تقدم ميرال الطحاوي روايتها الأخيرة التي أراها امتدادا لروايتيها السابقتين (الخباء) ثم (نقرات الظباء)، والذي نهتم له في هذه القراءة، خطاً دلالياً امتد باهتا في الروايتين السابقتين، لكنه اخذ تجليه المبهر في الرواية الأخيرة، ونعني به خط الصدام الثقافي بين الشرق والغرب، إذ انها استدعت في (الخباء) شخصية وافدة علي بيئة الرواية، هي (ان) بكل موروثها الحضاري والثقافي، لكي تبث قطاعاً من هذا الموروث في (فاطمة) بطلة الرواية، ثم استدعت في رواية (نقرات الظباء) شخصية (بيير) لتعيش وسط هذه البيئة البدوية، التي مازالت تعيش علي فطرتها البدائية. ويبدو أن حضور الشخصيتين، كان تمهيداً لهذا الصدام الموسع الذي جسدته الرواية الأخيرة، وعلينا ملاحظة المغايرة بين الاستدعاء المحدود في الروايتين السابقتين، والاستدعاء الكلي في الرواية الأخيرة، ذلك ان بداية هذا الصدام كانت استحضار شخصيتين غربيتين لزرعهما في هذه البيئة البدوية بكل تقاليدها واعرافها المحافظة، بل المغرقة في هذه المحافظة، اما الرواية الأخيرة، فقد ذهبت الرواية بجسدها وعقلها لتحل في هذه البيئة الغربية مصطحبة معها طفلها الصغير، لتكون المواجهة كلية وعملية. وواضح أن ميرال تسير في طريق سبق ان عبّده لها كثير من الروائيين العرب الذين أهمهم هذا الصراع الذي تحول إلي صدام مباشر، وكانت بدايته مع حركة الاستعمار القائم من الغرب، ومع بداية البعثات العلمية والهجرات من الشرق إلي الغرب، وقد تجسد هذا في بعض الاعمال الإبداعية، مثل (عصفور من الشرق) لتوفيق الحكيم، و(قنديل أم هاشم) ليحيي حقي، و(الحي اللاتيني) لسهيل إدريس، (موسم الهجرة إلي الشمال) للطيب صالح. والقارئ لروايات ميرال السابقة، يلحظ ان الشخصية المركزية في (الخباء) كانت (فاطمة) التي عاشت في ظل السلطة الذكورية القهرية، وكان حلمها، (الهروب) من هذا العالم الذكري الظالم، اما الشخصية المركزية في (نقرات الظباء)، فكانت (هند) التي تابعت مسيرتها الحياتية في هذه العالم الذكوري، في حصار يوازي حصار فاطمة، بل ربما يتفوق عليه، وانتهي الأمر بفاطمة إلي ان فقدت جزءاً من جسدها (الساق)، وانتهي الأمر بهند إلي (الموت) الفعلي بعد الموت التقديري، وهنا تأتي (هند) الثانية لتحقيق بعض ما كانت تسعي إليه سابقتاها من الهروب، كان هروبها هو الخلاص الحقيقي، ولو أدي ذلك الي دخولها دائرة الصدام الثقافي، كما سنوضحه في المقالات الآتية عن رواية (بروكلين هايتس).