بوستر المعرض ربما يحتفظ البعض منا بذكريات صوتية عن أماكن معينة، وغالبا ما تكون خارج المدن الكبيرة، فأصوات مثل ماكينة الدريس، أو أصوات بعض البهائم والطيور، يمكن أن تستدعي إلي أذهان القادمين من الريف ذكريات قديمة، لكن هل يمكن الاحتفاظ من مدينة كبيرة كالقاهرة بذكريات صوتية؟ هل يوجد صوت معين إذا سمعناه يمكن أن يستدعي إلي الذهن مدينة القاهرة، بكل صخبها وضوضائها المصنوعة من خليط ضخم من الأصوات المختلفة؟! ذلك السؤال وأسئلة أخري، عن علاقتنا بالأصوات، يستدعيها معرض "المدينة- الشبح" الذي أقيم في مركز سعد زغلول الثقافي، بالتعاون مع المؤسسة الثقافية السويسرية، ضمن مشروع "الذاكرة والموسيقي"، المعرض الذي اشترك في إعداده ستة فنانين من سويسرا ومصر هم فرانسيسكا باومان، الفريد تسمبرلين، نهلة مطر، مروان فوزي، طارق مأمون، ودعاء قاسم، ينتمي لفن التجهيز "installation art" ما دفع منظمي المعرض إلي إقامة ورشة علي هامش المؤتمر لعدد من المحررين الثقافيين للتعريف بفن التجهيز الحديث العهد في مصر. يعتمد معرض "المدينة الشبح" علي استدعاء الفنانين المشاركين لعدد من أصوات القاهرة، التي تمسهم، مع تجهيز جغرافي لمكان العرض مصحوب بصور فوتغرافية، لقيادة المتلقي عبر مسار معين يستمع فيه لأصوات معينة، تم تسجليها من أماكن مختلفة من العاصمة، ومعالجتها من قبل الفنانين المشاركين. الأصوات تم تسجيلها من المترو، ومن البائعين في مظاهرات التحرير، ومن مقياس النيل، وأيضا صوت لأذان ولقداس، حيث تصحب المشاهد عبر مسارات المعرض المعنونة بعناوين يمكنها أن تساعد المتلقي في التعرف علي مصدر الصوت الاصلي وتقوده في النهاية إلي غرفة حملت عنوان "قدس الأقداس" حيث يمكنه الاستماع إلي أصوات المعرض كافة. ويبقي عنوان المعرض "المدينة الشبح" هو العنصر الأكثر ثباتا في محاولة قراءة المعرض، فالقاهرة كمدينة كبيرة تبدو عصية علي الإمساك، أو تلخيصها في صوت، أو عدد من الأصوات. التكوين المكاني للمعرض يصعب الربط بينه وبين عنوان المعرض، وأيضا مع الصور الفوتغرافية شديدة التقليدية الموجودة علي جدران الممرات، حيث التقطت من وسط البلد بدون أي محاولة لخلق خصوصية معينة للمعرض، وهكذا نفاجأ ببعد المسافة بين الأصوات المعالجة بتقنيات عالية، والتي يمكن أن تستدعي إلي الذهن أفكاراً عن المدينة وصخبها وهدوئها، والصور ضعيفة المستوي لوسط القاهرة. الأمر ببساطة يجعل المعرض أشبه بخليط اجتمع دون اتفاق، فقد بدا أن تجهيز الأصوات تم بمجهود عال بينما الفوتغرافيا المصاحبة، لم تأت علي نفس المستوي، ما صنع حالة من عدم التناغم بين الإثنين، بالإضافة إلي التجهيز المكاني لخط سير المشاهد داخل المعرض، والذي حمل أجواء دينية مسيحية غابت دلالتها مع الأصوات المجهزة. قد يكون "فن التجهيز" حديث التواجد في مصر، ولكن تبقي الفكرة الأساسية لذلك الفن، هي خلق حالة يمكن للمتلقي إحساسها وقراءتها، وهو ما غاب عن المعرض الذي سقط في فجوة ما بين الأصوات التي لعبت علي مستوي عال، والفوتوغرافيا الضحلة، وجغرافيا المكان المنفصلة عن الحالة الشبحية، التي ظهرت في العنوان.