لم يفعل حمزة الخطيب ابن السنوات العشر، سوي أن مارس طفولتة بعمق.. بال فوق صورة الرئيس السوري ، فجن جنون النظام، لم يحتملوا طفولته، فقتلوه ، ثم قطعوا عضوه الذكري حتي لا يتمكن مرة ثانية من البول في الجنة، فربما يمطر بوله فوق رأس الأسد، أو فوق رأس الغابة كلها.. ولم يفعل إبراهيم قاشوش، الشاعر الحموي الشعبي، سوي أن أطلق صوته وسط المتظاهرين، كل جريمته أنه كان يغني، لكن صوته أزعج السلطات، فذبحوه واستأصلوا حنجرته من الوريد إلي الوريد.. رحل قاشوش، لكن ظلت الأغاني، وظلت الحناجر، واستمر السوريون في ترديد الأغنية التي ذبح بسببها (يموت المغني وغنوته ما تمتش) هكذا رسم علي فرازات قاشوش، مذبوحا علي الطريق، بينما جسده ينزف موسيقي، لنستعيد في نفس اللحظة صورة المغني ( فيكتور جارا ) الذي قام النظام التشيلي بقطع يديه، وقتله عام 1973 ورحل، لكن لم ترحل الحناجر، وظلت الجماهير في تشيلي تردد ذات الأغنية.. علي فرازات أيضا لم يسلم من الأذي، لاحقوه عند الفجر، جماعة من الملثمين، في ساحة الأمويين.. كان خارجاً من مكتبة، عائداً إلي بيته، فانقضوا عليه، وأوسعوه ضرباً.. كسروا يديه حتي لا يتمكن من الرسم ثانية، وأصابوا عينه اليسري، حتي لا يري سوي ما يريدونه، وألقوا به داميا في طريق المطار بدمشق!! هي النهاية بالتأكيد، فعندما تلاحق السلطات المبدعين، تلاحق أصواتهم وحناجرهم وموسيقاهم، تطارد خيالهم، وألوانهم، عندما ترتعد السلطات أمام القصيدة، ويفزعها طفل صغير، ضحك أو تبول، نكون أمام ما هو أفظع من قتل (اليوم)، نكون أمام قتل (الغد) أيضاً، أمام اغتيال المستقبل، خنق طاقة المجتمع علي الابتكار، التضيق علي حريته، ومحاصرة خياله، إجباره علي الطاعة والسكون، وإغلاق النوافذ.. الأغاني باقية رغم الدم والرصاص، ورغم العنف الجسدي، فالمبدعون وحدهم القادرون علي زراعة الحلم، وإحداث التغيير. [email protected]