في كتابه " تجارة الجنس " _ توزيع الأهرام _ يتناول مدحت الزاهد إحدي أخطر وأقدم أنواع التجارة المحلية والعالمية : التجارة في اللحم والروح البشرية عارضا علينا صورة شاملة موثقة لوضع مرعب تشكل النساء والأطفال فيه قرابة خمسة وسبعين بالمئة من حركة تلك التجارة التي تأتي في الدرجة الثانية من حيث الربح بعد المخدرات والسلاح، إذ يحقق هذا النوع من التجارة سنويا نحو أربعين مليار دولار ! . ويعتبر مدحت الزاهد أن هذه التجارة نتاج " أوضاع ترتبط بالظروف الاقتصادية والاجتماعية " أساسا ، ويشير الكاتب هنا إلي غياب أي احصائيات دقيقة للعاملات في هذا المجال بمصر، لكنه يرصد الأشكال التي اتخذتها عندنا هذه التجارة من السياحة الجنسية التي تتركز في القاهرة والإسكندرية والأقصر، إلي ظاهرة تزويج القاصرات للأثرياء، والظروف التي تخلق شروطا مواتية لاستلاب الروح والجسد ومنها وجود مليوني طفل من أطفال الشوارع عرضة للإعتداء والاستخدام الجنسي، والحجرات المكتظة في الأحياء العشوائية ، والتتفكك الأسري، ثم وقبل كل ذلك وبعده : الفقر ، الذي لم تفلح خطط الليبرالية الجديدة وإصلاحها الاقتصادي المقترح في القضاء عليه . خلال ذلك يستعين مدحت الزاهد بشهادات موثقة مع بعض النساء ، وتقول إحداهن في شهادتها إن السبب في عملها هو : " الظروف ، لأن مافيش واحدة ح تعملها بمزاجها ، مافيش واحدة ممكن تبيع جسمها لأن هي عاوزه كده .. هي بتبقي عاوزه فلوس " . وتتكرر في شهادات أولئك النسوة كلمات مثل الخوف من " غضب الله "، و" الرغبة في الستر " ، و العمل " في مهنة شريفة "، و" الحرام " ، ويتكرر بكاؤهن . ويرصد الكاتب طبيعة شبكة الوسطاء من سائقي التاكسي ، إلي القوادات، بل وإلي القوادين من داخل الأسرة كالأخ والأم والأب أحيانا ، وعمال الفنادق ، والبوابين في العمارات ، غير الشبكات الدولية ذات الأذرع المحلية . ثم ظهر " الانترنت " في السنوات الأخيرة كوسيط منافس يروج حتي لما يسمي " بالزنا الالكتروني " . وعلي المستوي الدولي تعد أمريكا أحد أكبر مراكز التجارة في البشر، وأكبر مصدر لعولمة تجارة الجنس بإنتاج المواد الإباحية من أفلام وشرائط وفيديو كليب قدرت مبيعاتها سنويا بستة مليارات دولار. وتمتد ظاهرة الاتجار في البشر إلي معظم أنحاء العالم ، خاصة بلدان العالم الثالث الفقيرة : أندونيسيا ، وتايلاند ، واليونان ، وتركيا ، والمجر ، ومؤخرا دول الاتحاد السوفيتي السابق : أكرانيا وغيرها . وأخيرا يتعرض مدحت الزاهد إلي إحدي النتائج الجانبية لظاهرة تجارة الجنس ، أي وباء الإيدز الذي أصاب نحو ستة وثلاثين مليون في مطلع الألفية الجديدة ، منهم ستة مليون في جنوب أفريقيا وحدها . كيف يمكن مواجهة تجارة الجنس؟. يشير الزاهد إلي أن سياسة المنظمات الدولية في ذلك المجال هي تخفيض مخاطر الظاهرة ، بينما المطلوب ليس تقليص المخاطر لكن تجفيف المنابع الأصلية للظاهرة : أي التصدي للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تصنع تلك التجارة التي يختلط فيها بيع الروح الإنسانية ببيع اللحم . هذا عن الكتاب ، أما عن الكاتب الصحفي والصديق العزيز مدحت الزاهد، فإنه ليس بحاجة إلي تقديم ، وهو صاحب قلم شريف معروف ، لم يبهت خطه دفاعا عن هموم الناس ثلاثين عاما في الصحافة المصرية ، وحين ترأس تحرير جريدة " التجمع " عام 2004 قفز بها في وقت قياسي إلي دائرة الصحف المقروءة ، ثم خاض بعد ذلك التجربة مع جريدة " البديل " عام 2007 نائبا لرئيس التحرير . وصدر له عدد من الكتب الهامة منها " عولمة ضد العولمة " ، و" مدافع شارون " ، وأيضا " مستقبل العمل الأهلي في مصر "