كانت مشهورة في أوساط الكلية بالدلوعة. تترك جسدها المكتنز قليلا يتحرك بحرية في الجيب والبلوزة بالقماش الأملس.تذكر الجميع بنجمة الإغراء مديحة كامل: شفتاها شهوانية وعيونها واسعة وابتسامتها علي وجه خمري بملامح طيبة تميل إلي السذاجة. حضورها يصنع بهجة ما ےربما لان جسدها رمز بارز للحرية وسط خلفية لأجساد فتيات بلا تفاصيل في الفساتين الواسعة وغطاء الراس المتشابه إلي حد كبير. كان عدد الطالبات في الدفعة قليلاً. تتكومن في جزء منفصل من القاعة المتسعة. ومن بعيد كان من الممكن تمييز اللون الأسود الداكن لحرير شعر "الدلوعة "..بين الألوان الشاحبة لأغطية الرأس من القماش الرخيص. كنا نعبر سنوات المراهقة. وفي مدينة مثل المنصورة يأتي أغلبية الطلاب من القري المجاورة.ولكي تعبر البنت من قريتها إلي المدينة كان رمز الأمان هوالفستان الواسع. وغطاء الرأس الذي عرف مع صعود الجماعات الإسلامية باسم:الحجاب. ظلت "الدلوعة"رمزا للحنين إلي صورة الجامعة التي طالما حلمنا بها: المكان الواسع للحرية حيث نلتقي بالفتيات بعد مراحل طويلة من العزل الانفرادي في مدارس "البنين "فقط. كنا ننتظر لحظات اللقاء الاولي بتوترها وشحناتها المراهقة تسيطر علينا صور لفاتن حمامة في "الباب المفتوح "وسعاد حسني في "خللي بالك من زوزو". سعاد حسني هي الاقرب:صورة طازجة ورثناها للطالبة الجامعية والبنت المتفتحة.. علاقاتها شريفة في الضوء..دافئة وتتطلع إلي المستقبل جريئة.. مقتحمة.. فعالة..قادرة علي إثارة الرجال.. والنساء عقليا وعاطفيا، وإنسانيا في نفس الوقت..صورة تجمع بين الطفولة البريئة والأنوثة الطاغية..بين الإقدام المغامر والإحجام المحسوب. دخلنا من بوابة الجامعة نحلم بسعاد حسني. لكننا قابلنا شبيهة مديحة كامل.. الهاربة من "حريم"الجامعة. كنا نراها خارجة مع القافلة من حجرة "البنات "..فنشعر بالانتصار..ونتأكد اننا في الجامعة.التي كان يحكمها في ذلك الوقت (منتصف الثمانينيات): الجيل الثاني للجماعة الاسلامية. وقبل ان تمر السنة الدراسية الثالثة..هزمتنا "الدلوعة ". فوجئنا بها تتعثر في الفستان الطويل.. والسعادة تقفز من وجهها بعد ان تغيرت ملامحها قليلا مع حجاب اختارته مختلفا.يظهر بعضا من خصلات الشعر ويسمح للرقبة الفاتنة أن تذكر بزمنها القديم. الدلوعة أقبلت علينا ولم تلتفت لصدمتنا:"باركوللي..انا ربنا هداني"!! ولم نعرف ماهي الهداية التي تقصدها.خاصة انها لم تغير من وقفتها معنا.ولا حتي لون الروج المثير الذي تفضله. الشيء الوحيد الذي تغير هوملازمتها لقافلة الحريم اكثر.والذي تبعته بعد سنوات تغييرات أقوي..جسدها ترهل. هي اصبحت عصبية تجري وراء أطفالها في الشقة المخنوقة التي اشتراها زوجها بالتقسيط. وتقلصت أحلامها إلي الحدود الدنيا لامرأة في القرن التاسع عشر.باختصار أصبحت نسخة طبق الأصل من امها التي لم تتعلم ولم تحلم بفاتن حمامة ولا بسعاد حسني. لكنها كانت تمتلك خفة دم ملحوظة. "الدلوعة "ورثت الروح الخفيفة. كانت هي واجهتها التي تقابلنا بها في بيتها الاكثر اتساعا من بيت عائلتها ( اوسع قليلا من علبة السردين). واجهة تخفي تعاسة نهاية مشوار.