[email protected] تدخل أخبار الادب مرحلة جديدة في مسارها اعتبارا من هذا العدد، يتولي مسئولية التحرير زميل وصديق عزيز، الاستاذ مصطفي عبدالله، المحرر الثقافي المخضرم، رئيس القسم الادبي بجريدة الاخبار لسنوات طويلة، وهو ليس غريبا علي أخبار الادب، إذ شارك في تأسيسها وعمل بها لسنوات مسئولا عن قسم الاخبار، وظل حضوره فعالا ونشيطا حتي اليوم الذي صدر فيه القرار بتوليه المسئولية، وانني اتمني له النجاح، وفي نفس الوقت اودع أخبار الادب، بمشاعر عديدة متداخلة، أبرزها الرضي، الرضي عما أديناه للثقافة العربية، وعلي المستوي الشخصي الرضا بقرار طال انتظاري له طويلا ويجيء في توقيت جد مناسب، تجربة أخبار الادب ستكون موضعا لدراسات عديدة. وقد أنجز بعض منهما في السنوات الماضية في الجامعات والمعاهد العلمية، غير أنني استعيد فقط العناصر الاساسية التي حكمت الرؤية التي تأسست عليها أخبار الأدب والتزمت بها طوال المرحلة الماضية، عندما أصدر الاستاذ ابراهيم سعده قراره عام 2991، عملنا لمدة سنة كاملة في الاعداد للاصدار، كنا امام تجربة مختلفة عن كل ما عرفته الصحافة الثقافية منذ انشاء محمد علي باشا الوقائع المصرية في بداية القرن التاسع عشر، والتي كانت تحوي قسما ثقافيا تولاه الشيخ رفاعة الطهطاوي والامام محمد عبده في فترات، حتي صدور أخبار الادب كانت الصحافة الثقافية تعتمد علي النص، سواء كان مقالا أو قصيدة أو قصة، كان البعد الصحفي ضعيفاً واهياً واعني به أخبار الحياة الثقافية، واصدارات الكتب، والتحقيقات والحوارات مع المبدعين، باستثناء الجريدة والمجلة المدهشة »السياسة الاسبوعية« التي رأس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل، في العشرينات، وايضا مجلة »الكاتب المصري« التي أصدرها طه حسين في الاربعينيات، وماتزال اعدادها تمثل زادا ثقافيا حتي الآن، كانت المعضلة لنا هي التوفيق بين النص والصحافة، بين العناصر الثقافية، والمهنية، ومن خلال المناقشات، وتفاعل الرؤي وصلنا إلي صيغة اساسية ماتزال سارية، في نفس الوقت كانت المباديء التي تحكم الرؤية محددة، وأي اصدار ثقافي يحتاج إلي رؤية شاملة محددة، الاصدار مثل الكائن البشري اذا افتقد وضوح القصد وطرق الاقتراب منه يضل ويهوي. أو يصبح إطارا بدون مضمون، أهم عناصر الرؤية كانت: أخبار الادب منبر للابداع الحقيقي علي كافة المستويات، الابداع الادبي والفكري وسائر مجالات الابداع، ننحاز إلي الجديد، إلي الابداع الجريء، لقد نشرت نصوصا في أخبار الادب حذف منها أصحابها اجزاء لم يتحملها ناشرو كتبهم، مازلت اذكر فرحنا بالعثور علي نص جديد رفيع الكتابة، جديد الرؤية، ومن واقع التجربة يمكن القول ان جميع النصوص التي لفتت الأنظار وشكلت علامات مهمة خلال الثمانية عشرة عاما الماضية ظهرت في أخبار الادب، ليس في مصر فقط. ولكن في الابداع العربي كله. التعامل مع الثقافة بحيث تشمل جميع جوانب الحياة، والانحياز إلي قيم الحرية والعدالة في الحياة، ويكفي ان اضرب مثالا بالموقف من غرق العبارة واستشهاد اكثر من الف انسان من فقراء المصريين. أخبار الادب منبر للثقافة العربية كلها. وهنا معني عميق. فأي مجلة أو جريدة ثقافية تكتفي بثقافة البلد الذي تصدر فيه تكون ميتة صحفيا، ناقصة تكوين، ما تبقي للعرب وحدة الوجدان واللغة، وأي تعبير عن الثقافة العربية يجب ان يلتزم بهذه الحقيقة، لم نكن نبتدع مبدأ جديدا ولكن هذا اقتداء باساتذتنا الكبار الذين ادركوا تلك الحقيقة، لم تكن رسالة الزيات أو هلال جرجي زيدان وغيرهما الا منابر للثقافة العربية كلها، وهذا ما التزمت به أخبار الادب، مع التركيز علي الاقطار التي كانت بعيدة عن اهتمام الاعلام الثقافي، مثل المغرب العربي، وجنوب السودان، والادب الكردي في العراق. الاتصال المباشر بآداب العالم، لم يترجم نص في أخبار الادب الا عن لغته الاصلية، راعينا هذا بقدر الامكان، وحاولنا تخطي المركزية الاوروبية، والاهتمام بالشرق، وقد برز مترجمون اكفاء خاصة في مجال الادب الفارسي، والصيني، وهؤلاء قاموا بجهد أكبر في المشروع القومي للترجمة الذي أسسه المثقف الكبير جابر عصفور الذي انحزنا إليه منذ البداية والآن أصبح مؤسسة مستقرة وتجاوزت اصداراته الألفين. صدرت أخبار الادب في توقيت تصاعدت فيه اعمال الارهاب المسلح والارهاب المتطرف الذي يستخدم الدين، وكانت أخبار الادب تمثل الطليعة في مواجهة الارهاب والفكر المتطرف، والانحياز إلي الحرية ويكفي مراجعة اعداد أخبار الادب فنحن نعمل في مهنة آثارها حية ملموسة. رغم فقر الورق الذي تطبع عليه الجريدة، الا اننا اولينا الثقافة البصرية اهتماما كبيرا، الفن التشكيلي والذي عرفت من خلاله الجريدة بمبدعين كبار معاصرين ومن التراث الانساني كانوا يقدمون لأول مرة، واهتممنا بفن التصوير الفوتغرافي الذي تعاملنا معه كفن مستقل، وقدمنا من خلاله نماذج رائعة من الفن العالمي والمحلي. تلك عناوين عريضة جدا، تتفرع منها عناوين شتي لتجربة أخبار الادب، أما عن البعد الانساني فإنني اعتز برفقة الزملاء الاكفاء الذين يعتبرون قيما مهنية في حد ذاتها، كثير من الصحف تعاني نقصا في المحررين الثقافيين، انني أودع أخبار الادب وكل عضو فيها لديه من الامكانيات والخبرة بما يجعلني أفخر بهم، إلي هؤلاء اتوجه بشكري وامتناني، وأرحب بالاستاذ مصطفي عبدالله الذي كان موقعه في أسرة التحرير فعالا ومؤثرا.