في ضحكته نوع من الاعتذار، فذلك أقصي ما يمكنه فعله (التعاطف) فهو عن نفسه لا يريد أن يفعل شيئا، وكأنه يريد أن يختفي.. هو يشبه (فولكنر) يتمني لو يمحي من التاريخ، تُزال كل آثاره، ولا تتبقي سوي كتاباته! »هناك أشياء نكتب عنها، وأشياء نكتب بها« ..تلك عبارة إبراهيم أصلان الأثيرة، ومنهجه في الكتابة، وهي أيضاً حل للعلاقة بين (الثورة) و(الإبداع)..كثير من المبدعين يؤكدون حقيقة أن الكتابة في مكان آخر خارج الحدث، أو يجب أن تكون كذلك، إبراهيم أصلان واحد منهم، ربما ما يكتب به أكثر سخونة مما يعبر عنه، وهو أمر طبيعي، فتلك هي الطاقة اللازمة للحركة والدافعة للإبداع.. عندما يمر الرجل ببيجامته المقلمة من الكستور، في اتجاهه إلي المطبخ لعمل كوب من الشاي قبل أن تصحو زوجته، داخل شقة صغيرة، التي لا تتجاوز حجرتين وصالة، نستطيع أن نمسك بالحياة كاملة، ندرك تفاصيلها ونحسها، ولا نحتاج إلي نقاط ولا حروف لنعرف أن هؤلاء البشر البسطاء، الذين يشبهوننا تماما، هم وقود الثورة الحقيقي.. عبد المنعم رمضان، شاعر مختلف، يقف علي النقيض، أو هو النقيض دائما، نقيض الآخرين ونقيض نفسه أيضاً.. يقول إنه كان يذهب إلي الميدان كل يوم، لأن الميدان أقوي مليون مرة من الكتابة!! وأن الذهاب إلي الميدان كان أهم من قصائده!! عبد المنعم رمضان، لا يقدم هنا منهجه في الكتابة، ولا يكشف عن جوهر مشروعه الفكري والجمالي، والذي كان دائماً نقيضاً للميدان.. حين يقف في الميدان يعارض قصائده، وحين يكتب يعارض الميدان، ذلك تناقضه الدائم، وطريقته في تجاور الأشياء دون خلط، كل شيء داخل غرفة مغلقة، حتي الميدان أيضاً، من الممكن عزله داخل مكانه بعيداً.. مصطفي ذكري مبدع آخر، مختلف في منهجه ورؤيته لكل ما حوله.. إن أقصي حدود الثورية لديه، أقصي حدود المشاركة، أن يكف عن الكتابة.. يضحك ذكري وهو يعلن تعاطفه مع الثورة.. في ضحكته نوع من الاعتذار، فذلك أقصي ما يمكنه فعله (التعاطف) فهو عن نفسه لا يريد أن يفعل شيئا، وكأنه يريد أن يختفي.. هو يشبه (فولكنر) يتمني لو يمحي من التاريخ، تُزال كل آثاره، ولا تتبقي سوي كتاباته! المبدعون علي اختلاف مناهجهم الجمالية يؤكدون أن الكتابة في مكان آخر دائما، بعيدا عن الحدث، لا كتابة في الثورة، كتابه عنها أو كتابه بها، ربما لكن الكتابة الحقيقية أو الكتابة الإبداعية في مكان آخر خارج الحدث.. الثورة هنا والكتابة هناك، أو الثورة هناك والكتابة أيضاً هناك، في مكان آخر ربما، وإذا كان الإبداع، علي امتداد التاريخ، لا يحقق ثورة، فإن الثورات بحاجة دائماً إلي الإبداع لتؤسس قيمها الحضارية وتؤسس اكتمالها.