من هو الكاتب ال «بيست سيللر».. أو الأكثر مبيعاً بين أقرانه؟ سؤال صار شائعاً هذه الأيام.. حيث صار من الطبيعى انتظار نفاد نسخ الطبعة الأولى، بعد صدور العمل.. فقد صار الكاتب الأكثر مبيعاً أو «البيست سيللر» موضوعاً دائم الطرح هذه الأيام، بل ومعياراً للقراءة وللنجاح والتقييم وأشياء أخرى. من لا يحقق المبيعات ليس بيست سيللر، من لا تتلاحق طبعاته ليس كذلك أيضاً.. السؤال الذى نريد أن نطرحه هنا ما أهمية البيست سيللر؟ هل يفيد البيست سيللر سوق النشر، ومناخ الكتابة كذلك. وفى الوقت نفسه نحن لا نؤيد البيست سيللر ولا نعارضه، بل نحاول تأمل بعض جوانب هذه الظاهرة على الأدب بعيداً عن كتب أخرى تمثل قمة قوائم البيست سيللر، لنرى مردود تلك الظاهرة على الكتابة الإبداعية.. وقد تناولنا هذه الظاهرة من خلال كُتاب أغلبهم يختلف مع مفهوم البيست سيللر، ولكنهم لا يرفضونه تمام الرفض!! سوزان تميم يرى مصطفى ذكرى أن كلمة ال«بيست سيللر» ضخمة جدًا وغير موضوعية لتعبر عن حال النشر المصرى الآن، لأن ما يحدث من كمية مبيعات، وتعداد للنسخ لا يتفق مع حال البيست سيللر فى الخارج! «تنفيذها عندنا بدائى، النماذج التى حققت البيست سيللر قليلة، لا توجد أعمال حققت هذا، إلا (عمارة يعقوبيان) مثلًا لعلاء الأسوانى»، يوضح ذكرى أن الحكاية فى مصر «لا تتجاوز كسر الألف نسخة». ويعتبر أن حالة الاهتمام بالبيست سيللر لها علاقة بأسباب أخرى غير الأدب، مثل التفكير فى النجاح الفورى لنشاط ما، وليس بوصف الكتابة مشروعًا أدبيًا، فهو يرى أن هذا النجاح يرجع لأسباب سياسية أو اجتماعية.. «لكن هذه الأعمال ستنسى فيما بعد». العمل البيست سيللر من وجهة نظر ذكرى يكتسح فى البداية، لأنه يحتوى على مقومات أو توليفة تجمع شخصيات ترمز للواقع، بفساده السياسى والاجتماعى، لكنه يتساءل «ماذا يتبقى من هذه الأعمال؟»، وإجابة هذا التساؤل ليست فى صالح البيست سيللر، حيث يضرب ذكرى مثالاً بموضوع كتابة رواية عن حادث اغتيال سوزان تميم، فهذه القضية تحتوى على عناصر الإثارة الأساسية، ويقول: «مقتل سوزان تميم مثلا سيكون موضوعًا مناسبًا جدا لرواية (بيست سيللر)، والدليل على كونها لا تنتمى للأدب، أنه إذا لم تكتب الآن، لن تحقق النجاح المتوقع لها «إذا تأخر عن كتابتها ستكون الناس قد نست هذا الحادث المثير بخلفياته السياسية والاجتماعية»! ولكن البيست سيللر، ليس دومًا أمرًا مستهجنًا، حيث يقول صاحب «على أطراف الأصابع (يوميات)»: لا يوجد كاتب لا يتمنى أن يكون «بيست سيللر»، لكنها ليست إلا أمنية خيالية بالنسبة للكاتب الجاد النخبوى الذى يستهدف قراء نخبويين. ويوضح «فى عمقه يتمنى تحصله.. لكنه لا يسعى لها». يفكر ذكرى بأن يكون كاتبًا جماهيريًا، ولكنه يوقن إن ذلك لن يحدث له، ولا يهتم بذلك. ويضيف: «لنكون صرحاء بعض الشىء.. الكاتب الجاد يأتيه النجاح على مزاجه، ولا يطلبه أو ينتظره من القراء عن طريق توليفات وبهارات تجذبهم.. سلمان رشدى مثلا يقدم هذه «البهارات» ويفكر فى النجاح الجماهيرى! لطارق إمام روايتان تحققان مبيعات، وهذا يسعده، حيث يرى أن البيست سيللر شكل من أشكال التواصل، وأن تحقق الكتابة نجاحاً أمر يراه إمام جيداً، لكن المشكلة من وجهة نظره تتمثل فى الخلط، فتصنيفات البيست سيللر فى مصر «تضع الحابل على النابل».. ويقول «لا يمكننا أن نضع الكتابة الخفيفة مع الكتابة الجادة فى قائمة واحدة، الجرائد مثلا توزع أكثر من الروايات فهل ستكون الجرائد ضمن قائمة البيست سيللر»!! ما يحدث الآن حسبما يرى «فوضى خلاقة، لكنها ستفرز وضعاً أفضل للكتاب». يعتبر إمام البيست سيللر تحدياً للكاتب، ويوضح: «بالنسبة لى هو تحدٍ للكاتب الجاد، الذى يفترض أن يفكر فى القارئ قليلا، بمعنى أن يسعى لأن يكون نصه قابلًا للقراءة، إما إذا كانت الفكرة تسيطر على الكاتب فأقول للكاتب الذى يريد أن يكون بيست سيللر: أكتب كتب جيب، وليس الروايات!». لكن البيست سيللر قدم لنا أعمالًا جيدة، ذات ثقل وتتسم بالجدية مثل «أبناء الجبلاوى» لإبراهيم فرغلى و»وراء الفردوس» لمنصورة عز الدين. نسأله هل ترى إن هناك خلطة ما تسهم فى تحول كتاب ما إلى بيست سيللر؟ فيقول «إن هناك توليفة يعرفها الجميع، لكن هناك تغيرًا فى تقبل الجمهور لهذه التوليفة، الناس تفضل الأعمال التى تتركز على سؤال الدين، الذى تنامى- حسبما يرى إمام- فى الكتابة على خلفية الاحتقانات الطائفية، وستجد فى رواية (عزازيل) نموذجاً لذلك.. وكذلك (وداعا أيتها السماء)، والتى طرحت أسئلة دينية ساذجة، ومع ذلك تم الترويج لها». نسأله هل فقد الموضوع السياسى بريقه وجاذبيته بالنسبة للجمهور؟ فيجيب: «بالعكس، لا تستغرب أن كلمة مصر قاسم مشترك بين أغلب عناوين الكتب الساخرة.. ويمكننا اعتبار أن سبب رواج الكتب الساخرة يرجع إلى أمرين: التحول السياسى وسؤال التوريث»، من ناحية أخرى يشير طارق إلى وجود ارتباط بين المقالات السياسية لعلاء الأسوانى ورواياته.. ويوضح :»ناس كثيرون يرون ذلك يكمل هذا». يرى إمام أن ما يحدث فى مصر الآن أقرب لحال الأغانى التى خضعت طوال سنوات لمراقبة لجنة استماع فى الإذاعة، ثم صارت تعرض دون رقابة على القنوات الفضائية. (ما تبسطهاش أكتر من كده) اللافت أن الوضع الحالى الذى تحظى فيه الكتب باهتمام واسع كان بمثابة حلم فى السابق.. لكن الحلم عندما تحقق تجسد على هيئة «كابوس مفزع» وهذا ما يشير إليه الكاتب الساخر مؤمن المحمدى، الذى يتساءل: ما هو السيناريو المشترك بين كل «الثورات» العربية؟ دعنى أذكرك، الشعب يحلم ب«الثورة» للخلاص من الظلم والاحتلال والملكية والقصر والفقر و إلخ إلخ. ثم تقوم فئة «ما» بعمل الثورة، وتطرح شعارات العدل والحرية والمساوة وإلخ إلخ. وبعد سنوات وأحيانا شهور تعود الصورة إلى ما كانت عليه وأسوأ. يرى مؤمن أن ما يحدث فى عالم النشر فى السنوات الأخيرة الآن يتشابه مع ما حدث فى «الثورات» العربية. ويوضح : «كنا نحلم، جيلى والأجيال السابقة عليه، باتساع رقعة الكتاب، من حيث عدد قرائه، وكتابه والمهتمين به وناشريه». فى التسعينيات كان نصيب الأدب على سبيل المثال دار نشر واحدة هى «شرقيات»، ثم تطورت الأمور قليلا قليلا بظهور «ميريت» وإما عليك وعلى الدولة بمقصها وتأجيلاتها ومحسوبياتها وإلخ إلخ. فى هذه الآونة كان عدد الشعراء والروائيين لا يزيدون على أصابع اليد الواحدة. أما الكتابة خارج الأدب (الساخرة على سبيل المثال) فقد كانت منعدمة تقريبا.. ويضيف المحمدى «كنا نعتقد أن ظهور دور أخرى، ومؤلفين آخرين يعنى بالضرورة دور أكبر للأدب وللكتابة، والإبداع. كما أنه سيحقق بكل تأكيد فرصا أكبر للإبداع (الجيد)، والكتابات (المؤثرة) (بغض النظر عن نسبية الجودة والتأثير)». يعود صاحب «أهو كلام» لتساؤله الخاص بالثورات العربية ويقول : لا ندرى من الذى قام ب»الثورة»، كل ما حدث هو أننا أصبحنا نستيقظ كل يوم على دار نشر جديدة، وكتاب جديد كل ربع ساعة، وسباق محموم نحو فكرة ال»بيست سيلر» اللعينة الخادعة. ما أثر البيست سيللر على الكتابة؟ يجيب المحمدى: «حسنا، هل تطور الإبداع وأشكاله؟ للأسف الشديد لقد تراجعت الأمور على نحو مؤسف، وأصبحت دواوين الشعر التى (تبيع) هى التقليدية الأقرب للزجل كأشعار هيثم دبور مثلا، فتجد شاعرا كبيرا حقا مثل عمر طاهر يتراجع بخطوات واسعة. طاهر قدم فى دواوينه الأولى تجربة واعدة بصوت مختلف، يحمل عبء التعبير عن جيل جديد، فأصبح الآن يحمل عبء منتج الكتاب وشباك التذاكر (لا أريد الهجوم على عمر فهو مبدع حقيقى، فقط أحاول تحليل ما يحدث). لا يقتصر الأمر على الشعر، هناك آثار متعددة للبيست سيللر على الرواية حيث «أصبح علاء الأسوانى هو سقف الإبداع، فأصبحنا نعيش فى أزهى عصور رواية النميمة السياسية والصحفية، ولا مانع من بعض (التخبيط) الدينى، وعلى الجانب تظهر روايات تبدو وكأنها مترجمة، لا تفهم منها شيئا، تمثل (الحداثة)، وتوزعت الأدوار فالشكل الأول للبيع والشكل الثانى للجوائز». صار النجاح يسيراً، والتحقق يتم على صفحات ال»فيس بوك» انتشرت أشكال الكتابة خارج الأدب، خاصة الكتابة الساخرة، و»النصوص». وأصبح أى شاب له مجموعة ضخمة من الأصدقاء يكتبون له على صفحات ال»فيس بوك»: مبدع كعادتك دائما، إنت جامد آخر حاجة، وأى شاب من هؤلاء أصبح كاتباً كبيراً». ما انعكاسات هذا الوضع على الكتابة الجيدة؟ يقول مؤمن: فى وسط كل هذا ضاع «الجيد» و«المؤثر»، وبعد أن كانت فرصته قبل «الثورة» ضعيفة أصبحت صفراً. أو أن الوضع صار أشبه ب»عبد السلام النابلسى فى فيلم شارع الحب، عندما وقف يتمنى ولو لقيمات صغيرة، فانهارت الملوخية فوق رأسه، وأغرقته، فوقف يصيح: خلاص.. ما تبسطهاش أكتر من كده». لماذا نكره البيست سيللر!؟ من جانبه يختلف محمد صلاح العزب مع مؤمن المحمدى، حيث يرى أن الكتابة لابد أن تطمح إلى تواصل مع القارئ، ويفضل العزب أن يكون حجم هذا التواصل كبيراً. بمعنى أن يكون الكاتب يطمح للوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء، طموح العزب لا يتوقف عند هذا الحد، بل إنه يأمل أن يصبح الإقبال على الأدب مثل الإقبال على شباك تذاكر السينما! ويقول: «ما يحدث الآن ليس حلماً مستحيلاً، بل إنه أقل من طموحنا!». ما أسباب ذلك سألناه فقال: «الكتاب يتناولون مناطق لا تصل للناس أو تتفاعل معهم، تحت حجج مثل (المعايير الفنية) أو(الكتابة الراقية)، أما المعيار الحقيقى للكتابة من وجهة نظرى هو التواصل مع الناس.. فالكتابة الجميلة هى الكتابة الفنية التى تتواصل مع الناس». فى هذه الآونة أصبحت دور النشر كثيرة وتزايدت عملية نشر الكتب الأدبية.. وهذا يرجع إلى فكرة البيست سيللر، (كإنها محاولة لاستغلال الظاهرة بشكل تجارى).. لكن يعيب العزب على هذا الاستخدام لحالة البيست سيللر أنه يتوزع بين «كتب ليست على المستوى والكثير من نماذج الكتابة الرديئة، ونسبة ليست بالكبيرة من الأعمال الجادة».