كان الشعب كله يغني: ياست مصر صباح الخير/ يسعد صباحك يا عنيه/ فين العداله يا مون شير/ وبس فين الحريه لم تكن القاهرة هادئة في هذا اليوم. كان الجو عاصفا، وبدأ الموظفون في العودة إلي أعمالهم بعد إجازة عيد الأضحي، وبدأت الموانيء في استقبال الحجيج. نحن في يوم 11 ديسمبر 1911. مصر في استراحة بين " ثورتين". الثورة العرابية التي رحل قائدها أحمد عرابي في سبتمبر أي قبل أن يصل نجيب محفوظ إلي الدنيا بشهرين، وكان سعد زغلول مفجر ثورة 19 قد بلغ 53 عاما، كان يقضي الأيام الأخيرة له " ناظرا للمعارف" ( وزيرا للتعليم) قبل أن يصبح في العام ذاته " ناظرا للحقانية"( وزيرا للعدل) .. زغلول كلف في العام نفسه قبل أن يترك نظارة المعارف الممثل جورج ابيض ليقوم بتعريب التعليم. في العام ذاته ينشر طلعت حرب كتابه "علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين"، مقدما فيه رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية عن كيفية إحداث ثورة ثقافية. ويسافر محمود مختار إلي باريس ليستكمل دراسته الفنية بعد أن تخرج في العام ذاته من مدرسة الفنون الجميلة في اول دفعاتها بعد التأسيس. كانت مصر مشغولة بالتحرر. الشعب كله يغني أغنية محمد يونس القاضي التي ذاع صيتها: « ياست مصر صباح الخير/ يسعد صباحك يا عنيه/ فين العداله يا مون شير/ وبس فين الحريه/ أما الزمن ده له أحكام/ أحكام لكن عرفيه/ واللي يشوف ثغره بسام/ يحسب أموره مرضيه/ وبس مين يرضي يا رجال/ حره وتصبح مأسوره/ وبعد الدهب تلبس أغلال/ وتعيش أسيره ومقهوره/ خدام في بلدي/... وده حال/ يبكي أهل المعموره/ ياست مصر صباح الخير / يسعد صباحك ياعنيه». العام نفسه كان عاما حرجا في العلاقة بين المسلمين والأقباط، فترة امتدت بسبب اغتيال بطرس غالي، ما دفع عدد من الأقباط إلي عُقد أولُ مؤتمر للأقباط في أسيوط، وأصدر بياناً سياسياً يطالب بزيادة التمثيل القبطي في المجالس المنتخبة والمساواة في إسناد الوظائف الإدارية وتخصيص الموارد المالية، وردَّ مسلمون بعقد مؤتمر إسلامي في الإسكندرية لرفض هذه المطالب، وبسبب هذين المؤتمرين شعر المصريون بمدي خطورة طائفية محتملة، لأن ما جري فيهما كشف عن تداعيات تناوُل ملف الأقباط من زاوية الأقليات، ولكن سعد زغلول بحنكته الساسية استطاع أن ينهي ما أسماه الدكتور "مصطفي الفقي" - في كتابه "الأقباط في السياسة المصرية" - الفترة الحرجة في العلاقات بين المسلمين والأقباط، والتي تحولت مع الثورة إلي نموذج رائع للتوحد خلف "وفد سعد زغلول" المطالب باستقلال مصر من الاستعمار. كانت هذه أجواء العام كله.. ولكن ماذا عن يوم 11- ديسمبر 1911 .. ما الذي جري. كان الموضوع الرئيسي للصحافة المصرية في ذلك اليوم عن الحرب الإيطالية _ العثمانية أو كما يطلق عليها الحرب الليبية. والتي جرت ما بين 29 سبتمبر 1911 وحتي 18 أكتوبر 1912 لاحتلال طرابلس وبرقة وفزان وهي الأقاليم التي باتت تعرف اليوم باسم ليبيا. تعد الحرب الإيطالية _ العثمانية مسرحاً كبيراً شهدت خلاله العمليات العسكرية توظيفاً للتقدم التكنولوجي، وخاصة العمليات الجوية. في 23 أكتوبر 1911 حلق الطيار الإيطالي (كابتن كارلو ماريا بياتزا) فوق الخطوط الجوية التركية في مهمة استكشاف، وفي 1 نوفمبر قامت القوات الإيطالية بإسقاط قنبلة عبر قصف جوي علي القوات التركية في ليبيا، مما أدي إلي مصرع عدد كبير من الأتراك، حيث اعتبرت تلك العملية أول استخدام للطائرات في قصف أهداف حربية أرضية. أطلق علي تلك العمليات فيما بعد "حرب طرابلس الغرب" . رفضت القوات الإيطالية مبدأ الأرض مقابل السلام الذي عرض من قبل القوات العثمانية، فصمم العثمانيون علي إكمال الحرب والدفاع عن الأقاليم التركية حتي النهاية. وفي 10 أكتوبر نزل 20 ألفاً من الجنود الإيطاليين إلي البر وتم الاستيلاء بسهولة علي كل من طبرق ودرنة والخمس، بينما لم ينجح الإيطاليون بالاستيلاء علي بنغازي. وبرغم رفض غالبية الليبيين للغزو الإيطالي لبلادهم، فقد تنازل السلطان العثماني عن ليبيا إلي إيطاليا بتوقيع معاهدة أوشي عام 1912.جريدة مصر نشرت في عددها 11 ديسمبر انتقادا لما قام به اللورد كتشنر بتأجيل ارسال بعثة الهلال الأحمر إلي ليبيا بدعوي " أنها قد لا تصل إلي ساحة الحرب حتي يكون الصلح قد أبرم بين إيطاليا والدولة العليا). وتناولت إفتتاحية الجريدة مصير الأموال التي تم جمعها لإغاثة الليبيين والتي قد تبلغ ( 86- 90 الف جنيه) ويقترح صاحب المقال أنه في حال اتمام الصلح يجب أن يوجه المبلغ إلي ما يفيد المصريين وخاصة أن "البلد تحتاج إلي مستشفيات ومشروعات اقتصادية عمومية وغيرها مما لا يحتاج إلي بيان". كما نشرت الأهرام في اليوم ذاته مقالتها الافتتاحية بعنوان: " لماذا لا نصالح" يتسأل كاتبه " المتمصر": " إيطاليا باداتنا بالعداء وحاولنا أن نسوي الأمر بيننا وبينها فلم ترد. فرضينا بالحرب ومازلنا نريد حربا لدفع عدوانها عنا فما شأن الدول حتي تتدخل وترغمنا علي صلح ليس فيه انصاف لنا". كما يتضمن العدد بابا كاملا بعنوان " في ميدان القتال" يتناول فيه تفاصيل القتال علي الجبهة. ويكتب " اكبر شعراء مصر" قصيدة بعنوان حرب طرابلس..ولكن لا توضح الجريدة من هو كاتب القصيدة. أما جريدة " المقطم" فلا تشير من قريب او بعيد عن أحوال الحرب علي عكس جريدة " المؤيد" لصاحبها الشيخ علي يوسف الذي يترك الصفحة الأولي من الجريدة لحضرة ( عزتلو الفاضل محمد بك أبو شادي المحامي الشهير) الذي ينتقد الدولة العثمانية انتقادا حادا :" مضي علي تاسيس الدولة العلوية 600 عام نالت فيها من المجد ما لم تنله دولة أخري ..ولكن الدول كالأفراد تكبر وتشيخ وتولد فتكتسب الشبيبة، إذ انتابها مرض ووجدت من القابضين علي أزمتها والمحركين لدفتها أطباء يعملون ، ويعالجون بهمة وإخلاص لتشخيص المرض". والمدهش أن جريدة المصري نشرت في اليوم ذاته نقدا حادا لما يكتبه أبو شادي بك في المؤيد. وفي الجانب الآخر تنشر مجلة الهلال في عدد شهر ديسمبر موضوعا عن " الجدال بين فرنسا وألمانيا بسبب مراكش..معلنة أن الحرب علي الابواب بين الطرفين". بينما يحتل موضوع " الثورة الصينية" جانبا كبيرا من أخبار الجرائد .. فقد ورد لجريدة الأهرام تلغراف من موقع الأحداث: " عن اتفاق بين الثوار والامبراطور علي عقد مؤتمر بينهم للصلح". في ذلك اليوم سرت شائعات حول حدوث تغيير في " هيئة الوزارة المصرية" واهتمت جريدة المصري بنفي الشائعة التي نشرتها جريدة " الجورنال دي كير ساج" بعزم سعد باشا زغلول، وسعادة سابا باشا عزما علي ترك منصبيهما وسيخلف أولهما شقيقة فتحي باشا زغلول ، وسيخلف الثاني حشمت باشا ناظر المعارف ، واعتبرت " المصري" أن هذه إشاعة باطلة بالمرة وسابقة لأوانها وكل ما ينتظر حصوله الآن هو استقالة سعادة سابا باشا وتعيين آخر بدلا منه إن لم تستدع الظروف خلاف ذلك. لم تكتب الجرائد في هذا اليوم أيه أخبار عن الخديو فقط في الصفحات الأخيرة تحت عنوان " حوادث محلية" تكتب الأهرام :" قضي سمو الخديوي المعظم أمس واليوم في قصر القبة وسيزور مساء صاحبة الدولة حرم جده المغفور له اسماعيل في قصر الزعفران وربما سافر الليلة أو غدا الي المنتزة". بينما نشرت المقطم خبرا عن نية الخديوي مغادرة سراي القبة في الرابعة و50 دقيقة غدا مستقلا قطاره الخاص إلي سراي المنتزة فيبلغها في أربعة ساعات وسيقضي فيها يومين أو ثلاثة متنقلا بين مزارعه في مريوط. كما تنشر الأهرام خبرا عن اجتماع مجلس شوري القوانين لمناقشة مشروع الأمر العالي المختص بتحصيل ضريبة النخيل ، وعن استقبال وفد من جمعية تنشيط زراعة القطن الإنجليزية لدراسة زراعة القطن في السودان. وتنشر جريدة " مصر" أخبار متفرقة إذ بلغ عدد الحجاج المصريين هذا العام 528 حاجا. وتقرر تعيين ضابط إنجليزي برتبة بكباشي مراقبا للذخائر والأسلحة التي يستوردها الأهالي، وجملة راتبه 700 جنيه سنويا. وكما حكمت محكمة جنايات الإسكندرية علي إسماعيل أفندي صبري كاتب خفر مركز ابو حمص بالسجن سنة مع التشغيل بتهمة اختلاس 54 جنيها من اموال الحكومة. أما جريدة المقطم فتقدم عددا من الاحصائيات في اليوم ذاته إذ بلغ عدد طلبة المدارس العليا الأميرية في السنة المكتبية الجارية 1014 ، والمدارس الخصوصية 730 طالبا، والمدارس الثانوية 2405 ، والمدارس الإبتدائية 8034، ويبلغ عدد الطالبات 510 فيكون المجموع العمومي 12693. كما تنشر الجريدة إحصائية لطيفة عن عدد الطائرات التي صنعت في عام 1911 وقد بلغ 1350 طائرة مقابل 800 طائرة في العام الماضي، وبلغ عدد من استخدموها في الطيران 12000 بعد أن كان 4800 في العام الماضي. في تلك الأيام، لم تكن السينما قد انتشرت بعد في القاهرة، حتي أن مجلة " الهلال" نشرت في عدد شهر ديسمبر موضوعا عن " معامل السينماتوغراف" في بابها: أخبار العلم": كل منا يلاحظ التقدم السريع الذي تقدمه السينماتوغراف وقد شاع حتي ملأ الأرض فأقتضي ذلك طبعا كثرة المعامل التي تصنعه وقد اقتسمت العمل بينها، فبعضها لأخذ الصور، والبعض الآخر لتحضيرها، ومعامل لتصنيع السيور الحساسة التي تؤخذ الصور عليها". العالم كان ينفق في تلك الأيام مليوني جنيه لتصنيع هذه السيور أو آلالات العرض السينمائي، الذي سيصبح محفوظ فيما بعد واحد من أهم صناعه. وكانت مصر قد اهتمت به اهتماما خاصا حتي أن جرائد ذلك اليوم ومجلاته، تحدثت عن جورج أفندي أبيض الذي عاد قبل شهور بعد أن أنعم عليه " الجناب الخديوي" وأرسله علي نفقته الخاصة إلي باريس لتلقي الفن ، وعاد قبل شهور ب "جوق" ( فرقة) فرنسية مثلت بضع ليالي في الأوبرا علي سبيل التجربة. بعد أن عادت الفرقة الفرنسية بدأ أبيض في تكوين فرقة عربية تقوم بتمثيل روايات منقولة إلي العربية كان من بينها في شهر نوفمبر وديسمبر روايات " أديب ملكا" لسوفكليس بتعريب فرح أفندي انطون، ورواية " لويس الحادي عشر لكازيمير دي لافين من تعريب " الكاتب المشهور أفندي فياض"..القضية الأساسية التي شغلت الأدباء في شهر ديسمبر بعد متابعة عروض أبيض :" نري الحاجة إلي تأليف الروايات العربية نقلا عن التاريخ العربي أو تمثيل العادات المصرية وانتقادها. إننا في أشد الحاجة إلي ذلك، فنلفت نظر هذا الجوق إلي التمثيل المفيد فإنه يعود إلي تهذيب الأخلاق وتوسيع معارف الجمهور بتاريخ بلادهم". وهو ما أشارت إليه مجلة " الهلال" في عددها لشهر ديسمبر، ولكن يبدو أن " جوق الأبيض" لم يجد نصوصا عربية صالحة في اليوم ولد فيه محفوظ إذ كان يعرض رواية " (كارمان) في الأوبرا الخديوية وربما استجابة لهذا الجدل أصدر محمد افندي لبيب أمين الكتبخانة المصرية سلسلة روايات بعنوان " سلسلة الروايات العصرية" بهدف ترقية فن التمثيل في مصر، وصدرت في ديسمبر 1911 الرواية الأولي فيها بعنوان " رواية الميت الحي" مزينة بالرسوم، وأشاد بها االنقاد :" نثني علي حضرته لأننا في أشد الحاجة إلي ترقية هذا الفن". وفي مقابل هذه الرواية صدر في يوم مولد محفوظ رواية " لوسيوس الحمار" وهي قصة أدبية فكاهية خيالية من آثار لوسين الفيلسوف اليوناني وقد نقلها من الفرنسية صالح أفندي حمدي حماد لما فيها من "المغزي الأدبي والفكاهة". أما الرواية التي كانت صدورها حديث الجميع، كانت " البيست سيلر" في تلك الأيام، بعنوان "ميت يتكلم"..صدرت منذ ستة اعوام(1905) ونفدت نسخها في أيام قليلة " غير أن الموانع حالت دون إعادة طبعها"..لتصدر طبعتها الثانية في شهر ديسمبر وحسب الإعلان المنشور عنها في مجلة الهلال هي :" من الروايات القليلة التي تمتعت بالانتشار واحرزت رضي الجمهور". أما مغزي الرواية حسبما ذكرت الهلال: " أن الحكام يخطئون وتنفذ أحكامهم ظلما إذا أخذوا بظواهر الأمور وأغفلوا بواطنها الخفية، فكم من برئ أودع غيابه السجن لاشتباه القضاة في أمره واجتمع الدلائل والبينات الظاهرة علي الصاق الجريمة به ثم تكتشف ظلامته فاهتدي القضاة إلي ضلالهم وخرج من سجنه طاهر مبرءا من كل عيب وصدق فيه قول الشاعر: (غيري جني وأنا المعذب فيكم فكأني سبابة المتندم) المدهش أن الجرائد لم تذكر مؤلفا للرواية، كما لم تذكر مترجما لها إن كانت معربة من لغة أخري. ولكن لا يمكن بالتأكيد الارتكان إلي أن هذا هو حال الأدب في ذلك اليوم، فقد نشرت الهلال قصيدة " عتاب واستصراخ" لخليل أفندي المطران الذي كتبها ( في سبيل حرب الطليان)، كما نشر أحمد شوقي في الشهر نفسه قصيدته: (تحية إلي الهلال الأحمر) والتي تبدأ يا قَومَ عُثمانَ وَالدُنيا مُداوَلَةٌ تَعاوَنوا بَينَكُم يا قَومَ عُثمانَ وقد نشرت القصيدة فيما بعد في الشوقيات بعنوان ( يا قوم عثمان) بدون أيه إيه إشارة إلي ( الهلال الأحمر) .أما جريدة المصري فقد نشرت في اليوم ذاته(11 ديسمبر) خبر عن صدور لائحة التياترات في مدن القاهرة وبورسعيد، والإسماعيلية والسويس وطنطا والمنصورة والزقازيق.. وأشارت الائحة أن يتكون قومسيون المدن الأربع الأولي من حكمدار البوليس رئيسا، ومفتش صحة المحافظة والمهندس الكهربائي والمهندس المعماري بنظارة الداخلية ومأمور القسم الواقع التياترو ضمن دائرته أعضاء. أما في بقية المدن فيضاف وكيل المديرية. في اليوم ذاته تنشر الأهرام في باب » التمثيل والمراسح «(هكذا كتبت ) إعلانا عن تمثيل وتلحين الشيخ سلامة حجازي لأول مرة لرواية "شهداء الغرام" في دار التمثيل العربي، وهي رواية ( روميو وجوليت) وحسب إعلان المقطم ( هي من الروايات التاريخية الغرامية ، كما سيلقي الشيخ حجازي لاول مرة رواية " الشمس والخالق" تمثيلا وتلحينا أيضا. أما تياترو عبد العزيز فيقدم رواية "عواطف البنين" أما في بقية السينماغرافيات ( شبرا، المنظر الجميل، باتيه، بالاس ) فيقدم مناظر طبيعية وروايات وفصول جديدة جميلة جدا. الحياة الاجتماعية هل كانت وقتها مصر " قطعة من أوروبا" والتعبير للدكتور رضوي عاشور.. هل كانت علي أعتاب الحداثة أو في قلبها؟ شكل الحياة كما يرد في الجرائد يعطي هذا الاحساس. أغلب إعلانات هذه المرحلة في كل الجرائد تقريبا تبدو وكانها صراع بين شركات " الخمور العالمية" وبعضها البعض، وبين آليات الحداثة المكتشفة في ذلك الوقت ، وإعلانات اخري حول مشروبات القوة الجنسية ، وزينة المرأة. تنشر الاهرام إعلانا عن " كونياك مارتيل" وفي الصفحة نفسها إعلانا عن ملك المشروبات " كونياك مكوف" الموصي عليه من مصلحة الصحة في نيويورك. وفي الصفحة ذاتها إعلانا عن شركة " الجرامافون ليميتد" التي بلغت اسطواناتها درجة من النجاح والاتقان عظيمة جدا، ومن دون ريب في ذلك". وفي الصفحة المقابلة إعلانا عن شركة الآلات الزراعية المصرية بالسبتية التي أعلنت عن استيرادها لوابورات " وارد فابريكة سيجر بأمريكا" والتي تستخدم لري الأراضي الزراعية ، ومن خلالها يمكن للفلا ح المصري :" مضارعة زميله الأمريكي في تقدمه وثروته". فضلا عن إعلان عن " محلول كبر" المصنوع من زيت كبد السمك المسمي (كود) ويضاف إليه خلاصة الشعير المنقوع ..وهو مجرب كمقوي للصحة العامة. أما الإعلان الذي احتل أكبر مساحة في صفحة ثالثة عن ويسكي " برفكسيون" هذا الويسكي العظيم الذي ، طعمه أشبة بالكونياك المعتق الثمين وسر اصطناعه لا يشتريه المال الكثير فهو مشروب الملك دور السابع". أما ويسكي ميتروبول _ حسب إعلان الأهرام- (فيه شفاء) فهو يوافق مناخ القطر المصري وذوق المصريين . العجيب أن جريدة المقطم نشرت في اليوم نفسه إعلانا تحت عنوان " جواب استغفار" يشكو فيه أصحاب مشروب "ويسكي برفكسيون " من وجود ماركة مقلدة تباع في القاهرة للمشروب لأن " التقليد حرام ولا يجوز من الله". وتنشر المقطم إعلانا عن " ونكارنس" نبيذ البورت الثمين المعتق ، باعتباره اختراعاً مفيداً للإنسانية للدكتور ليبغ الشهير.. ويطلب من صيدليات الخواجة إنريكو دلمار ..ومن جميع الصيدليات. أما نبيذ فيال فهو أفضل مجدد للقوي ويفيد الضعفاء والنحفاء والنشاء والشيوخ ويباع في جميع الصيدليات المهمة في البلد. جريدة المقطم تنشر في اليوم ذاته اعلانا عن " ثلج هيزلين" الذي يحفظ الوجة ويزيده نعومة وضياء ..ويساعد علي نعومة جلد الأيدي وعلي مرونتها ..وأهم استعمالاته بعد الحلاقة فإنه يرطب الهيجان الذي يساعد عليه (استخدام الصابون واستعمال الموس). اما بالنسبة للسيدات فهناك) مياة الكولونيا نمرة 4711 ، فهو واقي من الدوار البحري والصداع وآلام الرأس). كما أن هناك حبوب الدكتور روس التي تحفظ للنساء صحتهن ونشاطهن بسبب قلة الرياضة البدنية. الإعلانات في كثير من الجرايد »خاصة بالصحة« تحديداعن زيارات أطباء قادمين من فرنسا لفترة زمنية محدودة لعلاج المصريين . سنجد إعلانا عن زيارة الدكتور جوزيف كحيل القادم من مستشفيات باريس لعلاج امراض الزهري بعلاج ( 606) الذي يشفي المرضي حتي سن 65 ، أما البشري (لقاطعي العشم واليائسين ) فيحملها الدكتور إبراهيم بك حسن من أطباء الحكومة المصرية الذي ينصح المصريين المضابين بالبول السكري باستخدام (برشام رومانو). وتنشر المقطم ايضا " بشري للضعفاء" باكتشاف "النوفولين" وهو دواء مقوي للصلب ومجدد للدم ومفعوله عجيب في تقوية المعدة ودورة الدم. أما دواء البيرول فيزيل النمش والجرب وحب الصبا. وتنشر المقطم إعلان عن وصول الطبيبة الفرنسية الشهيرة مدام جز ريدز من باريس لتركيب عيون إصطناعية_ حسب المقاس ( تعني النظارات) كما تنشر المقطم إعلانا عن " شربة البرنسيسة" آخر "اختراعات العلم وخاتمة المسهلات" حيث تشفي المعدة والامعاء وتطرد الديدان. " الإكسير المقوي" ايضا يحتل مساحة إعلانية كبيرة في ثلاث من الجرائد الكبري إذ يحتوي علي مجموعة مقويات ومنبهات وهو من ثمرات الاشتغال الخصوصي بمطالب سكان الأقاليم الحارة. وتنشر المؤيد إعلانات ثقافية وطبية عن " أكبر مكتبات الشرق" واحدث إصداراتها وهي مكتبة ( دار الكتب العربية الكبري بمصر) لصاحبها مصطفي البابي الحلبي ، وتعلن مدام بيلي الحكيمة والمولدة نقل عيادتها إلي شارع كامل أمام لوكندة شيت ..ويمكن الاتصال بها علي تليفون رقم (20 ) وهي تعالج جميع أمراض السيدات كعدم الانجاب والتهابات الرحم وعدم انتظام الحيض. وتنشر المؤيد إعلانا عن كريم كاظم للسيدات الذي يحافظ للسيدات علي جمالهمن ويمنع التقشف من ايديهن. في هذه الأجواء ، أطلقت والده نجيب محفوظ صرخة الولاة، ولكن الداية عجرت عن التعامل مع الحالة المتعسرة، نقلها الاب إلي اشهر طبيب وقتها في القطر المصري نجيب محفوظ طبيب الولادة الشهير. ولد محفوظ في لحظة يبحث فيها المجتمع عن حريته وحداثته وأسئلته الكبري... مجتمع يخرج من ثورة بحثا عن ثورة أخري من أجل حرية أفراده.