مولاي إني ببابك قد بسطت يدي .. مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟ ربما يظل ابتهال الشيخ النقشبندي، واحد من الابتهالات التي ارتبطت بشهر رمضان المعظم ,التي ارتبطت أيضا بوجداننا وبأرواحنا لسنوات طويلة، وربما لهذا السبب أيضا اختار المنشد يوسف عمارة أن يعيد تقديمه ضمن الأشعار والأناشيد الدينية خلال الحفل الذي قدمته فرقة "مولاي" واستضافه مركز الربع الثقافي بالجمالية وسط أجواء المنطقة الروحانية. وتذكر العديد من المصادر أن الإنشاد الديني بدأ في زمن نبينا محمّد صلي الله عليه وسلم، وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث بأن بدايته كانت مع بداية الأذان حيث كان بلال المؤذن يجود فيها كل يوم خمس مرات، ومن هنا جاء التغني بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر علي أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وغيرها من البلدان، وأصبح له قوالب متعددة وطرائق شتي. وقد انتشرت في مصر مؤخرا العديد من فرق الإنشاد التي تعيد إحياء هذا الفن، وتعتبر فرقة "مولاي" التي تأسست بالإسكندرية عام 2015 علي يد المنشد يوسف عمارة واحدة من هذه الفرق التي استطاعت أن تحقق نجاحا كبيرا في فترة وجيزة. يقول يوسف عن السبب في تأسيس الفرقة : الأمر بدأ برغبة في إرسال رسالة سلام في خضم أحداث العنف العالمية، وجدت أننا لابد أن نعانق الحرب بالحب، ولذا تعتمد ألحاننا علي تأمل الطبيعة من حولنا، كما ننتقي الأشعار التي تسمو بالروح، فالروح ترتاح بالبراح، فإن توصلت بمسامع الجمهور لتلك المرحلة الفاصلة بين الواقع المزدحم والفضاء المتسع فقد حققت أولي رسالات السلام. يوسف عمارة مهندس ميكانيكا، إلا أنه عشق هذا الفن منذ طفولته, فقد درس الإنشاد في الصغر في كتاب المسجد، ثم بعد ذلك كان يقدم الابتهالات بالإذاعة المدرسية. ويضيف : التحقت بالكونسرفتوار في الإسكندرية لتعلم العود علي يد العازف السوري الدكتور محمد قدري دلال الحلبي ودرست علم الغناء علي يد الدكتور المصري محمد حسني قائد فرقة ابن البلد بالإسكندرية، ومؤلف موسيقي مسرحية قواعد العشق الأربعين عن رواية لإليف شافاق. وتضم الفرقة كلا من المنشد يوسف عمارة، والمرنم دانيال فايز،كما تختلف الآلات التي تصاحبهم في العزف بين الآلات الشرقية والغربية حيث تعزف بسنتي آمون علي الناي، وفيرينا ميلاد علي العود، وياسر سعدي علي العود،وبيشوي يوسف إيقاع ، إضافة إلي حسام رأفت، ومصطفي أبوالسعود، و حسين سليمان، ومحمد علي الذين يقدمون استعراضات المولوية التركية. ويمزج أعضاء فرقة مولاي بين الإنشاد الديني والترانيم القبطية وكذلك فن الدوران المولوي ، فللفنون الغنائية الدّينية أنواع متعدّدة حسب الدين مثل »المزامير « التي نجدها عند اليهود، و" التّرانيم " في المسيحية، و"الأناشيد " و "الأغاريد " في الإسلام. وعن بداية الفرقة يقول يوسف : اختيار الفرقة سبقته فترة كنت أقوم فيها بالابتهال بدون موسيقي، كما كان يفعل الشيخ نصر الدين طوبار بحفلاته، وأحييت أمسيات دينية بلقاءات ثقافية شعرية بمختلف الأماكن، ثم تطورت الفكرة للبحث عن تطبيق فعلي لصوتي مع الآلات الموسيقية، وقد ساعدني مايسترو كريم عبد العزيز قائد أوركسترا إسكندرية للموهوبين في انتقاء تخت موسيقي مكون من عود وقانون وناي وكمان وإيقاع. بعد ذلك بدأت باختيار أشعار من التراث وتلحينها مع الفرقة ومن ثم تم تنظيم أول حفل لفرقة مولاي بمركز الحرية للإبداع في شهر يوليو 2015، وذاع صيط الفرقة مع تسجيلاتنا علي تطبيق الساوند كلاود، ومن ثم التقيت بعاشقي فن الدوران المولوي.. وهم شباب وجدوا ما كانوا يبحثون عنه وكما قال مولانا جلال الدين الرومي ما تبحث عنه يبحث عنك من البداية، هم أيضا بحثوا عن قالب يصدقهم الإحساس فتتحقق أمانيهم في حالة من الانفصال عن الصخب بالدوران المولوي والإنشاد فكونا هذا الشكل المتناغم البسيط، وقد قدمنا حوالي 20 حفلة في سنة. ولكل واحد من أفراد الفرقة قصة مختلفة فدانيال فايز طالب ببكالوريوس هندسة قسم عمارة وهو عازف ايقاع ومرنم في الكنيسة، وقد كان يحرص علي حضور البروفات باعتباره صديق يوسف إلي أن أعجبته فكرة حب الله المشتركة وانضم كعازف ايقاع دف وفوكال، أما فيرينا فهي خريجة تربية نوعية 2016، وتعزف العود من 8 سنوات، وغنت ترانيم بالكنيسة، وسمعت من أصدقائها عن فرقة مولاي، فقررت الانضمام للفرقة حيث يتعاون الجميع في تلحين ودمج الترانيم مع الإنشاد... يقول يوسف : هناك أيضا مشروع لإقامة حفل لمولاي بالكنيسة. حين يعزف أفراد فرقة مولاي تذوب الحواجز وتندمج الألحان ويهيم الحضور في تلك الحالة الروحانية ، مع صوت يوسف وترانيم دانيال، ودوران راقصي المولوية الذي يغيب معها العالم ، ولا يتذكر الحضور سوي أن الله محبة وأننا جميعا ندين بدين الحب .