أشرف العشماوي وجه قضائي معروف، والآن بالتحديد بعد اشتراكه في التحقيق مع ما يمكن تسميته ب"مخلفات النظام السابق"، لكن للعشماوي وجه آخر، ظهرت بوادره في روايته الأولي التي صدرت مؤخراً عن الدار العربية للكتاب، العشماوي من عائلة قانونية فجده كان قاضياً وأستاذاً للمرافعات المدنية والتجارية بجامعة فؤاد ثم وزيراً للمعارف العمومية في وقت الملك فاروقوالده أستاذ قانون جنائي وعمل بالنيابة العامة ووزارة الخارجية ثم جامعة الدول العربية، أما هو فالتحق بكلية الحقوق بضغط من والده كما يقول لكنه أحب الدراسة بها. عمل العشماوي بعد تخرجه بصحيفة الأهرام بالديسك المركزي لمدة عام "كانت تجربة قيمة جدا ومن وقتها أحببت العمل الصحفي" لكن لم تمض شهور قلائل حتي عاد لمسيرة العائلة فالتحق بالنيابة العامة "استغرقني العمل فيما بين نيابة حوادث الجيزة ومنها إلي نيابة أمن الدولة العليا بمكتب النائب العام، لكني ظللت محتفظا بهوايتي الأثيرة القراءة، فأنا اقرأ كل ما تقع عليه عيناي، واقرأ يوميا نحو 150 صفحة علي الأقل بخلاف أوراق العمل". "زمن الضباع" روايته الأولي تدور في غابة افتراضية غير محدِّدة المكان أو الزمان، أبطالها جميعهم من الحيوانات. حيث يحمِّل العشماوي عمله برؤي وآراء سياسية، اختار أن يمثلها ويرسمها من خلال حيوانات في غابة مفترضة، قادة الغابة كلهم حاضرون: الأسد ملك الغابة وحاكمها، والثعلب مسئول المعلومات والتقارير بالجزيرة المركزية الذي يعمل تحت إدارته الكثير من الجراء والحمير، و كبير الضباع رئيس الحكومة والمسئول عن إنهاء المظاهرات وأحداث العنف. وفرس النهر الكسول المنافق الذي قفز إلي أعلي درجات سلم الإدارة دون مقتضي. يتكشف صراع جماعات القوي والمصالح في الغابة لتحقيق السيطرة عليها، عالم من المؤامرات والدسائس وكثير من الطامحين في الجلوس علي كرسي العرش لهم مآرب أو أغراض بالطبع لم يكن بينها الصالح العام، وبالتالي كان الانهيار الذي جري هو النتيجة الحتمية. لايريد العشماوي أن يدخل في لعبة التكهنات، وسباق التنبؤ بالثورة، لأنها لم تنتهي من وجهة نظره "البعض تعامل مع الثورة كوجهة نظر وهو تقدير خاطئ لأنها حقيقة قاطعة لا تخضع لوجهات النظر المختلفة، كما أن البعض اختزل الأمر كله في عزل مبارك وهو اعتقاد سطحي لان الفساد لم يكن فساد شخص بل فساد نظام في أغلب مؤسساته، وكنت أتمني أن نسير علي طريق صحيح منذ 12 فبراير بوضع دستور أولاً فلا توجد دولة في العالم تنتخب برلمان ومجلس شوري ثم تبدأ في وضع دستور هذا أشبه بوضع العربة أمام الحصان". "زمن الضباع" لم يكن هذا هو العنوان الأول للرواية _يقول العشماوي- وإنما كانت بعنوان "عندما غاب الأسد" باعتبار أنها تدور حول فكرة أساسية هي غياب الإيمان بالقوة بداخلنا مما أدي إلي تدهور أحوالنا في كل المجالات، ولكن نظرا لإلغاء معرض الكتاب في يناير الماضي وظهور الرواية في مايو 2011 فقد طلب مني الناشر تغيير الاسم حتي لا يظن القارئ أن المقصود هو مبارك وكان قد تنحي فوافقت واقترحت اسم آخر هو "الأسود لا تموت" إلا أن الناشر اقترح اسم "زمن الضباع" ورغم انني كنت أفضل الاسم الأول إلا انني وافقت، كنت أتلهف لنشر الرواية وكنت سعيدا بأن أري أول كتاب لي وأترقب ردود الأفعال التي أراها الآن مرضية. بدأ العشماوي كتابة الرواية عام 2000 وقتها كان في قرية الكشح بسوهاج يتولي التحقيق في قضية الفتنة الطائفية الشهيرة، وفي المساء لم يكن لديه تحقيقات فبدأ في كتابة خواطر وبعد ثلاث أيام سري بداخله إحساس بالخوف من أن يري أحد ما كتبه "وكنت قد سميت أشخاصا بعينها في مواقع رسمية بالدولة بل وحساسة فقمت بإعادة ما كتبت ولكن بصورة أخري هي ما ظهرت عليه الرواية، غابة وحيوانات تتحدث وتروي قصتها". سجل خواطره علي مدار 25 يوم أمضاها في سوهاج وبعدها توقف لعامين ثم عاد للكتابة في 2004 وحتي نهاية 2007 وكان قد انهي ثلثي الرواية تقريبا، ولم يكن يفكر في النشر، ثم حدث ما غير وجهة نظره تماما فيما يكتب "عام 2008 تعرفت عن قرب علي الكاتب أنيس منصور وجمعني به لقاء واحد يتيم أعقبته محادثة هاتفية واحدة أيضا، في اللقاء أخبرته بما اكتبه وطلبت رأيه فرحب وطلب مني أن أرسلها علي عنوان منزله بالجيزة ففعلت والمحادثة كانت بعدها بثلاثة أسابيع وكنت احسب انه نسي الموضوع وفوجئت به يقول انشر ما تكتب فهو يستحق أن يقرأ ثم شكرني وأغلق الخط دون أن ينتظر سماع باقي عبارات الشكر التي كنت أتمتم بها في جزل كالأطفال، بالطبع كاتب في حجم أنيس منصور ويقول لي ذلك أمر يسعدني جدا ومن سوء حظي انه توفي قبل أن يوفي بوعده ويكتب عن روايتي في عموده مثلما اعتاد ولكن حالته الصحية بعد الثورة لم تكن علي ما يرام أبدا". لكن لماذا فكر العشماوي في الرواية أصلا؟ سألته وأجاب: الحقيقة انني ضقت ذرعا وربما ما زلت بكل ما حولي من أوضاع مقلوبة وأكثر ما يضايقني أن أري أناسا في مناصب مرموقة ولا يفعلون شيئا لهذا البلد والأغرب أنهم يسعون سعيا حثيثا إلي مناصبهم ثم يستغلونها أسوأ استغلال كما وان الغالبية كانت سلبية قبل الثورة ولم أجد متنفسا سوي الكتابة، ووجدت أن الرواية هي الأقرب لأقول ما أريد، ولا أعرف لماذا فضلت هذا الجنس من الكتابة علي غيره. صحيح أنك لجأت إلي الرمز وفكرة الرواية ربما تكون غير مباشرة، لكن لغتها مباشرة، لغة تقريرية تكاد تصل في بعض الأحيان إلي لغة المرافعات، اعتقد أنك تأثرت بلغة عملك بشكل كبير،هل تلك المزاوجة بين عملك كمحقق وكروائي تؤثر أيضا علي نظرتك للأحداث؟ بالنسبة لعملي فهو بالطبع يؤثر في أسلوب وطريقة كتابتي سواء للرواية أو المقال أو القصة القصيرة وأفادني كثيراً في تركيب شخصيات روايتي ولكن نظرتي للواقع تختلف ليس بسبب عملي وإنما لحبي للكتابة فأنا قد أري الحدث من زاوية أخري استطيع أن أضيف إليها بعض الخيال وأغلفها بعبارات أدبية فتصبح نصا يستمتع به القراء. أنا في جميع الأحوال اعتبر نفسي هاو ومبتدئ في عالم الكتابة استمتع بما اكتبه من قصص قصيرة نشرت منها 5 قصص حتي الآن بالإضافة إلي رواية زمن الضباع وما زلت أري أن الواقع الحالي لا يتجاوز خيال المؤلف ولكن من الصعب كتابة رواية عن ثورة يناير الآن لان أي مؤلف الآن في فترة تأمل وتشبع بالأحداث من الصعب علي الأقل بالنسبة في كتابة رواية قبل عدة أعوام لان المجتمع سوف يتغير كثيرا في السنوات القادمة. ولجأت إلي الرمز لأنني بشر وأخاف خاصة إن وظيفتي حساسة نوعا ما وقد يفهم ما اكتبه أو يفسر علي نحو خاطئ والعمل في القضاء يفرض عليك قيودا كثيرة في سلوكك وأصدقائك وطريقة إبدائك لرأيك إلي آخره وبالطبع فلابد أن أكون حريصا فيما اكتبه فانا لا أتمتع بحرية كاملة بسبب قيود الوظيفة ولكنني في ذات الوقت أحب عملي جدا ولا ارغب في تغييره أبدا ولو لم اعمل قاضيا أو بالنيابة العامة بعد الآن فسوف أتفرغ للكتابة فلا توجد وظيفة أو مهنة أخري تجذبني للعمل بها. هل خفت من الرقابة أم من الأمن أم من المصادرة؟ لم أكن أخاف من مصادرة روايتي لأن النظام في مصر لم يكن سيتعامل معها بهذه الصورة بل بالعكس كان سيتركها حتي لا تحدث صدي كبير بالمصادرة ومن وجهة نظري هناك روايات كثيرة حصلت علي شهرة لا تستحقها لمجرد مصادرتها من بينها "وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر وهي رواية أقل من عادية ونالت شهرة بسبب المصادرة وهي أفضل دعاية تقوم بها الدولة للكاتب مجانا ولكن مصدر خوفي من تفسير الرواية علي أشخاص بعينها ربما لا زال بعضها في مناصبهم وهو أمر كان ولا شك سيسبب لي متاعب جمة أنا في غني عنها فانا بطبيعتي مسالم ومنطوي نوعا ما اصدقائي محدودون ومعارفي أيضا. اعتقد انك انتهيت من الرواية قبل الثورة..لو تكتبها الآن هل ستكتبها بالطريقة نفسها؟ انتهيت تماماً من الرواية بتاريخ 17 أغسطس 2010 وسلمتها للناشر ثم أجرينا البروفة النهائية في ديسمبر وظهرت للنور من المطبعة يوم 22 يناير أي قبل الثورة ب3 أيام ولو كنت اكتب الرواية الآن لكتبتها بنفس الطريقة حيوانات تروي وتتحاور وتحكي فهو أمر كان محبباً لنفسي جدا وكنت اشعر انني أتسلي وأنا اكتب، لكن الآن وبعد النشر لا يمكن أن أعيد التجربة والكتابة بالطريقة نفسها، وروايتي القادمة ستكون عادية بين بشر عاديين. ما الجديد لديك؟ ماذا تكتب؟ اختياري قاضي تحقيق بوزارة العدل حاليا جعلني أتمهل قليلا في النشر حتي لا يفسر البعض انني استغل نشر اسمي وصورتي في موضوع التحقيق لنشر قصص قصيرة لذا فضلت تأجيل نشر أي شيء لحين انتهائي من التحقيقات الجنائية التي أقوم بها حاليا. لكني اتفقت مع الدار المصرية اللبنانية علي نشر كتابي الجديد الذي كنت بدأت كتابته عام 2008 وانتهيت منه الشهر الماضي بعنوان "صفحات مجهولة" وهو عبارة عن قراءة تاريخية في أوراق قديمة ووثائق نادرة - أكثر من 200 وثيقة - عن تاريخ الآثار المصرية وقوانينها وكيف كانت تخرج من مصر منذ عهد محمد علي باشا إلي الآن وكيف تمكنا من استعادتها وكتبته بأسلوب أدبي بسيط بعيدا عن المصطلحات القانونية ولكن للأسف أجد صعوبة في شرح كتابي أو بصيغة أخري لا أجيد التحدث عن كتبي، المهم أن الكتاب سيصدر في يناير المقبل 2012 وستصدر طبعته باللغة الألمانية في مارس القادم. ومنذ أيام قليلة بدأت اكتب في رواية جديدة أو ثانية علي وجه الدقة وهي رواية طويلة تقوم فكرتها الأساسية علي العلاقة بين مصر وإفريقيا وكيف ابتعدنا عنها بعد أن كنا جزء لا يتجزأ منها ومن خلال أحداث تدور في نيروبي وانجلترا ومصر يمر بها طبيب مصري في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ولا أعرف متي انتهي منها فانا لا اكتب بانتظام أو في مواعيد محددة فالكتابة هواية افعلها عندما اشتاق إليها وأنا بطبعي لا أحب القيود علي الإطلاق.