"أذكر أنني كنت أرجع يوميا من التسكع في حواري إمبابة وأجد أمي محضّرة الصينية وعليها الأكل، وفي يوم أكلت ونمت فهيئ لها أنها نسيت تضع لي منابي اللحمة، فظلت مستيقظة لا تريد أن توقظني من النوم، إلي أن صحوت العصر وسألتني هل كانت الصينية عليها منابي اللحمة، وبعدما أجبتها بالإيجاب نامت، أمي تلك ربت 12 ولد وبنت كنت أنا أكبرهم وقد مات لها 5 أطفال، لكنها كانت بمثابة أركان الحرب أو وزير الدفاع الذي يعيش النضالات بإعتباها قدر عادي، وإلي الآن وأنا في هذه السن حينما توقظني زوجتي من النوم أصحو قائلا: أيوه يامّه"..أهكذا تتعامل مع المرأة يا "عم إبراهيم" كما أخبرتنا يوما ونحن جلوس حولك في بيت الروائي عمرو كمال حمودة وبصحبتك الشاعر شعبان يوسف..أتراها بهذه القوة والتأثير؟! و"أذكر أنني جلست علي الكنبة أقرأ في رواية "الإخوة كرامازوف" لديستويفسكي التي بلغت 1200 صفحة لمدة 11 ساعة وحينما رغبت في النهوض، معرفتش، جسمي تيبس، فجاءوا وساعدوني علي النهوض، وأذكر أيضا الصدمة التي حدثت لوالدي حينما كان يشاهدني ألتهم الكتب رافضا كتب الثانوية العامة، أو أن يقطع عني نور الكهرباء فأشتري لنفسي لمبة جاز نمرة عشرة أقرأ علي نورها، كان ذلك يصدمه، لكنني كنت أقرأ لأني كنت عايز أعرف وأستمتع وأحقق شئ جوايا ليس هو الصعود الإجتماعي ولكن تحقيق الذات والرغبة في أن يكون لي قيمة"..أهذه كانت كل أحلامك في الحياة يا "عم أصلان" أن يكون لك قيمة بعيدة كل البعد عن الصعود الاجتماعي". هل يمكن أن أصارحك القول يا "عم إبراهيم": لقد تعلمت منك أن البساطة والتلقائية كفيلة بخلق قيمة كبيرة وحقيقية للانسان، وعلمتني الاهتمام بالتفاصيل..أتذكر كيف كنت تجالسنا ونحن أقل من نصف عمرك وأضعف من موهبتك؟..تستمع إلي حكاياتنا غير الناضجة بخلاف حكاياتك..وتندهش..من أين يأتي اندهاشك يا عم إبراهيم؟..أمن روحك المتخلصة من كل ما يثقل؟..حينها عندما جلست بصحبتك مع هشام ابنك وإسلام عبد الوهاب والدكتور محمد بدوي في "الجريون" فاجأني اندهاشك..حينما تندهش ترفع حاجبيك..حينها سألتك: أمازلت تندهش؟..وأخبرتني أن الاندهاش سمة الانسان السوي. لماذا طلبت مني قبل نشر لقاءك بنا في بيت الروائي عمرو كمال حمودة، أن أحذف أي شئ يمكن أن يفسر علي أنه زهو بنفسك قبل النشر في الجريدة..من أين تستمد هذا التواضع؟ ومن أين تستمد تلك الروح العذبة عذوبة ضحكة الأطفال..ألم تخش علي "برستيجك" مثلا وأنت تعتلي ظهر عربة "الطفطف" مع "عم خيري شلبي" في معرض الكتاب منذ ثلاثة أعوام؟..ولماذا تركتنا نقول لك يا "عم إبراهيم"..ألا تعلم أن هناك روائيا يشترك معك في اسمك أهانني لأني خاطبته في التليفون وقلت يا "عم"؟..ولماذا كنت لا تردنا عن الاستعانة برأيك في أي تحقيقي صحفي نجريه..ألا تعلم أن هناك من يشترط وجود رأيه وحده أو من يسأل عمن يوجد معه في التحقيق؟ ما هذا الذي كنت تقوله يوم أن نشرت موضوعا يكتب فيه الأديب عن ابنه والعكس ونشر برمضان العام قبل الماضي؟..قلت يا عم إبراهيم: أنا أعرف بأنني لم أستطع أبداً أن أكون أباً بالمفهوم التقليدي للأبوة.. علاقتي سواء بهشام أو شادي هي علاقتي بصديقين أكثر منها علاقة أب بأبنائه.. الشيء الهام بالنسبة لي أنني لم أفرض عليهما شيئاً، لقد تركتهما لاختياراتهما" وهل نأمل في أكثر من ذلك يا "عم إبراهيم"..حينها كتب هشان عنك: اكتشفت إبراهيم أصلان متأخرا، كنت أعرف أن بيننا رجلا مهما، يمتلك قدرا كبيرا من القيمة، ولكنني لم أكن أحاول الاقتراب منه، بل كان خلافنا شبه دائم، هو يري أنني لا أبذل أي مجهود لتحقيق شيء مفيد، وأنا بالطبع لم أكن أقتنع بوجهة نظره..ثم بدأت التقرب أكثر للوسط الثقافي وتعرفت فيه علي إبراهيم أصلان الذي لم أكن أعرفه، وبدأت أنتبه لصفات كانت موجودة أمامي طوال الوقت ولم أكن أشعر بها، صفات إنسانية لا يمكن توافرها في شخص عادي، وكأن أبي انتظرني لاكتشف ذلك بنفسي حتي يتقرب مني، وعندما اكتشفت ذلك أصبحنا صديقين وتجاوزنا الحائط الذي تصنعه علاقة عادية متوترة تجمع بين أب وابنه" وكيف وجدك ملك الموت وعلي أية حالة يا "عم إبراهيم"؟..حينما زرتك في المستشفي يوم رأس السنة استأذنتك في تقبيل جبهتك.. استأذنت زوجتك الطيبة..اعذرني..كنت أريد أن ألمس تلك الجبهة العالية علو السماء..كنت أريد أن تحتضنني..حينها كنت تتابع مباراة كرة قدم..وزوجتك حزينة لأنها تقضي رأس السنة في المستشفي..واعذرني مرة أخري لأنك حقا أعمق من كلماتي.