بعد صدور روايته «الزعيم يحلق شعره» فوجئ الروائي «إدريس علي» بسحب الرواية من معرض القاهرة الدولي للكتاب، ومصادرتها من قبل رجال الأمن، بحجة أن الرواية تتعرض بالنقد لأحد الزعماء العرب. علي الرغم من أن الرواية علي حد تعبير المؤلف هي تجربة شخصية مر بها وأراد أن يرصدها في عمل إبداعي.. وإدريس من أبرز الروائيين الذين كتبوا عن النوبة عبر عدة روايات ومجموعات قصصية نذكر منها «المبعدون» ، و«واحد ضد الجميع»، و«دنقلة»، و«وقائع غرق السفينة»، و«انفجار جمجمة»، و«النوبي»، و«اللعب فوق جبال النوبة»، و«تحت خط الفقر»، و«مشاهد من قلب الجحيم».. واللافت للنظر أن الرواية المصادرة هي نفسها التي حصل «إدريس » علي منحة تفرغ كي يكتبها، وحين اتمها رفضت جهات كثيرة نشرها ومنها المجلس الأعلي للثقافة، إلي أن تحمس لها «الجميلي شحاتة» صاحب دار نشر «وعد»، وهي إحدي دور النشر الجديدة. والتي صودرت طبعتها في المعرض وتعرض ناشرها للمساءلة القانونية.. وكان لنا هذا الحوار مع إدريس علي حول الرواية وملابسات المصادرة. ما دوافع مصادرة الرواية من وجهة نظرك؟ الرواية هي تجربة شخصية مررت بها أثناء عملي في ليبيا من 1978 حتي عام 1980، ورصدت فيها الواقع الاجتماعي حيث كنت شاهدا علي ما تم مع العمالة المصرية أثناء العراك المسلح بين مصر وليبيا عام 1977.. وليس لي موقف شخصي من العقيد القذافي ولم يحرضني أحد من المعارضة الليبية علي كتابتها، ولكنني كنت ممرورا مما ولا لما حدث مع الكاتب اليساري السوداني «هاشم العطا» الذي تم ترحيله إلي جعفر النميري والذي أصدر قرارا بإعدامي ولم يكن بوسعي وقتها الرد علي مثل هذه الممارسات لكنني رصدتها بعد ذلك في أعمال «المبعدون» و«غدر الغرياني». وهذه الرواية «الزعيم يحلق شعره». في الرواية خيوط واقعية كثيرة، استطعت توظيف هذا الجانب الواقعي، رغم وجود مساحة واسعة من التخيل؟ هذه الرواية هي الجزء الثالث من سيرة ذاتية تحت عنوان «سيرة البوح» القسم الأول منها رواية «تحت خط الفقر» التي ترجمت إلي الانجليزية، وتغطي رحلتي حتي عام 1956، والجزء الثاني نشر في المجلس الأعلي للثقافة تحت عنوان «مشاهد من قلب الجحيم». وتغطي حتي عام 1973، وهذا هو الجزء الثالث من السيرة وتغطي حتي عام 1980، ومازال هناك جزء رابع لم أكتبه بعد.. وعلي فكرة أنا عشت تجربة الثورة الليبية من البداية حيث كنت أعمل علي بوابة الحدود الغربية «السلوم» وكتبت عن هذه المرحلة قصة «المبعدون»، وبعد قيام «الثورة الليبية» بأسبوع واحد، قام العقيد القذافي بترحيل العمالة المصرية من ليبيا بحجة ترتيب البيت من الداخل.. وفي مارس 1976، قام بطرد مليون مصري بشكل مهين غير إنساني لوجود خلافات بينه وبين السادات - فما ذنب الشعب في الخلافات بين الرؤساء. واستمرت ممارساته ضد العمالة المصرية حتي الآن.. وأنا لم أتجن عليه اطلاقا، فما شهدته وعشته كتبته، والسؤال المحير : إذا كان هذا الرجل القادر الجبار لم يتعرض لي أو للرواية فلماذا بادر الأمن المصري بهذه الخطوة، وفي هذا التوقيت الغريب؟ ونحن نعيش فرحة الكرة المصرية وعرس معرض الكتاب.. وأنا حزين جدا لما حدث خصوصا أنني من الذين يقفون كالسد المنيع أمام التطرف النوبي. مصادرة سياسية يبدو أن المصادرة - هنا- في حالتك هي مصادرة سياسية في الأساس، ومحاولة إبعاد النظر عن أشياء بعينها، وأظن أنك قد عانيت كثيرا من هذا من قبل؟ أنا عانيت بداية من مشروعي الإبداعي بالتهميش والاقصاء حتي الآن، فمشروعي الإبداعي قائم علي فكرة «الواحد ضد الجميع» بمعني أن الجميع من الممكن أن يجتمعوا علي خطأ، ورؤية الفنان تختلف عن الجميع، وأحوال مصر تدعو إلي هذا الصدام. يبدو أن الصوت الروائي لديك ينحو منحي الصدام أيا كانت النتائج، في حين أننا نجد الخطابات الروائية الآن تذهب مذاهب أخري وكيف تري هذا الجانب؟ أنا مشروعي الابداعي لم يتغير من البداية حتي الآن، فأنا علي المستوي الإنسان وديع ولا أحب الاشتباك مع أحد، أما مشروعي الابداعي بخلاف ذلك لأن بداخلي فورة وتمردا ورفضا لما يجري حولي من فساد وتجاوزات أمنية وقوانين مكبلة للحريات، بعكس ما يزعمونه من حرية تعبير، فأين حرية التعبير إذا وضعوا شروطا للإبداع تنحاز للثوابت من الدين والسياسة؟ فعن أي شئ نكتب إذن ؟ ولهذا فقد تحول الجيل الجديد من الكتاب إلي كتابة الجسد والتلاعب باللغة، فلا قيمة لما يكتبون علي الإطلاق لأن الكاتب هو ضمير الأمة، فالكاتب إن لم يعبر عن أزماته ، فما قيمة ما يكتب إذن؟ قلها ومت هل معني أن الرواية تمت مصادرتها- وقد تم التعتيم عليها مثلما حدث مع أعمال أخري لكتاب آخرين؟ أولا الرواية لم تصادر بحكم قضائي حتي الآن، ويستطع الناشر أن يقوم بطبعها، وفي عصر النت والفضائيات لا جدوي من مصادرة أي عمل إبداعي، فستصل إلي القارئ بشكل أو بآخر. والذي أتصوره أن المسألة ستتحول إلي مجلس الدولة، وأظن أنها ستنتهي بغرامة مالية. البعض يري أنها قضية تدخل في باب «الإساءة إلي زعيم عربي» ومدة العقوبة من سنة إلي سنتين سجنا. وهذا لا يزعجني استنادا إلي المقولة المعروفة «إذا خفت لا تكتب» فإذا كتبت لا تخف أو «قلها ومت». وأنا بتكويني النفسي لا أخشي من الموت.. وأنا سعيد جدا بموقف الكتاب والروائيين المصريين من هذه القضية وعلي رأسهم محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب، بعكس ما حدث معي عند صدور رواية «دنقلة» ، والغريب في الأمر أن النوبيين لم يتعاطفوا معي علي الإطلاق ، عدا الكاتب يحيي مختار. هل مصادرة الرواية - تجعلك في حالة من إعادة الحسابات مرة أخري؟ بالعكس : هذا الذي تم سيجعلني اتفجر وأخرج عن الالتزام القديم بالثوابت والخط الوطني، وسأقول كل ما كنت أخشي قوله من قبل، وانتظروا مني مفاجآت قريبة.