بعد الثورة عاشت المكتبات كابوساً مرعباً.. اهتزت الصورة المشرقة للثقافة:الحركة المحدودة لسوق الكتاب، وحالة القراءة المستحدثة في مصر، وإمكانية وجود قراء خارج دائرة منتجي الأدب، كل ذلك اهتز واتضح أن المشهد الثقافي لم يكن بالرسوخ الذي يبدو عليه. كانت حالة القراءة محل اختبار حقيقي خلال الفترة الماضية..هذه الحالة الثقافية خلقت، أيضا، احتمال أن يكون مشروع المكتبة مشروعاً ناجحاً. حالة البيست سيللر، والقراء الجدد، كل ذلك صنع حالة من التحول في المدينة. صار افتتاح مكتبة حدثاً، وهو ما سمح بفتح مكتبات بعدة مناطق، اتسعت دائرة تغطية مكتبات »ديوان«، اخترقت »الكتب خان« المعادي، ونشطت حركة الكتاب في الإسكندرية، بداية ب»أكمل مصر« ، مروراً بديوان، فرع مكتبة الإسكندرية، حتي »الكابينة« آخر فتوحات الثقافة في مدينة البحر. لكن تلك الحالة أصبحت مهددة مع الثورة، لاحظ أصحاب المكتبات تراجع القراءة، بالطبع هذا ليس هجوما علي الثورة، وإنما رصد لحالة توالدت مع تصاعد الاحتجاجات.. تراجعت حالة القراءة تماماً في شهري يناير وفبراير في جميع فروع مكتبات »ديوان«، لكن الحركة عادت، ببطء، في شهر مارس، ثم عادت لمعدلها الطبيعي. مزاج الثورة تشير كرم يوسف إلي تزايد السؤال علي الكتاب السياسي. تلفت صاحبة الكتب خان النظر لزيادة مبيعات كتب عن شخصيات سياسية مثل مالكوم إكس، وجيفارا. كذلك موضوعات الصراع العربي الإسرائيلي، تزامن ذلك مع أحداث السفارة، وتصاعد الأحداث للكلام عن تعديل اتفاقية كامب ديفيد. مصطلحات مثل »الدولة المدنية« »العلمانية« شغلت القراء، كان السؤال عنها كثيرا في الشهور الأولي، حتي أن الندوات ذات الطبيعة السياسية كانت هي الجاذبة للجمهور، في حين أن ندوات احتفالية نجيب محفوظ، التي تنظمها المكتبة طوال العام الحالي، كان حضورها لا يتجاوز الخمسة أفراد، عدد الحضور كان من 5 إلي 10 علي أكثر تقدير. بالفعل صدرت عدة عناوين لتلبية رغبة القارئ، حيث لاقت هذه الكتب التعريفية رواجاً ملحوظاً وقت صدورها، ثم توقف هذا الاهتمام. لكن كرم تشير لوجود إقبال علي كتب الثورة الخفيفة مثل »شاب كشك يبحث عن جادون« لعمرو سلامة، وكتابي عمر طاهر وبلال فضل. رغم ذلك لم تلق »كتب الثورة الخفيفة« رواجاً في الإسكندرية، في مكتبة »أكمل مصر« تستقر هذه الكتب علي الأرفف ولا تمسها يد. لم يقرأ الناس في الإسكندرية كتب الثورة لأنهم عاشوها، تقول أميرة السباعي منسقة النشاط الثقافي بالمكتبة. من جانبها ترجع كرم يوسف تراجع المبيعات لوجود حالة عامة في مصر الآن لتقليل النفقات، ومنها شراء الكتاب، لكن الوضع في الإسكندرية مختلف حيث تشير معدلات الزيارات بأكمل مصر لوجود حالة جديدة من القراءة، أفرزت الثورة القارئ النوعي، الذي يقرأ في عدة مجالات السياسة، الأدب، التاريخ، وكذلك تراجع عن اهتمامه بالكتب الخفيفة مثل الطبخ، المكياج، والأدب الساخر. بينما لا تقرأ الناس إلا السياسة في دار ومكتبة مدبولي. المكتبة التي تعد مؤشراً لحالة الكتاب في الشارع لا يياع بها حالياً إلا الكتاب السياسي، خاصة العناوين التي تتناول دور جماعة الاخوان المسلمين حيث يتزايد الاهتمام والشغف بالجماعة التي كانت محظورة. يظهر ذلك بالإقبال علي عناوين مثل »حسن البنا الذي لا يعرفه أحد« لحلمي النمنم، »جماعة في أزمة.. حوار مع قادة متمردون« لصلاح الدين حسين. كما تبرز عناوين تعبر عن حالة الخوف من السلفيين بكتاب »الحالة السلفية المعاصرة في مصر« لأحمد زغلول. وكذلك يكشف الشغف بكل ما هو سياسي الإقبال علي »مستقبل مصر بعد الثورة« لشريف الشوباشي، وأخيراً »أمة كانت في خطر« لمحمد البنا. العودة للاستعارة من ناحية أخري لم تؤثر الثورة، والحالة السياسية المتصاعدة في مصر، علي القارئ السكندري بالسلب.. في الأشهر الأولي تراجع الإقبال علي الندوات والفاعليات، لكن ظل معدل القراءة في حالة شبه مستقرة، بل وربما يكون قد تحسن قليلاً.. يظهر ذلك في نموذج سكندري آخر هو »الكابينة« ، التي يشرف عليها الشاعر عبد الرحيم يوسف. »الكابينة« لا تبيع الكتب الآن، لكنها تعرض مجموعة من الكتب للاستعارة، لهذا فإن معدلات الاستعارة تبرز وجود حالة من الاهتمام بالكتب النظرية، خاصة في فرعي الأنثروبيولوجي، والتاريخ، حيث تزايدات استعارة »كل رجال الباشا« لخالد فهمي، ترجمة شريف يونس، و»قصة » الجنس عبر التاريخ« لري تانهيل، ترجمة إيهاب عبد الحميد.. الجدير بالذكر أن الكتب المتاحة مهداة من مكتبة »أحمد عبد الجبار». وادي ديوان المكتبات كلها في واد، وديوان في واد آخر.. فرغم الشلل الذي أصيبت به أغلب المكتبات في الفترة الماضية، إلا أن المكتبة ذات الفروع المتعددة عاودت حركة البيع النشطة مع مارس الماضي، واستقرت أوضاع الكتاب حتي عادت ظاهرة البيست سيللر مرة أخري بها. المكتبة وضعت مبيعات الشهر الماضي وفقاً لقائمة البيست سيللر القديمة مع تغيرات طفيفة حيث دخل القائمة أكثر من كتاب عن الثورة، مع استمرار القراءة الخفيفة ! الجديد كان تصدر مبيعات المكتبات ألبوم الكاريكاتير »حق وواجب المصري« وهو كتاب يضم أعمال 30 رساماً للكاريكاتير مستوحاة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تحرير نجلاء عزت. (علي نفقة المؤلف)، بينما تلاه كتاب عمرو سلامة (الصادر عن دار دون)، ثم كتاب بلال فضل الجديد »أليس الصبح بقريب؟« ( الصادر عن بلومزبري قطر)، ثم »الكتاب التاني« لأحمد العسيلي، فرواية »لطنطورية« لرضوي عاشور، كما ظهر بالقائمة كتاب «اللاهوت العربي وأصول العنف الديني«، للدكتور يوسف زيدان (الصادر عن دار الشروق)، ثم كتابا »حوار مع صديقي الملحد« و»رحلتي من الشك للإيمان« للدكتور مصطفي محمود (الصادر عن قطاع الثقافة بأخبار اليوم)، ولا تزال رواية »ربع جرام« لعصام يوسف، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بالقائمة، وتحتل الترتيب التاسع، بينما تقع في المرتبة رقم 10 رواية »يوم غائم في البر الغربي« لمحمد المنسي قنديل (الصادرة عن الشروق). أحمد وائل