طفل الصنوبر الذي خاض كحلَ الماء.. انهرقَ علي حجارة السوق، وتبعثرت غرّته المخفوقة .
المرأةُ التي وضعت جنينَها الذي مات.. ونزفت، ورأي جنودُ الحاجز عورتَها وصراخَها الوحشيَّ.. هي نفسُ المرأة، التي كسرت شاشةَ التلفاز، عندما رأت أحدهم يُعانق الضابطَ، الذي حَدَّقَ بين فخذيها .. وتلمَّظ!
الأشباح لا تبكي! وحدنا مَنْ يملك الدموع..منديل أمّي قبل عامورة ومسّادا.. بآلاف السنين!
يعود الجنودُ من الحرب، وكثيرٌ من الفولاذ في وجوههم.
لم يعقد هذا الرجل البسيط هدنةً مع الذين طردوا جاره، ولم يرَ في الشارع الثاني ما يدعو إلي الطمأنينة، لهذا دقَّ الفولاذ في صدور أولاده، وعلّم أحفاده الفرق بين النعاس والحديد، وراح يردّد علي مسامعهم الأغاني القديمة..
سأرفعُ إيلياء زهرةً زجاجية ، إلي أن تُطاول النجومَ، التي تراقب الأرضَ المُدمّاة والمُنْتَهكة .. والحالمة ، وإلي أن تصبح المدينةُ شمعتي البابلية البيضاء .. التي سأُفكّر بها كل يومٍ، وإلي الأبد . ولهَم أن يواصلوا التَّيه، مرةً أُخري، في صحراء مُطْفَأةٍ عجوز .. ويأكلوا عُشبةَ الليمبوس السامّة، ليتخلّصوا من الصور التي تتراءي لهم في الكوابيس، وكانوا فيها يذبحون الحَمام، دونما سبب، ويهرسون النرجس والفرفحينة والخبيّزة ببساطيرهم، وهم يطاردون الطائرَ والظبي والحطّاب، ويفتحون صدرَ النجمة، ليلتهموا قلبها المفعم بالحب والحياة، لتجدّد أمّهُم الساحرةُ شبابَها البشعَ الغائر .. ولن يكونوا مثل ملكة تدمر، التي أكلت العُشبةَ، قبل أن تصل روما، لكي لا يراها أهلُ المدينة مقيّدةً ذليلة .. لقد ماتت زنوبيا من أجل كرامتها ، ويموتون مثل الضباع السائبة والنسيان .. أو كما قضي القيصرُ مذبوحاً علي الدرج . عندها، سيري الرعاةُ نجمةَ الميلاد من جديد، ويلد السلامُ في الحقول ..
.. وأخيراً وجدوا عصا الراعي التي كانت مثقوبة ومجوّفة كأنبوب مستقيم، وكلّما هبّت الريح، صارت ناياً يجرحُ الشريان.
الشيخُ الذي حمل المدينةَ، لم ينتبه أنها سقطت عن ظهره، لكنه ظلّ ممسكاً بالحِبال.
ولم تسقط الإضمامة من يد بائع النعناع.. رغم الرصاصات العشرين .
العَلَمُ الصغيرُ الذي رسمه الفتي علي عارضة عَرَبته الخشبية كان كافياً لأنْ ينوس كالذّبالة، وينطفئ بدمه العارم .
معتقداتهم العمياء تمنعني من الدخول إلي معابدهم السوداء .
.. وأطفأ سيجارته في البرعم الصغير، وطقّ الغشاءُ واللحمُ والزغبُ.. ولم تعترف! لقد افترعها الجمرُ، وخسروا كل شيء .
الجرّة التي عثروا عليها في كهف الحوش.. كان فمها مغلقاً بقماشة الطين، وحينما فضّوها سال البرق علي المصطبة .
كانونُ الجَمْر والدلّةُ وبساط الصوف والمنقل والركوة ووجوه العائلة المرصوفة، لكنّ الرعد لم يظهر في الصورة، ولم نسمع الريح، ولم يأخذنا الفَوحَان .