البابا تواضروس مهنأ بذكرى دخول المسيح مصر: تنفرد به الكنيسة الأرثوذكسية    منظمة الصحة العالمية ل«الوطن»: الأطقم الطبية في غزة تستحق التكريم كل يوم    «عالماشي» يتذيل قائمة إيرادات شباك التذاكر ب12 ألف جنيه في 24 ساعة    وزير الكهرباء ينيب رئيس هيئة الطاقة الذرية لحضور المؤتمر العام للهيئة العربية بتونس    «التموين» تصرف الخبز المدعم بالسعر الجديد.. 20 قرشا للرغيف    بدء تلقي طلبات المشاركة بمشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 1 يونيه 2024    «الإسكان»: تنفيذ 40 ألف وحدة سكنية ب«المنيا الجديدة» خلال 10 سنوات    نائب: الحوار الوطني يجتمع لتقديم مقترحات تدعم موقف الدولة في مواجهة التحديات    هل توافق حماس على خطة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة؟    الأردن يؤكد دعمه جهود مصر وقطر للتوصل إلى صفقة تبادل في أقرب وقت ممكن    استشهاد طفل فلسطيني بدير البلح بسبب التجويع والحصار الإسرائيلي على غزة    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 عناصر بارزة في حماس خلال عمليات الأسبوع الماضي    بث مباشر مباراة ريال مدريد وبوروسيا دورتموند بنهائي دوري أبطال أوروبا    «استمتعتوا».. تصريح مثير من ميدو بشأن بكاء رونالدو بعد خسارة نهائي كأس الملك    ميدو: استمتعوا بمشهد بكاء رونالدو    محافظ القليوبية يتفقد أولى أيام امتحانات الشهادة الثانوية الازهرية بمدينه بنها    ابتعدوا عن أشعة الشمس.. «الأرصاد» تحذر من موجة حارة تضرب البلاد    «التعليم» تحدد سن المتقدم للصف الأول الابتدائي    تعذر حضور المتهم بقتل «جانيت» طفلة مدينة نصر من مستشفى العباسية لمحاكمته    خبير: شات "جي بي تي" أصبح المساعد الذكي أكثر من أي تطبيق آخر    الزناتي: احتفالية لشرح مناسك الحج وتسليم التأشيرات لبعثة الصحفيين اليوم    توقعات تنسيق الثانوية العامة 2024 بعد الإعدادية بجميع المحافظات    «الآثار وآفاق التعاون الدولي» ضمن فعاليات المؤتمر العلمي ال12 لجامعة عين شمس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024    طب القاهرة تستضيف 800 طبيب في مؤتمر أساسيات جراحات الأنف والأذن    مشروبات تساعد على علاج ضربات الشمس    إنبي يخشى مفاجآت كأس مصر أمام النجوم    متحدث "الأونروا": إسرائيل تسعى للقضاء علينا وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين    اليوم| «التموين» تبدأ صرف مقررات يونيو.. تعرف على الأسعار    اليوم.. بدء التسجيل في رياض الأطفال بالمدارس الرسمية لغات والمتميزة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 1 يونيو 2024    فتوح يكشف حقيقة دور إمام عاشور وكهربا للانتقال إلى الأهلي    مسيرة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة مجدل سلم جنوب لبنان    رئيسا هيئة الرعاية الصحية وبعثة المنظمة الدولية للهجرة يبحثان سبل التعاون    هل لمس الكعبة يمحي الذنوب وما حكم الالتصاق بها.. الإفتاء تجيب    بث مباشر من قداس عيد دخول العائلة المقدسة مصر بكنيسة العذراء بالمعادى    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم السبت 1 يونيو 2024    مفاجأة بشأن عيد الأضحى.. مركز الفلك الدولي يعلن صعوبة رؤية الهلال    شهر بأجر كامل.. تعرف على شروط حصول موظف القطاع الخاص على إجازة لأداء الحج    «إنت وزنك 9 كيلو».. حسام عبد المجيد يكشف سر لقطته الشهيرة مع رونالدو    سيول: كوريا الشمالية تشن هجوم تشويش على نظام تحديد المواقع    تقديم إسعاد يونس للجوائز ورومانسية محمد سامي ومي عمر.. أبرز لقطات حفل إنرجي للدراما    لسنا دعاة حرب ولكن    تطورات الحالة الصحية ل تيام مصطفى قمر بعد إصابته بنزلة شعبية حادة    دعاء التوتر قبل الامتحان.. عالم أزهري ينصح الطلاب بترديد قول النبي يونس    «دبحتلها دبيحة».. عبدالله بالخير يكشف حقيقة زواجه من هيفاء وهبي (فيديو)    لمواليد برج الجوزاء والميزان والدلو.. 5 حقائق عن أصحاب الأبراج الهوائية (التفاصيل)    ماهي ما سنن الطواف وآدابه؟.. الإفتاء تُجيب    «القضية» زاد الرواية الفلسطينية ومدادها| فوز خندقجي ب«البوكر العربية» صفعة على وجه السجان الإسرائيلي    مدرس بمدرسة دولية ويحمل جنسيتين.. تفاصيل مرعبة في قضية «سفاح التجمع» (فيديو)    عاجل.. طبيب الزمالك يكشف موعد سفر أحمد حمدي لألمانيا لإجراء جراحة الرباط الصليبي    "أزهر دمياط" يعلن مشاركة 23 طالبا بمسابقة "الأزهرى الصغير"    طبيب الزمالك: اقتربنا من إنهاء تأشيرة أحمد حمدي للسفر إلى ألمانيا    وزارة المالية: إنتاج 96 مليار رغيف خبز مدعم في 2025/2024    أ مين صندوق «الأطباء»: فائض تاريخي في ميزانية النقابة 2023 (تفاصيل)    أعراض ومضاعفات إصابة الرباط الصليبي الأمامي    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



امرأة وثلاثة رجال
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 01 - 2012

في الطابق السادس والعشرين من البرج بركة سباحة تغطيها قبة زجاجية. القبة مشدودة بدعامات من أهِلة معدنية مائلة تبدأ من القاعدة بزاوية خمسة وأربعين درجة ويرتفع الهلال الواحد منها في انسيابية موجة تتجمع مع غيرها في قمة يتوجها صاعق يومض ليلاً ونهارًا لتحذير الطائرات في تلك الجزيرة الصغيرة.
القبة الشفافة بدعاماتها المعدنية مع الصاعق تشبه نهدًا تمردت حلمته البارزة علي حمالة من الخيوط المشبكة تنتمي إلي موجة الملابس الداخلية التي قلبت وظيفة هذه القطع الثمينة؛ فصارت تختفي في الأعضاء بدلاً من أن تخفيها.
بركة السباحة تحت القبة تختلف عن برك السباحة في الأندية الرياضية بالقدر الذي يختلف به كيلوتًا حداثيًا عن سروال القرن الثامن عشر؛ بركة رمزية تتخذ شكل الهلال، ليس هلالاً منتظمًا لكنه مراوغ، ملتف كالأهِلة الداعمة للنهد الزجاجي. يبدو مسطح الماء أقرب إلي ثمرة العوجا إذا ما نظر إليه رجل، وبعين طفل يمكن اعتباره ثمرة أكبر؛ حبة مانجو سنارة، توأم موز من إصبعين ملتصقين، وربما هلالاً منتفخًا من وسطه كالذي يبدو في رسوم الأطفال عندما يتعمد الرسام أن يحول الهلال إنسانًا ينظر إلي طفل القصة.
تتوزع علي أطراف ووسط البركة الهلالية أربعة أعمدة ضخمة مكسوة بالفسيفساء تنتهي قبل أن تلمس قاعدة القبة. ولأنها بلا وظيفة ظاهرة، ستبدو الأعمدة الأربعة منظورًا إليها بعين طفل كما لو كانت موجودة هكذا منذ الأزل، مثل الأب والأم والأخوة الكبار والشوارع والأسِرّة والكراسي والبحر والطيور. وفي عين بالغ اكتشف متعة ما تسميه المسيحية "اللمس الآثم" فهي لم تقم هنا إلا بفضل تسامح الحجر مع المتطلعين إلي الإثم، وفي عين محارب يريد أن يصيد ولا يُصاد فالأعمدة ليست سوي التباب التي تساعد علي نصب الكمائن.
النظرة للأعمدة ذاتها ستختلف بالتأكيد؛ لو صدرت عن جسد فارق زمان المطاردة ولم يدخل إلي السن التي يفقد فيها القدرة علي الاحتشام. طبقًا لعين كهذه، لا حيرة تسببها أعمدة أربعة تبدو ظاهريًا بلا وظيفة معمارية؛ فهي موزعة بدقة متناهية للحفاظ علي ما يسميه أبناء وبنات ذلك العمر "الخصوصية".
وإجمالاً قد يكون أو لا يكون للبركة العوجاء والقبة النهد والأعمدة الأربعة أية صلة بقصة امرأة وحيدة بين ثلاثة رجال، كان من الواضح أن أحدهم قد تعلم متعة الملامسة الآثمة للتو.
للمرأة السمراء شعر أسمر طويل، فم رفيع بشفاه نحيلة لا تثير أية شبهة، أنف مدبب محتمل، ولها جسد من ذلك النوع الرشيق الممتليء بليونة ثماثيل الإغريق، يرسل بإشارات بهجته الذاتية إلي البعيد؛ فلا هو بالجسد المضطهد بتنحيف عنيف يضعه في خدمة الآخرين، ولا هو بالجسد المهمل الذي لا نفع فيه لصاحبته ولا لغيرها. يبدو من هيئتها أنها لا تعاني إلا من مشكلة واحدة؛ فهي تبدو أصغر من زوجها، وبالطبع أكبر من ابنها.
الزوج الأكثر سمرة يعاني صلعًا في دائرة صغيرة بوسط رأسه، ليس بوسعها وحدها أن تكون عقبة علي أي طريق اختار أن يسلك. مشكلته الأسوأ أنه سمين، ليس لديه انتفاخ التمثال الأكرش لبوذا، لكن تتدلي علي خاصرتيه طيتين كزنّار من لحم، بينما يقترب فخذاه من الالتصاق. يمكن القول باختصار إنه من الأجساد التي تقترب باستسلام من المرحلة التي تقع بين فقدان الرغبة وفقدان الاحتشام.
الولد، ابن العاشرة، في لون ورشاقة المرأة التي غالبًا لم تتعرض لسؤال في سوبر ماركت أو مستشفي أو حديقة من نوع: هل هذا طفلك؟
من المؤكد أنها غفلت عنه في أماكن عامة كما تغفل كل الأمهات، ومن المؤكد أن أحدًا ما كان يسحبه من يده في كل مرة ويسلمه إليها، مع توصية لطيفة بالانتباه إليه في المرة القادمة.
الولد يبدو نسخة منها، وكأنها أنجبته وحدها، أو كأنه القالب التجريبي المصغر الذي صبه المثّال قبل أن ينحت التمثال الأصلي. وسواء أدرك الولد هذا التماثل أو اكتشف للتو متعة اللمس الآثم؛ فقد كان ملتصقًا بها كتوأم أصغر. تسبح وهو فوق كتفيها مطوقًا عنقها. يبدوان مثل بطة تعلم فرخها العوم. تنزلق منه خلسة مثلما تفعل البطة لتجبر فرخها علي مواجهة الماء. وتتوقف لتستريح، لكنه لا يتركها، يستدير ويحتضنها من الأمام ويقبل رقبتها وصدرها في هجوم مرح. الرجل مستسلم لمد وجزر الماء خلف عمود من الأربعة التي قد تكون أو لا تكون لها وظيفة، يرقب ألعاب المرأة والغلام بسكينة. لا تنم ملامحه عن غيرة ولا عن رضي باستمتاعهما.
لا صوت في المكان إلا صياح مبهم للصبي مجدولاً في ضفيرة مع خصلتين من صوت الماء إحداهما ناعمة لخرير الفائض من حافة المسبح وهو يتسرب عبر الصّفايات المحيطة بالهلال والأخري صوت خرش صاخب تصنعه ضربات ساقيها القويتين. هذه الخلطة من الوشيش تصعد إلي القبة وتدوِّم تحتها لتسقط علي المسبح وقد صارت أكثر إبهامًا. بالنسبة لأذن اعتادت الإنصات إلي الطبيعة في الخريف سيبدو الصوت حفيف ورق شجر يتطاير، وبالنسبة لأذن مولعة بالسفر قد تبدو تلك الضفيرة المبهمة مثل ضفيرة أخري يمكن ملاحظتها في الكنائس التي يقال لها تاريخية، حيث ينجدل صوت الكاهن مع توجيهات بمئات اللغات يصدرها السائحون لمرافقيهم بشأن الزاوية المناسبة للصورة التذكارية.
مخدرة من قبلات صغيرها أو من صوت الوشيش الذي لا تشارك في صنعه، كانت المرأة قد كمنت خلف عمود آخر، عندما لمحت رجلاً له لون بشرتها، وفي مثل طولها، اشتبكت نظرتهما لحظة قبل أن يتوجه إلي أقرب شيزلونج، وألقي فوقه بالمنشفة التي كان يلف بها وسطه فرأت بشكل أوضح انسياب فخذيه الطويلتين كفخذيها. من خلف عمودها تنظر خطفًا لزوجها لتتأكد أنه لا ينظر تجاهها أو تجاه الرجل الآخر؛ فتستدير عنه بنظرة خاطفة أخري إلي الطاريء.
رأت كيف ينزلق الطاريء في الماء بجسد متنفج كتماثيل ميكل أنجلو، والتقت مرة أخري نظرته بنظرتها. صنع احتكاك العيون شرارة مثل شرارة الحلمة التي تنبض لتنبيه الطائرات فوق القبة. هزت الشرارة الزوج فانتفض جسمه وفتح عينيه كالسعيد بتدارك الأمر والاستيقاظ من غفوة كادت تخل باتزان عجلة القيادة في يده.
استعرض الطاريء مهارته في السباحة، متوغلاً في البركة الهلال الصغيرة باستغراق وكأنه غير مرئي أو راءٍ.
لم ينطل هذا التفاني الرياضي المدُعي علي أربعة عيون استقبلت شعاعين خرجا من جسده اللامع تحت بللور الماء الهائج واتخذا مسارهما من خلف عمودين من أعمدة البركة. الشعاع الذي وصل عيني الزوج كان يبدو متعرجًا بعض الشيء، وهذا ما جعله يتأني ليزن النوايا، بينما تأكدت عينا المرأة من مراوغة الطاريء، وقد لسعها اشتهاؤه من أول لمسة لنظرته التي احتوتها.
كما في الحروب، عرفت الطارئة من خلال تلك المناوشة النيرانية الأولي كل شيء عن الطاريء. وكان واضحًا من الارتداد المتطامن لنظرة كل منهما، أنهما أدركا في اللحظة ذاتها كم هما متماثلين في العمر، وفي بنية الجسد، حتي بات التمثال الصغير منسيًا وبعيدًا عن أصله، وصار مضطرًا للتحول من التقبيل إلي الصفق علي صدرها والعبث العدواني بحمالتي المايوه.
دار الطاريء دورة، موزعًا نظره بين تلمس طريقه حتي لا ينطح عمودًا، وبين اختطاف النظر إلي الكمينين خلف العمودين. كانت نظرة الزوج تتحول من اللامبالاة إلي التعاطف مع الصبي الذي توشك أمه أن تضيع من بين ذراعيه، بينما تخلت المرأة عن الحذر وكفت عن توزيع جهد عينيها بين الرجلين، مركزة بكل قواها نحو الطاريء، تتشابك نظرته مع نظرته المتأنية التي أحبتها علي مضض، لأنها أحست فيها فخر صياد مطمئن إلي إحكام الفخ حول الطريدة.
عادت إلي الانتباه لطفلها، وعاد الطفل إلي مرحه لكنها لم تسمح له باعتلاء كتفيها هذه المرة، وأخذت بيده ليسبح بجوارها؛ فظهرت المساحة الرحبة من ظهرها التي لم تبد للطاريء من قبل. وكلما توقفت كان الولد يتوقف ويهجم فيوسع من فتحة صدرها، يلطمها في مفرق النهدين فتضحك بينما تمد عيناها لنظرة الطاريء جسرًا.
نظر الطاريء إلي الزوج مستطلعًا قبل أن تعبر نظرته جسر نظرة قادته إلي حيث تركت أصابع الغلام علاماتها. الزوج الذي بدا في عينيه التسليم العاجز لمالك كنز يعرف أنه لن يستطيع المحافظة عليه بمجرد التغاضي عن سرقات الحارس الصغير وأن عليه التنازل عن بعض الصدقات والهدايا. انهزمت ذئبية عين للطاريء تحت حزن عين الزوج المستسلمة. سبح مخزيًا حتي اتخذ لنفسه ساترًا خلف عمود.
توقفت الطارئة عن السباحة والمرح مع طفلها وفكت حمالتي المايوه واحدة بعد الأخري متظاهرة بإحكامه،أخذت توسع لصدرها وترسل بنظرة مائلة يبدو اصطدامها بنظرة الطاريء فجائيًا، لتسارع إلي زم الرباط، بينما يتلهي الولد بجذب البُكلة الخضراء التي تلم شعرها، فتحاول إعاقته بهز رأسها، وعندما تنتهي من ربط الحمالتين تكون البُكلة قد صارت بيد الولد، وانتفش شعرها فوق مساحة أوسع من الماء، تطارده وتستخلص منه قيد شعرها بمرح وتعيد ربطه.
يخرج الزوج من الماء، يلف جسمه بمنشفة ويتوجه إلي التواليت، يتابعه الرجل الطاريء ليري إن كانت قد نبتت له عينان في قفاه، وكانت مشية الرجل المتمهلة تبدو كما لو كان يتقهقر. انتبه الطاريء إلي أن حوائط الزجاج والمعدن تعكس الصور وتحوط من أن تكون صورته معروضة أمام الزوج علي زجاج الواجهة، بينما يتابع من خلف العمود صورة الزوجة منعكسة علي زجاج القبة مثل لؤلؤة في محارة.
لابد أن بوذا الأكرش اكتفي بإفراغ نصف مثانته؛ إذ عاد بعد لحظات لم تكن كافية إلا لخروج الطاريء من خلف عموده في استعراض سباحة جديد تقاطع فيه مع المرأة وولدها وتنعمت فيها عيناه جيدًا. حطت نظرة الزوج فوق نظرتيهما المتشابكتين فلم يشعرا بها إلا بقدر ما تشعر علبة هدية بشريط الزينة الذي يربطها.
فك الرجل نظرته من فوقهما وانزلق إلي الماء. أرسل بنظرة يزن فيها ولده وأدرك أنه لم يزل صغيرًا، لأنه لا يبدو منتبهًا لتشابك نظرات أمه مع نظرات الطاريء؛ الذي أكمل دورة منصرفًا بطريقة أراد أن تبدو تلقائية إلي طرف الهلال، بينما شرعت المرأة في السباحة علي ظهرها، وبدا صدرها هائشًا علي سطح الماء متبوعًا بنظرات الرجال الثلاثة.
خرج الطاريء من الماء متمددًا علي الشيزلونج الذي اختاره لحظة دخوله وترك فوقه منشفته. أرسل من مكانه بادرة سلام إلي الزوج في نظرة تمكنت من تفادي الأعمدة والوصول إلي الرجل علي الطرف الآخر من الحوض الهلال.
لم يبد علي الزوج التصديق. وبقنوط فاعل خير، لم يلق الجزاء الحسن الذي يتوقعه، ارتد الطاريء ببصره يبحث عن المرأة، لكن النظرة تكسرت علي الأعمدة. بدأت الأعمدة تحارب مع الزوج، وفي بادرة يأس حاول الطاريء أن يتناوم لكنه كان مستعدًا لمواربة جفونه مع اهتزاز الهواء بفعل أنعم حركة لجسم يقترب. ويبدو أن شررًا آخر كان يتكسر علي الوجوه الأخري للأعمدة الاسطوانية، لأن عيني الطاريء المتناومتين استيقظتا مع حركة الموج التي أحدثها اقتراب الطارئة مع صغيرها. أظهر هذا الاقتراب تفصيلة أخري لا تبدو ظاهرة بأية عين نظرنا إليها، حيث يوجد حائط فسيفسائي تحت سطح الماء بثلاثين سنتيمترًا ويحجز سرة الهلال للأطفال الصغار. ولم ينتبه الطاريء للحاجز إلا عندما جلست عليه المرأة مع الصبي الذي عاد إلي تهويش شعرها، وألقي بالقيد إلي الماء.
أخذت توارب وجهها قليلاً وتترك الباقي علي عضلات عين واحدة تلقي ببؤبؤها باتجاه الطاريء وتراه من بين خُلل الشعر في استلقائه المحسوب لكي تري تناسق جسده المتواضع كمسيح، أخذ جلده يستجيب بارتعاشة مبتهجة كلما سقطت عليه نظرة المرأة.
جاء نادل بصينية عليها مشروبات للثلاثة، خرج بوذا من الماء مؤشرًا له علي طاولة محددة، تجعل صف الأعمدة بينهم وبين الطاريء كما لو كانت نقاط دفاع متتابعة تمنع اقتحام نظرته لجلستهم. تبعته الزوجة، بينما بقي الطفل في المسبح يواصل تقاذف كرة صغيرة. لم تشرب المرأة شيئًا، جلست لحظات، وسحبت منشفتها إلي الشيزلونج الثالث بعد الطاولة حيث واصل الزوج جلسته متصفحًا مجلة مع كأس عصير البرتقال. تسللت نظرة من بين رموش الطاريء تزن جسم المستلقية، واصطدمت بنظرتها المتسللة نحوه بينما كانت تلف جسمها بالمنشفة ببطء متعمد يتيح لعينيه تأمل فخذيها، واثقة من أنهما سيبدوان أجمل وأكثر واقعية مما كانا يبدوان تحت الماء الرجراج.
تلقت عيناه التأنيب من نظرتها الواثقة: "أخذت هذه المسافة لأتفادي الأعمدة المصدات وأراك بقوة؛ فلا تتناوم وتنظر مثل لص".
من تحت المنشفة بدا جسمها أكثر ثباتًا وصراحة مما هو عليه تحت الماء، لكن المسافة في المشاعر بين النظرات هي التي صارت رجراجة، لم يصلا إلي شعور واحد في ذات اللحظة، تشرع نظرة معانقة فتخرج يد متحفظة من نظرته الحيية تردها محبطة، يستجمع شجاعته ويعود ليتفحصها بنهم وقح فتكنس أثر عينه علي جسمها بنظرة تقترب من الازدراء، تستعرض زاوية انحناءة ركبتيه المشرعتين وتنظر إلي ما يبدو من الفخذ من خلف الساق؛ فيمد ساقيه وينشر فوقهما المنشفة. تمد يدها إلي الشيزلونج المجاور وتفك اللفة الاسطوانية لمنشفة جديدة، تحكم دثارها بالمنشفتين متكورة مثل جنين.
أغلقت عينيها، علي الرغم من أنها نامت علي جنبها الشِمال؛ بحيث تترك وجهها في مرمي نظراته، أو هكذا يمكن أن يفكر الطاريء الذي وجدها بشجاعة تامة توليه وجهها، بينما ظهرها للزوج، وربما يكون الأمر علي غير هذا النحو منظورًا إليه من جهة الزوج. ولا يمكن لطاريء أن يعرف دقائق علاقة تزيد علي العشر سنوات من مجرد اختيار الاتجاه الذي اتخذته عند استلقائها. الحكم السليم يستلزم مقابلة نظرة الطاريء المتوترة بنظرة الزوج المبتهجة وربما مخدرة تمامًا مما يعني أنها وضعت في مواجهته أجمل ما يحبه فيها؛ ردفيها الممتلئين، بينما تركت تحت عيني الطاريء وجهًا رفيعًا بأنف مدبب وعينين غير مميزتين وشفتين لا تحضان علي التقبيل.
من الواضح أنها لم يعد يعنيها في تلك اللحظة ما يفكر فيه الرجلان، منحت الصبي قبلة علي فمه المبلل بالعصير. اقتنص القبلة وعاد إلي الماء، وراحت في النوم، ولم يكن من الصعب التأكد من استغراقها من خلال انتظام وبطء التنفس.
ولا يمكن معرفة ما أحسه الطاريء في تلك اللحظة، لأنه قفل شباكي وجهه مقلدًا نومة المرأة. هل كان ممتنًا لأنها أعطته وجهها حتي لو أغلقت عينيها؟ هل كان مخذولاً من انتهاء لعبة التشابك؟ هل أحس بالغبطة لإعفائه من التوتر؟ هل كان راضيًا عن نفسه لتنازله عن المرأة بكرم لم يتوقعه الآخر؟
أيًا كان نوع المشاعر التي أغلق عليها الطاريء عينيه؛ فقد تحول تناومه إلي نوم حقيقي لذيذ، لا يعرف كم دام قبل أن يوقظه سعال المرأة المؤلم. نظر باتجاهها فوجد الرجل الآخر واقفًا بجوارها يسند جذعها بفخذه بعد أن ناولها كوب ماء. انطلقت من الزوج نظرة مستطلعة تجاه الطاريء، وارتدت مستهجنة نظرة غريب ليس له أن يبدي هذا التعاطف تجاه زوجته.
جري الزوج خطوات ليلتقط طاولة صغيرة وضعها بجوارها، تناول منها الكوب ووضعه فوق الطاولة الصغيرة في متناول يدها، ولم يمنع نفسه عن معاودة النظر باتجاه الطاريء مشمئزًا من النظرة المبتهلة التي أرسلها، نظرة يمكن لطفل أن يقرأ فيها طيب الأمنيات، لكن الزوج لم ير قلق الطاريء بل وقاحة المنازعة. عبث بشعر زوجته مشجعًا وعاد إلي طاولته ممسكًا بالمجلة، يقلب صفحاتها من دون أن يستوقفه عنوان. وكان سعال المرأة قد تحول إلي أنين خافت، ثم استغرقت في النوم مجددًا. عاد الطاريء إلي التناوم موزعًا نظراته المختلسة بين المرأة المستغرقة التي لم تزل توليه وجهها وبين الرجل المتصفح للمجلة.
البرودة اللذيذة دغدغت جسم الطاريء تحت منشفته. ولم يعرف كم مضي عليه من الوقت وهو يتنفس بانتظام قبل أن يستيقظ فيجد نفسه وحيدًا، لا نأمة إلا صوت خرير فيضان البركة الهلالية تحت القبة النهد.
فصل من رواية جديدة للكاتب بعنوان "جناح الطاريء".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.