الشعر الذي كتب أيام الثورة لا يختلف عن تصوراتي عن الفن في فترة الثورات. الأغلبية تظن أن الشعر هو ذلك الفعل الثوري، وأن الشعر هو الفن الذي سيحتضن التعبير الثوري، تلك الأغلبية تمهل الفنون الأخري، مثل الراوية، وقتا للتأمل حتي تتناول الثورة، حيث ينتظرون من الرواية أن تعبر بعد فترة، بينما يعبر الشعر الآن! هؤلاء لا يعرفون أن الشعر أنواع، هناك القصيدة، وهناك أيضاً النشيد. في مصر كان مصطفي صادق الرافعي يكتب الشعر إلي جانب المقالات والقصص والقصائد كان يلقب بشعر الأناشيد، رغم ان ما كان يكتبه كان لا يحمل اي قيمة جمالية، حتي أن القصيدة التونسية الشهيرة لأبي قاسم الشابي، التي تحتوي علي بيتي إذا الشعب يوما أراد الحياة لابد أن يستجيب القدر، احتوت علي مفتتح من أناشيد الرافعي، الذي كان يعتبر أهم كتّاب الأناشيد..هناك فرق بين النشيد والقصيدة، فالأخيرة تلزمها فترة تأمل وحضانة ووقت، بينما النشيد هو ذلك الفعل الثوري الذي يعتبرونه الشعر، هو شعرا لكنه شكل محافظ، يحتوي علي التقاليد المحافظة، رغم ذلك فإن ما ينجح في الثورات هو النشيد. الهتافات، مثلا، التي اذهلنا الشباب بها، والتي انطلقت يومي الخامس والعشرين والثامن والعشرين في الثورة هي أناشيد.. أناشيد مكثفة. الشاعر يكون معطلا عن الإنتاج في فترة الثورة، لا يستطيع أن يقدم قصيدته، لهذا أري أن فترة الثورات، فترة النشيد، لا تحتاج للتجريب، هي فعل فني محافظ جدا، لهذا فإن كل الذي كتب في فترة الثورة أناشيد. في الثورة تنهض كل الفنون المحافظة، الشعر العمودي يعود، لأنه بلا تجريب، لأنه تقليدي. التجريب لا يلتقي مع الثورة النشيد محكوم بالزوال، مرتبط بمجلة الحائط، ما كتب انتجه شعراء محافظون وكتاب قصيدة عمودية، كانوا أصحاب الصوت العالي، ورغم سطوة وجرأة الفعل الثوري، فإن التعبير الذي يظهر يكون محافظاً، وما كتبوه قابل للفناء.