زاهى حواس قبل نحو عامين تقريبا زار القاهرة صحفيان فرنسيان، كانا يجريان تحقيقا صحفيا موسعا وجلست معهما ما يقرب من ساعتين، لم يسألوني خلالهما عن أي شيء، سوي زاهي حواس، وعلمت أنهما فعلا الأمر نفسه مع مجموعة كبيرة من الصحفيين والأثريين، وكل من عمل مع حواس. تحقيقهم لم يكن له أي علاقة بالآثار وإنما كان فقط محاولة لفهم شخصية زاهي! كان أمرا غريبا أن يكون الرجل محيرا إلي هذا الحد. لم يكتفيا بسؤالي عما ألاقيه منه أو أعرفه عنه، من خلال عملي، وإنما أذكر أنهما سألا أيضا عن انطباعاتي الشخصية، وإن كنت أعرف قيمة راتبه، وأجبت بأنني لا أعرف وأنه سؤال غير محبوب في بلدنا، ولازلت أذكر تعبيرات الاندهاش علي وجهيهما في وقت كانا يعرفان فيه مرتب الرئيس الفرنسي ولا أعرف أنا ما يتقاضاه موظف عام في بلدي- وقتها لم يكن حواس وزيرا كان فقط أمينا عاما للمجلس الأعلي للآثار- أما آخر أسئلتهما فكانت: هل هو شخص "نزيه"؟ سؤال أستعيده الآن بعد قرار النائب العام بمنعه من السفر. تلك الخطوة الكبيرة في نظر معارضيه الذين أصبحوا يصفونه باللغز، يقدمون ضده البلاغات وينظمون الاحتجاجات، ثم يفاجأون بإعادة اختياره وزيرا، وتجاهل حتي التحقيق معه. قرار المنع جاء بعد تصاعد حملات ضد حواس نتيجة لممارساته، كان منها ما كتبه الروائي جمال الغيطاني والشاعر فاروق جويدة. الغيطاني شن حملة ضده في "يوميات الأخبار" متناولاً مجموعة كبيرة من تجاوزاته في مجال الآثار، ربما أبرزها سماحه بسفر بعض القطع النادرة وغير المكررة بمخالفه القانون ولمدد تجاوزت العشر سنوات! أيضا أشار الغيطاني إلي استغلال حواس للآثار المصرية للترويج لنفسه ولخط إنتاج ملابس يحمل اسمه، كما كتب الشاعر فاروق جويدة عن سرقات الآثار، محددا قطعاً بعينها اختفت من المتحف الإسلامي. حواس فوجئ بالقرار وإن بدا ثابتا، لكنه حمّل الأمر للبلاغ الذي تقدم به الروائي جمال الغيطاني للنائب العام قائلا إنه اتهمه "وأولاده" بمجموعة من التهم، مضيفا أنه بريء من كل التهم الموجهة إليه وأن رده سيكون في التحقيق. قرار المنع يعني أن تحقيقا قد بدأ بالفعل حول حواس الذي لم يكن أبدا مجرد وزير، حواس المتحدث الرسمي باسم آثار مصر، الفرعون الأخير الذي كان متوجا علي عرش الآثار لمدة تجاوزت العشر سنوات، والذي نجح بذكاء شديد في احتواء الخصوم، واستيعاب المعارضين، والتغطية علي الأخطاء ب"شو" إعلامي برع فيه، وسقوط حواس لم يكن بخروجه من الوزارة، لأن رجاله لا يزالون في مواقعهم. محمد عبد المقصود الأمين العام الحالي أكد لأخبار الأدب أن النيابة بدأت عملها بالفعل وأن تحقيقات موسعه تجري الآن في كل البلاغات المقدمة ضد حواس، عبد المقصود أكد أيضا أن أبواب المجلس أصبحت مفتوحة لكل جهات التحقيق "لن نتستر علي أحد ولن نخفي ورقة واحدة، أنا شخصيا تقدمت ببلاغ للنائب العام ضد سامح خطاب رئيس قطاع التمويل لأطالب بالتحقيق في المخالفات المالية التي كانت موجودة، والقرارات التي أصدرها دون أي سند قانوني". سبق حملة الغيطاني ومقال جويدة مجموعة بلاغات للنائب العام ربما كان أهمها البلاغات التي تقدم بها الدكتور عبدالرحمن العايدي رئيس الإدارة المركزية لآثار مصر الوسطي ونور الدين عبد الصمد مدير عام إدارة المواقع الأثرية حيث تقدما بمجموعة من البلاغات للنائب العام يتهمان فيها حواس بمجموعة من التهم يمكن تلخيصها في: التستر علي السرقات التي تمت في المواقع الأثرية، وإهدار المال العام، وتوقيع اتفاقية مع جمعية أمريكية مشبوهة قامت بإجراء دراسات تضر بالأمن القومي المصري من خلال دراسة بعض الملوك المصريين القدماء الذين يدعي اليهود أنهم من أصول عبرانية حكموا مصر باعتبارهم ملوكا لبني إسرائيل. الاتهامات لم تتوقف عند هذا الحد لكنها ارتفعت مع سخونة الأحداث، فمع بدء التحقيق مع سوزان مبارك وزكريا عزمي، انتشرت البلاغات التي تتهم حواس وفاروق حسني بتسهيل تهريب شحنة آثار في عمليه تزعمها زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق بنفسه. ووسط هذا كله كان حكم المحكمة بعزل حواس من منصبه في قضيه تأجير بيت الهدايا بالمتحف المصري الحكم الذي أثلج صدور المعارضين، لكنهم فوجئوا باستئناف القضية وربما نسيانها. الواضح أن الأيام القادمة ستحمل الكثير، وربما نكتشف الكثير من الألغاز في عالم الآثار الذي لم يكشف عن كل ألغازه بعد. هل ستتم إدانة حواس؟ وهل سيكون وحده، أم أنه سيكون فقط مجرد حلقة في سلسلة؟