" كهف أفلاطون" أمثولة شهيرة استعارها المثقفون في الأيام الأخيرة تعليقا علي التصريحات المتتابعة لجماعات الإسلام السياسي حول الأدب والثقافة والفن. الأمثولة تحكي عن جماعة "قبعوا في مسكن تحت الأرض علي شكل كهف، تطل فتحته علي النور، ويليها ممر يوصل إلي الكهف. هناك ظل هؤلاء الناس منذ نعومة أظفارهم، وقد قيدت أرجلهم وأعناقهم بأغلال، بحيث لا يستطيعون التحرك من أماكنهم، ولا رؤية أي شيء سوي ما يقع أمام أنظارهم (...) هؤلاء السجناء إذن لا يعرفون من الحقيقة إلا الأشياء المصنوعة". المثقفون أيضا هم أهل كهف. ومثلما أربكت الثورة "الإسلامنجية" أربكت أيضا المثقف، الذي كان يعيش في كهف السلطة، نشأ وتربي في حضانتها.. مساحات الحركة والحرية التي حصل عليها كانت بإذن منها. لم تقعمه يوما لأنها لم تجد حاجة لقمعه من أجلها. الثورة فضّت الاشتباك بين المثقفين والسلطة، أصبح المثقف عاريا، وحيدا عليه أن يواجهة قدره. لا كما كان يحدث من قبل حيث يجد نفسه أمام سلطة فاسدة لكنها تدعي علمانيتها ومدنيتها ودفاعها عن المثقف.. هذا الصراع الذي نشأ بين العمامة والطربوش، لم تتخذ فيه السلطة موقفا حياديا، وإنما انحازت إلي ما يخدم مصالحها سواء أكانت هذه المصالح لدي " العمامة" أو " الطربوش"..وهكذا أيضا اعتبر المثقف نفسه ابنا بارا للسلطة، تستدعيه وقتما تشاء ليخوض معاركها نيابة عنها وتتخلي عنه أيضا عندما تتعارض مصالحها معه. هكذا كان يسير المثقف باتجاه " الأسلاك الشائكة" ولكنه غير مسموح له أن يتجاوزها، وهو أيضا لم يقدم علي تجاوز هذه الأسلاك. " الجماعة" إذن تعرف ما تريد. بينما لا يعرف المثقف ماذا يريد؟ المثقف أصابه الهلع..اعتبر المعركة خاسرة قبل أن يخوضها، لأنه لا يريد أن يدفع ثمن أي معركة.. سيبكي ويولول..لا يقدم علي " الفعل" بل يكتفي برد الفعل. في هذا المناخ يمكن أن يصرح وزير الثقافة شاكر عبد الحميد أنه سيطلب من قطاع الفنون الاستعراضية مراعاة ما يرتديه أعضاء الفرق من ملابس حتي تكون أكثر احتشاماً، وهكذا سيعلن في حواره مع مجلة "المصور" أننا دخلنا في مرحلة سيصبح الرمز فيها ضروريا، بالتلميح وليس بالتصريح"( كأن الأدباء في حاجة إلي قرار من وزير الثقافة ليحدد لهم الشكل الذي ستكون عليه الكتابة في الزمن القادم).. ويعلن أن التمرد في الأدب لا يعني استفزاز مشاعر الآخرين ( من هم؟).. كما أن الباليه لا خطورة منه لأن النساء يقمن بتدريسه الآن.. ومعظمهم ( ولله الحمد) من المحجبات!!.. بل يكاد يرتعش عندما يسأل عن نشر رواية سيد قطب" أشواق" معلنا: لقد صدرت قبل أن آتي إلي منصبي. تصريحات من وزير مرتعش.. ليته سكت. في هذا المناخ سيهرع نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور للقاء المرشد من أجل أن يأخذ منه " البركة".. ويخرج ليطمئن الممثلين والمنتجين الخائفين علي أن اللقاء كان مبشرا ومطمئنا علي مستقبل الفن". ولكنه يستدرك : "تحدثنا عن الفن الراقي الهادف الملتزم بقضايا الوطن والفن". وهكذا سيعلن مدير الرقابة أن " الحرية ليست مطلقة" وسيفخر بأنه منع عشرة أفلام لا تناسب المجتمع"..وأن سياسة الرقابة " أن يشاهد أخوتنا في الريف والقري الأفلام بدون أن يخجلوا من أي مشهد فيها".. وكأن السينما التي كانت في عهد مبارك طرحت أسئلة حرجة، ولم تكن كما يفخر صانعوها " سينما نظيفة" ليس لدي المثقف ما يخسره، للأسف لأنه لم يكن " محرجا ومناقضا بل حتي مكدرا للصفو العام " كما يقول إدوارد سعيد. المثقف الآن في مكان أشبه بجحيم سارتر يضرب رأسه في جدار من المطاط ويقطع في وجهه، يصرخ أنه مهدد، أنه يتيم بلا أب، يمنحه وصاية باسم الشعب، ويبحث عن أب بديل للسلطة التي سقطت.. ليخدمها وتعلن حمايته بشرط أن يتوقف عند الأسلاك الشائكة. فهل يجد المثقف الأب البديل. وجوده ودوره حالياً أن يفخر بيتمه ويخوض معاركه بدلا أن يخوض معارك السلطة! المثقف الآن في مكان أشبه بجحيم سارتر يضرب رأسه في جدار من المطاط ويقطع في وجهه، يصرخ أنه مهدد، أنه يتيم بلا أب، يمنحه وصاية باسم الشعب، ويبحث عن أب بديل للسلطة التي سقطت.