1 يحكي أنه كان هناك جنس متوحش ، يأكل لحوم البشر ، يسمون بولاد نمنم ، عندما بدأ البشر يبدعون ، خرجت طفرة منهم لتأكل الورق. الساعة الخامسة مساء ، كان المحفل النمنمي خالياً تماما منهم ، عدا رئيسه ونائبه اللذين ما زالا في مكتب الرئيس . كان أمامهما علي المنضدة عدة صفحات قليلة ، بجانبها دورق فيه سائل أزرق اللون . خلع كل منهما أسنانه استعداداً للأكل ، فظهر أسفلها تروس تنتظم علي الفك، متدرجة في الكبر كلما تأخر ترتيبها إلي داخل الفم . قال النمنم النائب : رغم قلة المطروح ، لكنه كافياً حتي نصل إلي المنزل. رد النمم الرئيس قائلا:هذا يعني أن لديك الكثير. ضحكا ثم بدءا في التهام الأوراق . قال النمنم النائب :كان اليوم مضحكا مضنيا في آن واحد. ما المضحك وما المبكي؟ . المضحك عندما يجلس أمامي أحد هؤلاء البشر ، متصورا ً أن الزمن قد ابتسم له بلقائي ، خصوصاً عندما يكون إنتاجه علي قدر من الجودة ، مصدقا ما أقوله له من أن كتابه سوف يكون محل اهتمامي شخصياً ، أما المضني ، فالجوع الذي أعاني منه طول اليوم. أنا أيضاً أعاني من نفس المشكلة ، فلا أستطيع أن آكل طعامنا ، وحتي المخاتلة أصبحت مشكلة ، إذا ما طلبت طعامهم ذراً للرماد في العيون كي أستطيع أن أنفرد بكتاب، والمشكلة هنا ذات شقين، أولهما كيفية التخلص من طعامهم، لو أني أقفلت الباب، وأعطيت أوامري بعدم دخول. أما ثانيهما ، فعندما يأتي الطعام معلباً أو ملفوفاً ، في أوراق أنيقة وجميلة ، الي الحد الذي أجد فيه أوراق التغليف تبدو كعمل فني ، هنا ، أعاني للسيطرة علي نفسي كي لا تهجم علي الأوراق لالتهامها ، لكن لابد من الانتظار حتي ينصرف حاملها. للأسف أن الطعام أصبح الآن مشكلة ، تصور أنني لم أتلق أي عمل ذي قيمة طوال الأسبوع الماضي، فلم يدخل منزلي طعام طازج. صدقني، أنا والأولاد وزوجتي نعيش علي كتب طه حسين وسلامه موسي القديمة، رغم طعم الأوراق الصفراء غير المستساغ، لكن ليس لدينا خيار، كذلك ربما أن هناك فائدة من ذلك ، حيث تمنع نسخا ولو أنها قديمة عن قارئ جديد. أود أن الفت نظرك إلي أن آخر تقرير وصلني من المجمع العالمي للنمانم لم أهضم ما جاء فيه، فقد كان يحمل بين سطوره شبهة تأنيب ، يفهم منه عدم التزامنا بنشر النسبة الضئيلة من الأعمال الجيدة التي لم تسحقها تروسنا لتخرج إليهم. ماذا يعني هذا ، أكاد أظن أننا مخترقون ، فنحن نبذل قصاري جهدنا لسحق الجيد، وترك الهزيل لهم. ما يؤرقهم ، أن النسبة الضئيلة التي سمحنا بخروجها في العام السابق، والتي ضبطت العمل العام ، هي التي مكنتنا من أن نحتل المرتبة الأولي للدول المتراجعة ثقافياً ، لكنهم يضعون التأنيب في صيغة نكتة، فيقولون أن المشهيات التي نتناولها قد قلصت من النسبة هذا العام، وذلك ليس في مصلحة العمل ، فهذه النسبة تساعد علي التعتيم علي الهدف الرئيسي ، ومن ثم المحافظة علي باطنية العمل ، كذلك يمكن بها الدفاع عن سياسات الهيئات المتعاونة معنا. 2 علا رنين الهاتف ، فقام النمنم الرئيس إليه، ولم ينس وضع الأسنان في فمه حتي تكون مخارج الألفاظ بشرية ، لكنه بعد لحظة أزالها ، وأخذ في الحديث مع الطالب . رجع إلي نائبه مكدرا قال: رئيس هيئة التراث سقط في مكتبه ميتاً. لو استمروا طويلاً بهذا الأسلوب في العمل، فبعد وقت قصير لن يجدوا قادة أكفاء يقودون العمل، ولن يتبقي لهم سوي العوام، الذين يقومون بسحق الأعمال التي في الأسواق دون تبصر بقيمتها، هذا ثالث رئيس هيئة نفقده خلال عامين. وفاته كما قال الأطباء التابعون ، ليس لها علاقة بالعمل، لكن السبب هو انخفاض شديد في نسبة الحبر في الدم، وأنا أعرف الفقيد شخصياً، فقد كان يحب جدا أكل الأوراق البيضاء ، رغم تحذيرات الأطباء العديدة له بالتوقف عن أكلها، محذرين بأنها السم الأبيض، تصور أن إفطاره كان من ورق الشفاف الخاص بالخرائط. أود أن أسأل ، ألم يصلك شيئاً عن الخطة العليا الشاملة، هل هناك أي تغير في جداولها ، أقصد تاريخ انتهاء المشروع ككل؟ ما لم يستجد في الأمر شيء، فسنغادر البلد بنهاية 2010 ، وكما هو مخطط ، ففي هذا التاريخ، ستكون الكوادر المحلية قادرة علي القيام بالعمل تماماً، وبجودة قد تتجاوز ما نقوم به ، فهناك مواهب كثيرة أصبحت ملكية أكثر من الملك نمنم في آدائها ، ولديهم قدرة فائقة علي فرز الأعمال الجيدة وإعدامها ، وهؤلاء وبطريقتنا بحلول 2010، سوف يترأسون جميع الهيئات المشرفة علي الثقافة. الحقيقة إنني أتحرق شوقا لهذا التاريخ حين تأتي الأوامر بالمغادرة، لأن العمل هنا أصبح مملاً وشاقاً فتخيل أنك شرلوك هولمز وليس لديك ما تبحث عنه، كما أننا سنجد طعامنا متاحاً بدلا من العيش علي الكتب القديمة. أمامنا دول علي مرمي حجر سوف نجد فيها ما نفعله.