خريطة في كتاب لفتت نظر طالبة وحيدة بين طلاب جامعتين يدرس فيهما الكتاب، وقد اهتمت "أخبار الأدب" كما اهتمت صحف أخري بالمواجهة بين الطالبة وأستاذتها في جامعة حلوان، التي بدأت بشكوي الطالبة للكلية من تدريس كتاب يعترف بالكيان الصهيوني، وانتهت بدعوي قضائية من الأستاذة ضد الطالبة انتهت ببراءة الأخيرة من تهمة البلاغ الكاذب. ولم يكن يهمنا في هذه القضية الانتصار لطرف علي حساب الآخر، بل السعي وراء الحقيقة. وعندما دخلنا السرداب أذهلتنا الحقائق التي نعرضها في هذا الملف، فيما يتعلق بمستوي التعليم في مصر وكفاءة الأستاذ والطالب الجامعي، وما يسود مجال نشر الخرائط من فوضي، تعد جريمة كاملة الأركان بحق مصر، وتستدعي إجراء فورياً، لمنع هذه الفوضي التي تعرض أمن مصر والأمن القومي العربي للخطر، بما تقدمه من خرائط تتطوع بإهداء أجزاء من مصر وفلسطين كلها للاحتلال العنصري الصهيوني في فلسطين! زارنا الأستاذ الدكتور فتحي محمد مصيلحي، صاحب الكتاب الأزمة "الجغرافيا الاقتصادية بين النظرية والتطبيق" الذي يدرسه منذ سنوات في جامعة المنوفية، كما تدرسه زوجته في جامعة حلوان، وأغرقنا بطبعات متعددة من الكتاب، الذي اعترضت الطالبة أسماء علي خرائطه، وفوجئنا بجداول الدخل والإنتاج تدرج إسرائيل والصحراء الغربية في قائمة الدول العربية. أ.د فتحي مصيلحي أهدانا مشكورًا كتابًا آخر من كتبه الستين بعنوان "خريطة القوي السياسية وتخطيط الأمن القومي بالشرق الأوسط والمنطقة العربية" والكتاب بمحتواه ينفي عن الأستاذ تهمة التطبيع أو التواطؤ المتعمد؛ فهو يشير إلي الاستيطان الصهيوني ومؤامرة تغيير الوضع الديموغرافي في فلسطين، موردًا إحصاء بعدد يهود فلسطين عام 1856 الذي لم يكن يتعدي العشرة آلاف بنسبة أربعة من عشرة بالمئة من سكان فلسطين، قبل أن تبدأ موجات الهجرة الاستيطانية. لكنه إذ يصف عملية إنشاء إسرائيل يقول إنها عملية إنشاء "الدولة العبرية الثالثة" وكأنه يتطوع بتأسيس مرجعية لهذا الاحتلال العنصري من خلال ربطه بمملكتي داود وسليمان اللتين لا توجد مصادر تاريخية تقطع بوجودهما، وإنما تتأسس أخبارهما علي المزاعم التوراتية، وترفضهما مدارس التأريخ الحديثة كما تنفي الكثير من القصص وبينها قصة الخروج من مصر، وبين المؤرخين الإسرائيليين من يقول بأنهما كانتا أقرب أقرب إلي حكم القبيلة. وعندما يريد أن يصف سلوك الدولة العبرية العدواني، يشبهه بالفكر التوسعي الألماني، وشتان بين النزعة التوسعية النازية التي ولدت كرد فعل علي التنكيل بألمانيا واقتطاع أجزاء منها عقب الحرب العالمية الأولي، وبين هجرة استيطانية تشبه تجربة الاستيطان الأوروبي في أمريكا وبريتوريا العنصرية. وإذا كان الدكتور فتحي مصلحي قد اقتسم الأرض بين اليهود والفلسطينيين؛ فإن كتاب "المجتمع المصري" بآداب القاهرة كان أكثر كرمًا فمنح كل فلسطين التاريخية لإسرائيل. الكتاب مقالات لعدد من أساتذة الكلية، والخريطة الكرية وردت في بحث بعنوان "التكوين الجغرافي للمجتمع المصري" بقلم أ.د محمد صبري محسوب والكتاب مراجعة (ألف دال أيضًا) محمد حمدي إبراهيم. كلهم الف دال، درجات جامعية تتضخم وترقيات، وطبعات تتعدد من الكتب، لا لتطوير المادة العلمية، بل لحرمان الطالب الفقير من الاستفادة بنسخة مستعملة من طبعة العام السابق، ولا تسأل عن وعي أو ثقافة أو إتقان. لكن فوضي الخرائط لا تشمل أساتذة الجامعة فقط، الذين يشكلون وعي الأجيال القادمة، بل تمتد لتشمل جهة رسمية مثل وزارة السياحة التي وضعت بكل اطمئنان خريطة ينتهي العمران المصري فيها غربًا في سيدي براني وشرقًا بمدن القناة، تاركة سيناء صفراء فاقع لونها كبقرة اليهود، أرض خالية بلا مدينة واحدة تسر الطامعين. هل هذه خريطة للترويج السياحي أم للترويج السياسي لمشروع توطين الفلسطينيين في سيناء؟! خريطة ليست أقل من جريمة، نطالب بالتحقيق فيها، كما نطالب بإصدار تشريع يجرم نشر الخرائط من مصادر غير رسمية، حتي لا تتحول هذه الخرائط إلي وثائق يستخدمها الأعداء.