كثيرا ما كان يتقابل داود حسني وعبد الوهاب في منزل صديق هو الاستاذ سيد مختار . وكان الحديث دائما أبدا عن الفن وكان عبد الوهاب ينوي أن يحاكي الغرب في الأداء الصوتي . وقال : إنني من الان سأغني علي الطريقة الغربية . فقال له داود : ربما اذا أنت قد تعلمت أصول علم الأصوات والمقامات في كونسرفتوار في معهد غربي خارج القطر ومرنت صوتك علي صولفيچ غربي ربما قد يصل الصوت الي ما تريد ولكن اذا ما عدت مرة ثانية الي الوطن وجدت الطبيعة المصرية قد تجرك جرا الي ربع المقام الموجود بطبيعته في حناجر الباعة وفي صوت المقرئ وفي أغاني الفلاحين . ولكن عبد الوهاب أصر علي رأيه فأمسك داود حسني العود واختار مقام العجم - ماچير وقال لعبد الوهاب انطق هذا المقام بصوتك فلم يلتحم الصوت تماما بالمقام ، ثم عاد داود الي مقام النهاوند المينير وقال : غن من هنا .. فلم ينطبق الصوت .. مرة كان زائدا ومرة كان ناقصا ، ثم اشار داود اليه بأن يمسك العود ليغني بصوته .. فإذا الربع مقام قد تجلي في صوته .. فقال داود : أظن يا عبد الوهاب أن أنغامنا الشرقية أجمل وأطرب ومن المستحسن أن يكون الغناء المصري طوعا للأنغام الشرقية . وعند قيام مؤتمر الموسيقي العربية سنة 1932 بعث داود بآرائه الي الدكتور زاكسي في الموسيقي المصرية وقد زار داود عبد الوهاب في منزله وقال له داود : لقد كنت في معهد الموسيقي وسمعت البعض يهجو آراءك ولكنني دافعت عن آرائك وقلت أن داود حسني محق فيما ذهب اليه في أن يكون للموسيقي المصرية طابعها الشرقي . وأن الدكتور زاكسي الخبير الفني للمؤتمر أخذ بنظريته هذه .. وقال داود : هذا رأي تقول به القومية الموسيقية .. وإني سأشرح في المؤتمر كيف أخضع بعض الأنغام الشرقية الي المقامات الإفرنجية ذات الربع مقام .. ولقد أخضعت بعض الأنغام العربية الي مقامات غربية في كثير من أوبريتاتي المسرحية ليسهل توزيعها آليا وصوتيا . .................. كان داود حسني كثيرا ما يلقي أغانيه أو يلحنها لشتي المناسبات ويضع الأنغام خصيصا لهذه المناسبات وتصادف أن كان عُرْس مصطفي رضا بك رئيس معهد الموسيقي العربية والعازف علي القانون فأقبل داود حسني علي الفرح ومعه لحنه الجديد الذي وضعه خصيصا لهذه المناسبة وكان هذا الدور الغنائي : يسعد لياليك ياقمر نورت بالأنس الفضا فرح الزمان لك منتظر وكل أوقاتك رضا حتي اذا ما أتي داود في غنائه أنشد الحاضرون معه : هل الهلال والصفو قال بكرة الهلال يبقي قمر رددها المدعوون وهم يغادرون الفرح ليلا ... حتي اذا ما كان الصباح اذا بالقاهرة كلها تردد النغم الجديد : هل الهلال والصفو قال بكرة الهلال يبقي قمر وهكذا كانت ألحان داود سرعان ما تسري أنغامها في كل مكان حتي في أدواره التقليدية الكلاسيكية .. فكانت تتطرق منها أنغام شيقة حبيبة الي الشعب فغني دور يا طالع السعد افرح لي - الذي انتشر وذاع وغناه المغنون وعزفته الآلات الموسيقية والمزمار وفرق الموسيقي النحاسية . وكانت تسمع في الطرقات علي لسان الشعب علشان كده أنا طالب وصلك وكذلك في دور كل من يعشق جميل ينصفه - . كنت تري الموسيقي الوترية والنحاسية والمزمار البلدي وأصوات الناس في كل مكان : لما انت مش قد الهوي بس تعشق ليه وتميل كم تخاطر وانت عليل وفي دور بالعشق أنا قلبي هاني كم ردد الشعب في الطرقات هذه الألحان الشعبية التي تطرقت من هذا الدور الكبر آه يازماني لو كان وفاني وهذا دور عاهدت قلبي تهافت علي غنائه المطربون والمطربات فيشيع الطرب بين السامعين ... فإذا ما انتهي الغناء رأيت الناس في الطرقات والبيوت والقصور يرددون : وانا اعمل ايه يا عاشقين شفت العجب هو الدلع لازم الدلع من شان الجميل هذه شعبية الأنغام في موسيقي داود حسني الكلاسيكية، بل هذه قومية الغناء في الحان داود حسني ... اللحن المصري الذي يعبر عن طوائف الشعب المصري . ومما يدل علي شعبية داود حسني هذا الحديث الذي دار بينه ذات مرة وبين الأستاذ محمد عبد الوهاب : انك يا سي داود مثل يقتدي به في صياغة الألحان ... ويتمني كل فنان أن يبلغ علمك ويرقي الي فنك ويصل مجدك .. ولكني أعتب عليك في انك راجل سبهللي ... تخالط هذا وتكلم ذاك .. ان الفنان في هذا البلد يجب أن يكون علي شيء من الكبر ... فقال داود : ربما واستطرد عبد الوهاب : خذ مثلا يوسف وهبي ومظهره في المونوكل علي عينه .. هذه مظاهر تبرز الفنان وتجعله حديث الناس . فقال داود : أنا راجل ديمقراطي شعبي النزعة من الطبقة المتوسطة البرجوازية ... ولقد جبلت علي الديمقراطية ولا شأن لي بأرستقراطية بغيضة .. فأنا من الشعب والشعب مني .. وأنا أدين بنجاحي الي تلك الأنغام التي استقيتها من صميم الشعب .