أثار كتاب "أبو الهول والعنقاء" للكاتب المصري الذي ينشر بالإنجليزية داود روفائيل خشبة، الكثيرمن الجدل بعد أن أوصت اللجنة الفنية بالمركز القومي للترجمة نشره بعد حذف فصلين. في البداية وافق خشبة لأنه، طبقاً لكلامه، مسالم ولا يحب الدخول في أي نوع من المشاكل. لكنه بعد أن فكّر في الموضوع وعرضه علي صديقه المترجم خليل كلفت، قرر أنه لن يسمح بأن يُنشر الكتاب منقوصاً، لأن الأمر لا يتعلق بقضية شخصية بل بقضية حرية الفكر والمصادرة علي الإبداع. واعترف خشبة لأخبار الأدب:"كنت مخطئاً بالموافقة وتراجعت" وأضاف:"لقد اعتدت العزلة وتجنب المواجهات، لهذا وافقتُ في البداية. لكن في حالة عدم موافقة القومي للترجمة بنشر الكتاب كاملاً سأقوم بسحبه دون أن أدخل معهم في أي نزاعات". وعن أسباب رفض الفصلين، قال خشبة:"كتب الدكتور مصطفي لبيب تقريراً جيداً عن الكتاب، واقترح حذف الفصلين لأنه يري أن البيئة الثقافية ليست مهيئة لقبول مثل هذه الأفكار، وأظنه وصفها بالصادمة". وهنا يسأل خشبة:"وما فائدة الفكر إن لم يكن صادماً؟ وبالمناسبة، كل كتبي تحمل نقداً للفكر الديني، وخاصة كتاب هيباتيا. إنها مناقشات فكرية خالصة". الكتاب منشور باللغة الإنجليزية وقام المؤلف بترجمته للعربية بناءً علي إتفاق مع المركز، وتردد علي لسان خشبة في بعض الصحف أن الدار الأجنبية رفضت نشر الفصلين المشار إليهما. لكن خشبة نفي ذلك، وأوضح:"أحد الموضوعين اعتذرت عنه دورية إليكترونية معادية للدين،وجاء الاعتذار من منطلق موقفها العدائي للدين". سألت خشبة عن مضمون الفصلين المحذوفين، فقال:"الكتاب عبارة عن مقالات فلسفية كتبتها من عام 2000 إلي 2008، عنوان أحد المقالين المراد حذفهما "ما الله" وهذا قد نُشر في الدورية الإليكترونية والكتاب كذلك، وهو يطرح سؤالاً عن ماهية الله، وقلتُ فيه إن سؤال: هل الله موجود؟ سؤال بلا معني، ولنجيب علي السؤال يجب أن أعرف عن أي إله نتكلم. وفلسفيا هذا سؤال سخيف: فإذا كنا نعني به كائن منفصل عن الكون وخلق الكون من عدم، فهذه نظرة غير مقبولة فلسفياً. أما إن كان الله في قلب الكون فهذا شيء آخر". وأكمل داود:"أما المقال الثاني فعنوانه: خواطر حول نقد الدين، ويدور أيضاً في هذا الإطار تقريبًا، ويوضح أن كل الدعوات الدينية محاولة للإجابة عن الأسئلة التي تواجه الإنسان، حقيقة الكون والإنسان، من أين جاء وما مصيره. لكن بعد ذلك ينبني عليها طقوس ومعتقدات وأخلاقيات وقد تكون منافية للمنطلق الاصلي". ويبدي خشبه دهشته:" كتابي"هيباتيا والحب الآخر" الصادر عن المركز نفسه كان أكثر جرأة من هذا الكتاب". مضيفا: " مستعد تماماً لتحمل كل التبعات في سبيل فكري ولا أرهب المتعصبين والمتطرفين". ومن جانبه، شدد الدكتور فيصل يونس، مدير المركز القومي للترجمة أنه لا يتدخل إطلاقاً في عمل اللجنة الفنية، مشيراً:"اللجنة تتكون من المتخصصين الذين يوافقون أو يرفضون دون أي تدخل من جانبي". وأشار يونس إلي أن :"خشبة وافق في البداية، وسحبه لموافقته يترتب عليها إعادة النظر في الكتاب من قبل اللجنة، فإن وافقت علي نشر الكتاب كاملاً فحسناً، وإن لم توافق يمكن عرض الكتاب علي لجنة أخري من المتخصصين أو رفعه لمجلس الأمناء للبت فيه. سألت يونس: ألا تري أن هناك مصادرة للفكر بهذا الشكل؟ فأجاب بأنه لا يصادر شيئاً، وأنه ليبرالي الفكر، لكنه يخضع لرأي اللجنة. سألته: وماذا قالت اللجنة في المقالين المشار إليهما؟ أجاب:"اللجنة تري أن المقالين فيهما تجريح للشعور الديني لدي المسلمين، وأنا أدير مؤسسة تسير طبقاً لقواعد في النشر، وأضع في اعتباري رأي لجان المكتب الفني". وأضاف يونس:"اللجنة رأت أيضاً أن الفصلين لغتهما ملتبسة بحيث يبدو المقصود غامضاً، كما أن المؤلف استند علي خلفية فكرية متقدمة في عدد كبير جداً من الحقول المعرفية منها في علم الأديان والفلسفة الإسلامية وغيرها. ومن ناحية أخري قد تبدو أنها جارحة فيما يتعلق بالدين. وهذا قد يثير مشاعر القاريء". ألا يمكن كتابة مقدمة توضح ذلك للقاريء وتترك له حق الاختيار؟ أجاب يونس:" كان قراري الاتصال بالمؤلف للتحدث في هذا الإطار، هل يمكن الاستغناء عن هذين الفصلين، وخاصة أنهما منشوران في كتاب وفي مدونته، أم أنه متمسك بالفصلين فيتم التفاوض معه من جديد، فاعترف بأن هناك ما يبدو ملتبسا وقال إنه سيعيد صياغة المقدمة وكتب فيها عبارة تقول إنه حذف الفصلين بالاتفاق مع المركز. وقال في الصحافة إنه راعي حساسيات المركز ولا يريد توريط المركز في أي شيء. وعندما وصلتني رسالة سحب الموافقة حولتها للمكتب الفني. وسأتخذ قراري في ضوء تقريرها. ليس من حقي أن أفرض فكري الخاص علي المؤسسة. وبالمناسبة، أنا ليبرالي ولا أري أنه يصح أن تقوم دولة علي أساس ديني، وأنا كنت من أوائل من وقعوا علي البيان التأسيسي لكفاية". ونفي فيصل أن يكون هناك أي مغازلة أو رهبة من التيارات الإسلامي. وأضاف:" أنا ضد فكرة مصادرة كتاب لكني هنا أعبر عن فكر مؤسسة. في نفس الوقت لستُ من أنصار الكتابات التي تجرح الدين في مجتمع نسبة الأمية فيه عالية". وأضاف:"ننشر ما يفيد المجتمع، ونشر كتاب كهذا قد يسبب لي الشهرة لكنه سيثير القلاقل". ويفصل يونس بين آراءه الخاصة وآراءه كمدير للقومي للترجمة:"لو كنت صاحب دار نشر خاصة لكنت نشرتهما، أنا الآن أتحدث كمدير للمركز لا كفيصل يونس، وكما نريد ديمقراطية في الحكم نريد أيضاً ديمقراطية في المؤسسات، وأرفض فكرة الرأي الأوحد".