قل عدد السياح بشارع المعز التاريخي. يأسف الجميع لهذا الأمر ويخشون من هجر الشارع. لكن قد لا يكون ذلك أسوأ ما وصلنا إليه. فوراء أزمة السياحة يحف خطر بالأثر ذاته، فاختفاء السياح قد لايكون مصيبة إذا ما حلت الفوضي وانهار الأثر. الشارع التاريخي الذي تكلف أكثر من 80 مليون ليصبح متحفاً مفتوحاً للآثار الإسلامية، يتحول تدريجياً إلي سوق عشوائية مفتوحة تبيع كل شيء، هذا أيضا ليس كل شيء هناك ما هو أسوأ، فمساء الجمعة الماضية فوجئ الأهالي وأصحاب المحلات والزائرون بكميات هائلة من مياه المجاري تنهال عليهم لتغرق الشارع والمحلات وتدخل إلي بعض المباني الأثرية والمساجد. المهندس طارق المري استشاري مشروع الترميم- يوضح ما حدث فيقول إن كل خطوط الصرف الفرعية تصب في مجري رئيسي يقع في شارع بورسعيد، وكل هذه الشبكات جري تجديدها في أوائل التسعينيات تقريبا، فيما عدا وصلة شارع الأزهر، فبعضها لم يمسسه التغيير منذ سنة 20 ، ومشكلة المعز بشكل عام أنه حتي بعد المشروع الذي جري- منسوبه أقل من كل الشوارع المحيطة ويعتبر "أدني نقطة مساحة" في القاهرة، لذا فانه يعاني طوال تاريخة من المياه الجوفية، والأن بعد تجديد شبكات الصرف أصبح يعاني من المشاكل التي يتسبب فيها انسداد مواسير الصرف، وما حدث بالتحديد ليلة الجمعة الماضية ان ماسورة الصرف الرئيسة في شارع بورسعيد حصل بها انسداد أدي إلي حدوث "ردود" في المنطقة بالكامل أضف الي ذلك ضعف وصلة الازهر القديمة "،كل ذلك أدي إلي الانفجار الذي حدث في المعز"،والذي أديإلي غرقه بالكامل. المري يضيف أن المعز لم يعد يعاني من شبكات الصرف فقط لكن حتي وصلات المياه العادية أصبحت تؤثر علي الشارع التاريخي، هذه الوصلات تؤثر بشكل ما علي "ضغط المياه" في المنطقة فيحدث ما يسميه "تسريب ضغط" يؤثر علي حركة المياه الجوفية في المنطقة التي تعاني أصلا من هذه المشكلة. مشروع الترميم الذي انتهي مؤخراً تجاهل أيضاً عمل "بلاعات مطر"، لكن تم تدارك المشكلة بعد فترة واقيمت البلاعات فعلاً، لكنها بحسب المري لم تكن تسطيع حل مشكلة بهذا الحجم "كما أن نقطة التسريب لم تكن من الشارع أصلا المشكلة كانت من بورسعيد والازهر وهي نقاط تالية". ما حدث لن يؤثر علي الأثار الأن لكنه إن تكرر فبالتأكيد سيحدث تأثير-يضيف المري- لأنه في هذه الحالة سيقلل من "الخواص الانشائية" للمبني مما يؤدي الي حدوث شروخ وتصدعات. محسن سيد علي رئيس قطاع الأثار الإسلامية يرفض تهويل الأمر، يقول أن ما حدث شيء وارد، وأن الوزارة لم تتدخر جهدا لإنقاذ الموقف "تحركنا بمجرد أن وصلنا الخبر حوالي الساعة 10" -رغم أن المأساة بدأت فصولها من الخامسة- وتم شفط المياه من الشارع وتطهير الأماكن التي دخلتها المياه. رئيس القطاع يحمل المشكلة بالكامل لهيئة الصرف التي لا تقوم بدروها كما ينبغي "فنحن ندفع رسوم صيانة من أجل طلمبات سحب المياه، لكنهم للأسف لا يقومون بعملهم بشكل كامل". لم يختلف الأمر عند الأمين العام، فالدكتور مصطفي أمين خاطب بعد يومين من الحادث ووفقا لتوجيهات الدكتور محمد ابراهيم وزير الاثار- رئيس هيئة الصرف الصحي بالقاهرة بطلب لإتخاذ الإجراءات "العاجلة والسريعة" لتطهير ومتابعة مصارف ومواسير الصرف الصحي بمنطقة الازهروالمنطقة المحيطة بشكل يومي ودقيق وذلك تجنبا لتكرار ما حدث. محمد حسام إسماعيل أستاذ الآثار الاسلامية يقول إن مشروع الصرف الصحي الذي نفذه السادات في المنطقة قلل من المنسوب، ولكن لم يقض علي المشكلة نهائياً وهناك شبكات من قبل الحرب العالمية الثانية ولم تجدد حتي الآن. أصعب ما في هذا المشروع كان معالجة المياه الجوفية، وهو ما يظهر الآن ويعطينا مؤشراً للحكم علي المشروع بالكامل "وإن كانت بعض البشائر قد ظهرت من الآن فبعض جدران المباني المرممة-خاصة مجموعة قلاوون- ظهرت عليها آثار المياه الجوفية، لأن من قام بعمليات النظافة استخدم طرقا تؤذي الحجر ولا تعالج المشاكل الموجودة به ونتيجة لذلك تآكلت هذه الجدران بفعل الأملاح وهي مشكلة نعاني منها بعد السد العالي الذي تسبب في ارتفاع منسوب النيل طوال السنة وهذا ضر القاهرة كلها وتسبب في ارتفاع المياه الجوفية. لذا يؤكد إسماعيل علي أن عملية تطوير القاهرة التاريخية كانت عملية شكلية أكبر دلائلها كانت تشويه المنطقة بتغيير المعالم الحقيقة لآثارها، لأن معظم الآثار الموجودة في المنطقة لها علاقة ما بالحوانيت والأسواق التي كانت تحيطها منذ فترة ليست بالطويلة، والتي أرالها مشروع التطوير، رغم مالها من تاريخ طويل في هذه المنطقة، يقول د.حسام أن تاريخ هذه الأسواق بدأ عندما ضمن المماليك الاستقرار لأسواق الشرق بقضائهم علي خطر المغول والاحتلال الصليبي لبلاد الشام، ازدهرت أسواق القاهرة بأنواع التجارة وتحولت مصر إلي مركز تمر به التجارة بين الشرق والغرب عبر البحر الأحمر. علي الفيس بوك كانت هناك معركة أخري حيث انتشرت وبكثافة كبيرة صورة المياه وهي تغرق شارع المعز، وتوالت التعليقات التي تنوعت ما بين السخرية والدعاء، والاتهام بالتقصير، المعركة لم تخل من الوجوه الرسمية أيضا حيث تدخل الدكتور شاكر عبد الحميد معلقا علي الصور ومؤكداً أنه رغم عدم تبعية الشارع لوزارة الثقافة إلا أنه اتصل بوزير الآثار الذي أكد له انتهاء المشكلة وأنه "تم غسل الشارع بالماء والصابون" وتابع "نحن في كل الأحوال دون إدعاء أو مزايده أو طلب جزاء أو مديح من أحد- نهتم وبقدر ما نتسطيع بكل ما يحدث في مصر من كوارث ومصائب ومشكلات علي الرغم من كل هذه المحاولات للتشكيك في وطنيتنا وانتماءاتنا ومحبتنا لبلدنا" ولم يفته التعليق علي التعلقيات "وعلي الرغم من كل تلك التعليقات الساخرة والمسفه والمتهكمة والتي تصل أحيانا إلي حد السباب". الغريب كان تعليق حسام نصار رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية الذي اعتبر غرق الشارع فرصة للدعاء لفاروق حسني الوزير السابق "الذي عمل كل ما في وسعه للحفاظ علي آثاركم وآثار مصر ولم يجد سوي الجحود والانكار" علي حد تعبيره!! صحيح تم شفط المياه وأنتهت المشكلة مؤقتاً لكن الوضع العام في الشارع لا يسر، الشارع الآن بلا بوابات، بلا أمن وبلا زوار أيضاً، أغلب محلات "الصاغة" اخفت بضاعتها من الواجهات، والباقي يتسول المارة ربما يرغب أحدهم في بيع مصوغاته. حالة ركود تام يشهدها أحد أشهر وأهم الشوارع التاريخية في القاهرة. الأهالي وأصحاب المحلات يؤكدون أن الثورة لا تبرر الفوضي والغياب الأمني لم يعد له مبرر الآن، خاصة وأن حالة الركود سببها الرئيسي اختفاء كل عناصر الأمن من الشارع، يقولون أنهم في الفترة التي تلت أحداث الثورة مباشرة ناشدوا المسئولين في الداخلية وفي الآثار، ليتدخل أحد وينقذ الشارع التاريخي من الفوضي، التي تسببت في الاعتداء علي آثار الشارع وعلي زوار الشارع أنفسهم خاصة الأجانب، لكن لم يعرهم أحد أدني انتباه، بعضهم ألمح الي صفقة بين أصحاب بعض المحلات ومفتشي الاثار، فقبل فصل الاثار عن الثقافة لم يكن يجرؤ احد علي السماح بدخول السيارات، لكن الآن اختلف الوضع وباتوا يغضون الطرف عن المخالفات التي تحدث أمام أعينهم. ورغم ما أعلنته الآثار ونشرته عن اتفاقها مع الداخلية علي إعادة الانضباط للشارع، إلا أن ما حدث علي أرض الواقع يقول أنهم لم يتدخلوا إلا في بعض الأماكن البارزة كمجموعة قلاوون في حين ظلت المداخل والأطراف تقدم نماذج الفوضي، لتصل إلي ذروتها عند مدخل الغورية، هناك لا يوجد موضع لقدم، اختفت الآثار خلف المعروضات، وتكدس الزوار في مساحة ضئيلة تبقت من الشارع، إضافة إلي هذا كله بواقي مشروع لمعالجة المياه الجوفية يستعرض مخلفاته في مواجهة الزائرين.