِي آخِرِ النَّفَقِ ؟
لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ تَشْبَعُ، لِفَرْطِ هَشَاشَتِها، مِنْ خُبْزٍ، كَانتْ غُيُومٌ عابِرَةٌ أجَّجَتْ زَرْعَهُ، وأَفْضَتْ بالضَّوْءِ إلي نَهَارٍ، خَبَا، كَلَمْحِ بَرْقٍ.
مَا هَذَا الظّلاَمُ الَّذِي يَأْكُلُنَا ؟
ظُلُمَات وَرَاءَهَا ظُلُمَات»لاو تسو«
أَلِهَذَا الحَدِّ تَخْذَلُنَا السَّمَاءُ،
وَالأرْضُ، لَيْسَتْ في ما أَظُنُّ، سِوَي انْعِكَاسٍ لِنَارٍ نَائِمَةٍ،
أَوْ شَرَكٍ وَضَعَتْنَا فِيهِ إرَادَةُ إلَهٍ يَكْرَهُ الشِّعْرَ والنِّسَاء !
لاَ شَيْءَ أَسْوَأَ مِنْ شَجَرٍ بِلا غِنَاءٍ
وَلاَ مَعْنَي لِطُيُورٍ
صَبَغَتْ رِيشَها بِلَوْنَ السَّماءِ.
لَيْسَتِ الحَيَاةُ إِثْماً
وَالنِّسَاءُ؛ أذْكُرُ أَنَّهُنَّ كُنَّ مِلْحَ الأرْضِ، وكُنَّ وَسَائِدَها الَّتِي عَلَيْها نَامَتْ آلِهَةُ ما قَبْلَ الوُجُودِ.
أعْنِي؛
قَبْلَ أَنْ يَصِرْنَ في مَا أَتَي مِنْ أَحَافير، مَحْضَ عَوْرَاتٍ، تُوشِكُ النَّارُ أَنْ تَأْكُلَها، مَتَي أَفْضَيْنَ بْفِتَنِهِنَّ لِريحٍ عابِرَةٍ، أو لِغَيْرِ بُعُولَتِهِنَّ.
النِّسَاءُ لَسْنَ شَجَراً عَارِياً، تَعْبَثُ بِهِ رِيحُ فِكْرٍ، جَاءَ إلي الوُجُودِ نَائِماً.
النِّسَاءُ، كما أراهُنَّ، ضَوْءٌ، في شُقُوقِ وُجُودٍ، لَيْسَ يَعْبَأُ بِما حَفَّ وُجُودَنا منْ ظَلامٍ.
السَّوادُ لَوْنٌ
وَلَيْسَ حُجَّةً لِحَجْبِ شُمُوسٍ، أَضَاءَتِ الأرْضَ مُنْذُ الأَزَلِ.
الأرْضُ، قَبْلَ الخَلْقِ كَانتْ ضَوْءاً. هكذا أقُول
عُنْوَةً
حَمَلُوا مَصَابِيحَ
لِأَنَّ الظَّلاَمَ فَشَا، ليِسَ في الهَوَاءِ الَّذِي يَحُفُّنا
بَلْ
فِي نُفُوسٍ
لَمْ تَخْرُجْ، بَعْدُ، مِنْ نَفَقِ فِكْرٍ، لَمْ يُؤْمِنْ، مُنْذُ اخْتَلَفَتِ الخَلِيقَةُ
سِوَي
بِمَا خَرَجَ مِنْ قُبُورٍ قَدِيمَةٍ.
كَانَ دْيُوجِينُ الكَلَبِيُّ حِينَ يَحْمِلَ مِصْبَاحَهُ
يُلْقِي بِهِ في أراضٍ، آثَرَ أنْ يَفْضَحَ رُعُونَتَها، ويَزْرَعَ، فِي تُرَبِها ضَوْءاً
رَوَائِحُهُ تَشِي بِعِطْرٍ، شُعَلُهُ جَاءَتْ حَارِقَةً.
فِي الخُرَافَةِ أَمْرَانِ:
الأوَّلُ؛ أنَّ الآلِهَةَ هي الخَيْرُ والخِصْبُ و النُّورُ والجَمَالُ.
لَمْ تَخْجَل الآلِهَةُ مِنْ عَرَاءِ الغابَةِ، حِينَ جَاءَ يُرَاوِدُها الخَرِيفُ، أو نَزَعَتِ الرِّيحُ عَنْها قُمْصَانَها، مِثْلَمَا تَفْعَلُ الأنْثَي بالذَّكَرِ.
كَانَ بَعْضُ الآلِهَةِ، إذَا سَبَحَ رَجُلٌ في خَدَرِ امْرَأَةٍ، أَفْرَدَ جَنَاحَيْهِ علي سَرِيرِهِما، حَتَّي لا يَدْخُلَ بَيْنَهُما شَيْطَانٌ.
الثَّاني؛ لَيْسَ الإنْسَانُ فَاسِداً بالطَّبْعِ
و الأرْضُ لَيْسَتْ مَاءً نَنَامُ فيه لِغَسْلِ ما يُقَالُ أَنَّهُ وَحَلٌ عَلِقَ بِنَا، حَتَّي قَبْلَ أنْ نَصِيرَ مَحْضَ وُجُودٍ يُشْبِهُ الخُرَافَةَ.
حِينَ نَزَعْتُم نَحْوَ اليَقِينِ، فَاوَضْنَا العَقْلَ علي الشَّكِّ
لاَ
شَيْءَ يَجِيءُ كامِلاً
حَتَّي الشَّجَرُ لا يَبْقَي رَاسِخاً في يَقينِ العُشْبِ
وَ الأرْضُ
وُجِدَتْ لِتَكُونَ احْتِمالاً.
لَمْ نَرْضَ بِغَيْرِ مَا يَأْتِي مِنْ مَجْهُولِ فِكْرٍ، كان الشِّعْرُ مُنْذُ الأَزَلِ، لاَزَمَتْ أَشْطَارُهُ فَدَاحَةَ أَوْزَانِهِ، وَوَازَتْ بَيْنَ جَمْرٍ مَاتَ نائِماً، لِأَنَّهُ اخْتَارَ الصَّدَي صَدًي لِغِنَائِهِ، وَبَيْنَ عِطْرٍ نَاهَزَ الخَيَالَ، وأَبَي إلاَّ أَنْ يَكونَ النَّهْرُ هُوَ سَرِيرُ انْشِقَاقِهِ.
حَتَّي حِينَ كُنَّا نَنَامُ، فَنَحْنُ لاَ نُغْلِقُ نَوَافِذَ شُرُفَاتِنا. الشَّرَاشِفُ التي عَلَيْها وَضَعْنا تَعَبَ أَيَّامِنا القادِمَةِ، كَانتْ تَسَعُ كُلَّ أَوْهَامِنا. بَيْنَ طَيَّاتِها، كانَ النَّهارُ يَطْلَعُ مِنْ بَيْنِ شُقُوقِ ظُلَمٍ،
كانَ اللَّيْلُ رَماداً لانْهِمَارِه.
مَنْ حَبَسَ السَّمَاءَ بَيْنَ غَيْمَتَيْنِ، وَصَبَغَ البَحْرَ بِلَوْنِ الرَّمَادِ ؟
فِي الخُرَافَةِ، أيْضاً، قِرَأْتُ:
بَقِيَتِ الطُّيُورُ، وأَصْنَافُ الدَّوَابِّ، ومُخْتَلِفِ الخَلائِقِ، التي كان حَمَلَها نَبِيٌّ، في قَارَبٍ، لا يَسَعُ ظِلَّ غَيْمَةٍ، تائِهَةً بين السَّماء والأرضِ تَبْحَثُ عن كلماتٍ بها تُسَمِّي وُجُودَها
لاَ
أَرْضَ
لاَ
سَمَاءَ
كَائِنَاتٌ تَسْبَحُ في الفَراغِ
بِلا اسْمٍ
وَتَحْيَا فِي وُجُودٍ
لاَ
معني فيهِ لِشَيْءٍ
سوي لِآثَامِ الخَلِيقَةِ يُسَاوِرُنِي قَلَقٌ لَمْ أَتَدَبَّرْ مَكامِنَهُ. قَلْتُ؛ أَسُوقُ مَزَاعِمِي صَوْبَ مَجاهِلِها، قَدْ أَسْتَوِي في شَرْطِ الوُجُودِ، إذا أنا فَهِمْتُ كيفَ يُدِيرُ اللَّهُ غِيَابَهُ، دُونَ أنْ يَراهُ عَبْدٌ.
أليْسَ " لِلَّهِ المَكْرُ جَميعاً "
فَلِمَ، إذَنْ، أَنْتُم تُقْبِلُونَ علي غَيْر ما بِهِ يُدارُ الكَوْنُ، وَتَحْيَا الخَلِيقَةُ؟
لِمَ
هَذِهِ الظُّلَمُ تِبَاعاً تَتَوَالَي، كَما لَوْ أَنَّ الضَّوْءَ لمْ يَكُنْ يَكْبُر بَيْنَ أصَابْعْنا، حينَ كُنَّا نُفَكِّرُ في إعادَةِ خَلْقِ الوُجُودِ،
أَوْ
وَضْعِ السَّماءَ بَيْنَ نَهْرَيْنِ:
وَاحِدٌ يَصُبُّ في الغابَةِ، لِيَحْمِي الشَّجَرَ منْ كَسَلِ الوُعُولِ
و الآخَرُ، لَيْسَ سِوَي خُدْعَةٍ، يُمْكِنُ إعادَةُ رَسْمِهِ وِفْقَ ما يَقْتَضِيهِ الخَيَالُ.
أَلَيْسَتِ السَّمَاءُ شُرْفَةً، لَمِ تَفْتَحْ شَرَاجِبَها بَعْدُ لِهَوَاءٍ، رُبَّما، رِيحُهُ جاءَتْ مِنْ فَسَادٍ ؟
يَكْفِي أنْ تَفْتَحَ كَفَّيْكَ صَوْبَ السَّماءِ، لِتَرَي كَيْفَ يَسَعُ الغَيْمُ الغَابَةَ، والشَّجَرُ لَمْ يَزَلْ يُكابِرُ نَزَقَ السُّيُولِ.
وفي شَرائِعِ القَنْصِ، يَكْفِي أنْ تُطْلِقَ الرَّصَاصَ في الهَوَاءِ لِتَسْقُطَ الفَرائِسُ تِبَاعاً. » ثَمَّةَ مَنْ يَقُولُ الآلِهَةَ «
هَذِهِ
لَيْسَتْ جَرِيمَةً
فَلا
تَخْشَ العِقَاب.
" سَتَنْجُو إنْ كُنْتَ تَعْرِفُ الغِنَاءَ "
وَسَيَصْبُو بِكَ الشَّجَنُ، إنْ انِتَ عَرَفْتَ كَيْفَ تُضْفِي علي الظُّلْمَةِ بَعْضَ البياضٍ.
أنْ تَضْرِبَ القُمَاشَ، مَثَلاً، بِما تَبَقَّي مِنْ أَصْبَاغٍ في زَغَبِ الفُرْشَاةِ، لِيَخْرُجَ مِنْ يَدِكَ مَاءٌ، لَمْ تَشْرَبِ التُّرَبُ قَبْلَهُ ماءً، بِنَفْسِ حَلاوَةِ هَذا المَاءِ.
والسُّؤال:
ألَيْس المَاءُ ضَوْءاً يَجْرِي بَيْنَ فُرُوجِ الأصابِعِ، ما نَزَالُ لَمْ نُسْبِغْ ثِمَارَهُ علي فُتُورِنا ؟
مَنْ وَضَعَ الأرْضَ في جَيْبِ السَّمَاءِ
وَ أَحَلَّ الغَيْبَ في المَعْلُومِ !؟
أَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ مَا يَزَالُ مُعْتِماً، لِذَا كَانَ لِزَاماً أَنْ يَلِجَ اللَّيْلُ النَّهَارَ
كَمَا يَلِجُ السَّوَادُ البَيَاضَ !؟
أَقَبْضُ رِيحٍ كُلُّ هذا
أَمْ
بِدَايَةٌ قَادِمَةٌ، لَمْ نُدْرِك، بعدُ، ما سَتُفْضِي إليه!؟
أليس المُسْتَبِدُّ بالغَنِيمَةِ، أَوفَي عَلَي الطَّريدَةِ مِنَ الصَّيَّادِ !؟
هَلْ أَنْتَ مُقْتَنِعٌ بِهَذا النَّزْرِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وأَنْتَ مَنِ اسْتَبَحْتَ دَمَكَ لِقَلْبِ التُّرَبِ، وذَهَبْتَ بِريحٍ، ما حَلَّ بَعْدَها لَمْ يَكُنْ سِوَي إبَرٍ عَمْيَاءَ لا تَخِيطُ إلاَّ الفَراغ!؟
النَّهْرُ ما يَزَالُ جارِفاً
لاَ تَسْتَمْرِيءْ هُدْنَةً، لَيْسَتْ سِوَي قِشْرَةٍ تُخْفِي شَرَراً
إذا ما انْفَطَرَتْ جِمَارُهُ جاءَتْ علي الأَخْضِرِ، لا اليابِسَ وَحْدَهُ.
ثَمَّةَ مَنْ يُرَاوِغُ الرِّيحَ
أَوْ
يُمْسِكُ بِبَعْضِ زِمامِها،
وَثَمَّةَ مَنْ خَذَلَتْهُ الأَشْرِعَةُ، فَهَالَهُ ما هَبَّ مِنْ ماءٍ
لَمْ يَحْتَمِل قِيَادَتَهُ
فَشَرِبَ النَّهْرُ رِيحَهُ.
ألَمْ يَكُنِ التَّارِيخُ عِنْدَنَا أعْمَي
تَقُودُهُ عَرَبَاتٌ عَمْيَاءُ، فِي طُرُقٍ عَمَيَاءَ؟
حَتَّي العَكأكِيزُ الَّتِي عَلَيْها يَتَوَكَّأُ
كَانَتْ عَمْيَاءَ.
تاريخٌ، لم تَرْوِهِ الأُمَمُ
حِبْرُهُ، كانَ مَحْضَ ظَلامٍ، ودَمُ
بِضَرَبَاتِ مَطَارِقَ، تِبَاعاً سَقَطَتْ ثَمَاتيلُ آلِهَةٍ قَدِيمَةٍ
وَ أُخْرَي، في المَهَبِّ، ما تَزَالُ علي أُهْبَةِ أنْ يَأْكُلَها المَوْجُ،
أوْ يُلْقِي بها في فَمِ آلِهَةٍ خَرَجَتْ مِنْ لَيْلٍ قَدِيمٍ.

سُقْراطُ، أدْرَكَ، حينَ وَقَعَ في مُفْتَرَقِ التُّرَبِ، أنَّ الغَيْبَ لَيْسَ ما يَعْنِيهِ،
فالأرْضُ هِيَ خُبْزُ الإنْسان
أعِنَبُ الآلِهَةِ تُريدُ
أمْ
طَعامَ يَدٍ تَصْنَعُ خُبْزاً، مِنْ عَرَقِ أَجْسَامٍ، عَاشَتْ
علي شَظَفِ زُرُوعِها الفاتِرَةَ.
لَمْ تَعُدِ الشُّعُوبُ قَهْوَةً يَشْرَبُها الحاكِمُ علي طاوِلَةِ قِمَارٍ،
أو يُفَاوِضُ بها، علي دُيونٍ لاخْتِبَارِ جَوْدَةِ ما يَشْرَبُهُ مِنْ بُنٍّ،
أو ما يَأْكُلُهُ مِنْ فَوَاكِهَ مَوْسِمِيَةٍ.
مَهْما يَكُنِ الْتِبَاسُ المعني، في ما يجري، فالمشْهَدُ يَبْدُو حافِلاً بالمَجاز.
الاستعاراتُ القَدِيمَةُ لا تَصْلُحُ لِقِراءَةِ لُغَةٍ جَاءَتْ خالِيَةً مِنْ تَرَفِ اللِّسَان.
" الشَّعْبُ يُريد... " شَجَرَ تُفَّاحٍ، لِيَطْرُدَ الشَّيْطانَ من لِسَانِ آدَمَ. وَدَالِيَةَ عِنَبٍ، لِيَسْقِي بِشَفَافَتِها، شَغَفَ اللِّسَانِ. وَعَرَبَةً، لِيَسُوقَ بها الغَمَامَ إلي حُقُولٍ طالَما رَاوَغَها المَطَرُ.
" الشَّعْبُ يُريدُ ... " وَتَراً، لِيُضْفِي شَجَناً علي ما كانَ في الغِناءِ منْ نَشَازٍ.
من ديوان قيد الكتابة؛ " إبر عمياء لا تخيط إلا الريح يليه محض شراب "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.