سأبدأ من هذا المشهد الذي حدث معي أثناء سيري في شارع قتيبة بمحافظة حولي بالكويت، متجها إلي شارع ابن خلدون، حيث سألني شاب كويتي برفقة ثلاثة آخرين في سيارته عن كيفية الاتجاه إلي شارع ابن خلدون، فقلت له (بالعامية المصرية): "امشي علي طول حتلاقيه قدامك". ومن لهجتي عرفوا أنني مصري، فسألني أحدهم: هل أنت مع مبارك أم ضده؟ فقلت علي الفور: أنا مع مصر. فهتفوا جميعا: تحيا مصر، يحيا الشباب، وانطلقوا بسيارتهم. إن الشباب المصري سواء أكان في ميدان التحرير، أم خارجه يكتب الآن تاريخا مصريا جديدا بدمائهم وأرواحهم ومواقفهم، لقد فعل ما لم تستطع أجيال أخري فعله، لقد غير مصرنا بحق، وغيرما لم تستطع قيادات ووزارات وهيئات أن تفعله وها هي عروش الفساد والظلام والاستبداد تتهاوي ساعة بعد أخري. لقد كتب المخلصون والشرفاء المصريون من قبل من كتاب وأصحاب رأي عن أن "الفساد للركب" وقال الشعراء في قصائدهم، وصور الروائيون والقصاصون في سردياتهم أهوال الفساد وتعمقوا في دراسة الشخصيات التي أفسدها المال والأنظمة المتعاقبة، وتحدثت أعمال درامية علي الشاشتين، ولكن لم يكن هناك أي رد فعل لذلك، وقد ظننا أن الشباب المصري لاه وعابث وفي واد آخر من أودية السيلكون والإنترنت، ولكنه أبدا لم يكن كذلك، إنه كان يتلقي كل هذه الإشارات ويتفاعل مع نفسه إلي أن جاءت اللحظة الحاسمة الفارقة من عمر الوطن، وخرج ليعبر عن إرادة الشعب المصري كله رفضا للفساد الذي استشري، والظلم الذي ساد، والاستبداد الذي طغي. لقد قال شباب مصر كلمته ولا يزال يسطر فصولا أخري من الملحمة التاريخية العظيمة. والجميل في ميدان التحرير الآن هو عودة الأغاني الوطنية العظيمة التي تزيدهم حماسا علي حماس، وتشعل الثورة في داخلهم أكثر وأكثر، من أغاني سيد درويش "قوم يا مصري مصر دايما بتناديك" و"اهو دا اللي صار"، وعبدالحليم حافظ "فدائي "و"صورة" وغيرها إلي النشيد الوطني بلادي بلادي، الذي صار له طعم آخر ومذاق جديد علي لسانهم، فضلا عن أغاني حرب أكتوبر، وأغاني الصمود والتحدي. لقد لفظ هؤلاء الشباب أغاني الفيديو كليب الخليعة، بعد أن ظننا أنه جيل الفيديو كليب، وجيل البانجو، ولفظوا كل ما يدغدغ مشاعرهم بعاطفيات تهدف إلي إغراقهم حسيا ومعنويا، ليظهروا بإحساس وشعور وطني جديد، كنا نظن أنه غاب عنهم، أو هم فاقدوه. إننا نكتشف مصر من جديد علي يديهم، ونكتشف مرة أخري معدن المصريين، بعد أن غاب أو تواريمنذ حرب أكتوبروبالتحديد منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد. لقد عمل الشباب ماعليه، ومن حقه ينتظر المكافأة من المجتمع المصري والقيادة المصرية في إقامة مجتمع حر وديمقراطية حقيقية، وانتخابات حرة نزيهة معبرة عن إرادة المجتمع المصري في ثوبه وعقله الجديدين. فشكرا لكم أيها الشباب علي كل هذا الوعي الذي ظننا يوما ما أنه غائب عنكم، ولتعذرونا علي هذا الفهم الخاطئ لكم، وعلي عدم الحوار الدائم معكم. وعلينا أن نفكر معا من أجل مستقبل مشرق زاهر، نستثمر فيه طاقاتكم الخلاقة للعمل والفكر والإبداع، فلا تضيع دماء الشهداء منكم هدرا، وبالتأكيد مصر الجديدة علي يديكم غير مصر قبل 25 يناير 2011، وبهذا شهد العالم أجمع، وعلينا أن نستثمر كل هذا لتعود مصر إلي ريادتها التي كانت، بالعلم والعمل، وليس بالكلام واللغو.