حال الصفحات الثقافية في الجرائد اليومية يعكس بشكل أساسي نظرة هذه الصحف للثقافة بشكل عام، فما بين صفحات تُلغي تماماً، وصفحات تتأجل لتحتل الإعلانات مكانها، وصفحات أخري فقدت مفهوم الصحافة الثقافية وفهمها للحظة الثورية، وجرائد يتم إصدارها بدون صفحة ثقافية، نجد أنفسنا أمام استخفاف بقيمة الثقافة ودورها في المجتمع، خاصة في لحظة تاريخية يجب أن تقوم فيها الثقافة بدور محوري. البعض يري أن المشكلة تكمن في رؤساء التحرير، غير المهتمين، والبعض الآخر يري أن العيب في المحرر الثقافي الذي لم ينتبه لخطورة اللحظة ولا يزال يعمل بنفس النمط القديم الذي ما عاد يناسب التطورات الأخيرة في المجتمع المصري، والبعض يري أنها عملية عرض وطلب، وبالتالي فتفوق السياسي علي الثقافي أمر حتمي، دون غياب البعد التجاري. سيد محمود المشرف علي الصفحة الثقافية في الأهرام المسائي والمشرف السابق علي صفحة الثقافة بجريدة البديل يقول : بعد الثورة، كان لابد أن تغير الصحافة الثقافية طريقة عملها، كان عليها أن تنخرط في قضايا هامة مثل إعادة هيكلة وزارة الثقافة، وأعتقد أن الصفحات الثقافية لم تتعامل مع الموضوع كما ينبغي كما أنها لم تضع جدول أعمال خاصاً بها. ويضيف محمود: من الخطأ ألا ننتبه لهذا التحول الجاري، فلو نظرنا للصفحات سنجدها كما كانت وكأن الثورة لم تحدث، فمقترح الصحافة الثقافية مجرد سرد حكايات عن الوزير أكثر من تقديم رؤية للمستقبل، حتي النشطاء المعنيون بالتحول لم تتح لهم الفرصة كاملة للحديث ولم تصل أصواتهم كما كان منتظراً، وأصبحت الصحافة الثقافية تكرر نفسها بنفس الأخطاء السابقة، خطأ الابتعاد عن السياق الاجتماعي، فمع سقوط مبارك كان هناك تصورات مثل تصور عادل السيوي وانتهي الأمر، وغاب السؤال حول مشروع عز الدين شكري، أين المشروعات التي يجب أن تتناولها الصحافة الثقافية؟ لقد اختزل الحوار في أشخاص فقط، في حين أن التركيز علي المشروعات أهم. ويشير سيد محمود لحال الصفحات الثقافية بعد الثورة قائلاً: في الفترة الاخيرة أصبحت الصفحة الثقافية في حالة تقلص، نجد هذا في المصري اليوم وغيرها، حتي الأهرام حدث فيها نفس الشيء. ويري سيد محمود أن الأمر شديد الصلة برؤساء تحرير الجرائد، ويقارن ما حدث بعد ثورة 52 بما حدث بعد ثورة 25 يناير فيقول إنه بعد 52 كان رؤساء التحرير أدباء أو شديدي العلاقة بالأدب، هكذا نجد فتحي غانم وأحمد بهاء الدين، وبالتالي كانت الصحافة الثقافية في حالة ازدهار، لأنهم تميزوا بالليبرالية. من صحيفة الشروق، يقول سامح سامي مشرف الصفحة الثقافية: من المعروف أن الصفحات الثقافية لم تكن منتظمة في الصدور باستثناء صفحة البديل، وأن معظم الصحف المصرية لا تهتم بها وتعتبرها علي الهامش، مع أن الصحفيين أنفسهم يهتمون بهذا الجزء. أما بالنسبة لجريدة الشروق تحديداً، فيقول سامي إنها مرتبطة بدار نشر، وبالتالي يجب أن تكون جريدة ثقافية، ولم تُلغ إلا في أحوال نادرة، لكن الحقيقة أن القائمين علي الجريدة يهتمون بوجودها وتميزها بشكل كبير. لكن جريدة الشروق متهمة بأنها تكرّس لكتب دار الشروق، وأنها لا تدور في مدارات ثقافية أخري. يرد سامي قائلاً: الإدارة لا تفرض ذلك، لكنني لا أنكره، فكتب دار الشروق مهمة، والصفحات الثقافية الأخري تهتم بها، في نفس الوقت نحاول ألا نقصّر في إصدارات الدور الأخري كما ننتقد أحياناً كتباً صادرة من الشروق. من الجرائد التي واجهت مشاكل كبيرة حد إلغاء صفحتها الثقافية كانت روزاليوسف. تقول إيمان علي، المحررة الثقافية هناك:س يعلم المحررون الثقافيون في الجرائد القومية أنهم مجرد ديكور ووجاهة ومكمّل، كان هذا هو الحال قبل الثورة حيث يمكن الاستغناء عن الصفحة في أي وقت، أما بعدها فصارت الأمور أصعب لدرجة إلغائها. تضيف: الجرائد الحكومية لا تهتم بفكرة السبق الصحفي في الثقافة، وفي رزاليوسف الأحداث الثقافية الكبيرة ليست إلا شريط خبر، رغم أن روزاليوسف كانت تتميز بصفحتها الثقافية من قبل، وربما كانت ميزة عبدالله كمال اهتمامه بهذه الصفحة (صفحة ثقافية يومياً وصفحتان أسبوعياً) أما بعد الثورة فأصبح خطاب الصفحة ضعيف وأصبح الكل مشغولاً بأحداث سياسية وصارت جرعة الثقافة قليلة، لكن المشكلة لا تكمن فقط في الاهتمام بالحدث السياسي فهو الأهم، تقول علي: »أصبحت الجريدة تعامل الصفحة باستخفاف ورأت أنها لا قيمة لها والتضحية بها أصبح سهلاً جداً، والصفحة نفسها أصبحت شبه مختفية«. جريدة اليوم السابع حالة ملفتة، حيث لها صفحة ثقافية علي الإنترنت وتختفي هذه الصفحة في الجريدة الورقية. يري وائل السمري، المشرف علي الصفحة الثقافية: أنها حالة ستتغير قريباً ويبرر اختفاءها بقوله: »الثقافة موجودة في كل مكان بالجريدة وليس معني عدم وجود صفحة ثقافية أن الثقافة غير موجودة«. وعن الصحافة الثقافية ودورها في اللحظة الراهنة يقول السمري: »لا أري اختلافاً بين الثقافة والسياسة وأري أن الجو السياسي انعكس علي الثقافة من حيث هي إلمام لمفردات الحياة«. سألت السمري إن كان رؤساء التحرير القادمين من أرض غير ثقافية سبب في تغميم دور الثقافة في الجرائد، فقال: »المشكلة في تناول الصحفي نفسه للقضايا بعيداً رئيس التحرير، كل الأشكال الصحفية يجب أن تكون مطروحة للقاريء لتكون مادة جذابة«. أما جريدة المصري اليوم، رغم تقلص صفحاتها بعد الثورة، إلا أنها لا زالت قوية. يقول أيمن عبد الهادي، المشرف علي إحدي صفحاتها الثقافية، عن السبب في تراجع الثقافة في الجرائد: »السبب هو المحرر الثقافي، الذي لابد أن يدرك أننا في ظروف استثنائية وأن يربط بين السياسي والثقافي« وينفي عبد الهادي أن تكون رئاسة التحرير هي السبب ويقول: »الموضوع يفرض نفسه، فليس منطقياً أن ننشر موضوعاً عن قصيدة غزل في وقت التهاب الثورة، لكن يمكن ربط ما هو سياسي بما هو ثقافي واجتماعي«. . مع ذلك يؤكد عبد الهادي علي ضرورة معرفة »الممارسات غير الصحية التي لا زالت سائدة« و»تحليل الصحافة الثقافية في كل الأماكن ومنذ فترة طويلة«. ويتفق عبد الهادي مع السمري في ضرورة جذب القاريء، كذلك لا يري أزمة في نشر الثقافة بطول الجريدة دون أن تخصص صفحة ثقافية محددة.