كثيرون يحاولون الآن التبرأ من د. جابر عصفور، ويصبون جام غصبهم عليه، ويبنون هذا الموقف علي أمرين، الأول قبوله منصب وزير الثقافة في حكومة د. أحمد شفيق، والثاني حصوله علي جائزة القذافي. بالتأكيد انتقاد أي شخص، خاصة ممن هم في العمل العام، أمر مطلوب ومهم، لكنني أتعجب من أناس انقلبوا عليه، رغم أنهم هم الذين أعطوا له المشروعية في الموقفين، أو علي أقل تقدير هم الغطاء الذي تدثر به عند حصوله علي جائزة القذافي، التي أثارت جدلا واسعا بعد رفض غويتسلو لها، أعتراضا علي عدم احترام القذافي لحقوق الإنسان. أيا كانت مبررات د. جابر في الموقفين، يجب عدم نزعهما من السياق العام، فعندما تولي منصب الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة، استطاع ببراعة فائقة أن يجمع المثقفين، خاصة أنه يعلم تماما مفتاح كل واحد منهم، والدليل أننا لو أجرينا إحصاء للمثقفين الذين شكلوا لجان المجلس، أو الذين شاركوا بانتظام في أنشطته، سنجد أننا أمام الغالبية العظمي من المثقفين من كل الاتجاهات، وربما لا نستثني سوي أشخاص قليلين حافظوا علي موقفهم الرافض للتعامل مع المؤسسة. هذا النجاح في حشد المثقفين صوب المجلس، هو الذي جعل جابر عصفور يحلم طوال الوقت بمنصب وزير الثقافة، ولما لا، وهو اللاعب الرئيسي في السنوات ال15 في علاقة الدولة بالمثقفين ، لذا عندما جاءت فرصته الماضية، انحاز جابر لحلمه القديم، ولم ينتبه للمفارقة أن النظام الذي أتي به أنصرف- شعبيا- منذ 25 يناير، وهي الحقيقة التي أدركها بعد ذلك قبل سقوط الحكومة التي أصبح عضوا فيها. هذا الموقف يتحمل قراءتين، الأولي إما أن نعتبره مناورة من شخص علي قدر كبير من الذكاء، مما جعله يكتشف أن الأيام القليلة القادمة ستسقط الحكومة بأكملها، بل النظام، أو نعتبره تصحيحا لقرار غير صائب لإنسان في لحظة تخيل فيها أنه قادر علي تحقيق حلم قديم. أما فيما يتعلق بقبوله جائزة القذافي، يجب أن نعترف أن الذي أعطي له شرعية الجائزة، ليس القبول في حد ذاته فقط، بل المثقفون الذين سافروا معه بدعوة من مؤسسة القذافي، فهؤلاء انحازوا لجابر وللجائزة ولمانحها وبالتالي هؤلاء هم الذين أعطوا الاطمئنان له، والأدهي من ذلك أن الفائز بالجائزة حصل علي قيمتها علنا، أما الذين سافروا معه، ففي حدود معلوماتي- وأظن أنها صحيحة- فتقاضوا ثلاثة آلاف دولار وجهاز لاب توب، أضف إلي ذلك أن الحكومة المصرية ذاتها، ممثلة في وزارة الثقافة أعطته غطاء شرعيا آخر، عندما قررت أن تقيم أسبوعا ثقافيا مصريا في ليبيا، تزامنا مع منح الجائزة. الغريب أن ممن ينتقدون جابر عصفور بعد ثورة 25 يناير، سافروا معه، بل أن بعضهم كان سلاحه ومشروعيته سواء في ادارته للمجلس الأعلي، أو قبوله وزارة الثقافة، أو جائزة القذافي، والسؤال إذن لماذا نريد محاسبته فقط؟.