الجبهة الوطنية يعقد أولى دوراته التثقيفية لقيادات المحافظات ومرشحي الشيوخ    المؤتمر: وضعنا اللمسات الأخيرة للدعاية لانتخابات مجلس الشيوخ    السياحة عصب الاقتصاد    مطالبات بتنفيذ خطة لدمج المشروعات الصغيرة في سلاسل التوريد الصناعية    إسلام عفيفى يكتب: سد النهضة وخطايا التمويل السياسى    منتخب الشباب يفوز على منتخب الكويت الأولمبي.. وديا    ياسر عبد العزيز يكتب: الأهلى والزمالك والإسماعيلى نماذج واقعية لأزمات الكبار    ارتفاع عدد المصابين فى حادث أسيوط الغربى إلى 22 مصابا    ممثلة شهيرة تنجو من الموت على طريق دهشور    بروتوكول تعاون بين «الوطنية للصحافة» و«محمد بن راشد للمعرفة» |الشوربجى: دعم لوجيستى وتدريب مستمر للصحفيين    خاص| أشرف زكي ينفي خبر وفاة الفنانة زيزي مصطفى    "المهن التمثيلية" تنفي وفاة زيزي مصطفى والدة منة شلبي    الخبرة والشباب    حكم استخدام إنترنت العمل في أمور شخصية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم إظهار جزء من الشعر خارج الحجاب؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم التحايل على شركات الإنترنت للحصول على خدمة مجانية؟.. أمين الفتوى يجيب    «الصحة»: تكريم الدكتور خالد عبدالغفار بجائزة القيادة المرموقة من المجلس الأوروبي    أسواق الأسهم الأوروبية تغلق على ارتفاع وسط تقارير نتائج أعمال الشركات    وزير المالية : ندرس العودة مرة أخرى إلى «الصكوك» بعدما نجحنا في الطرح الأول لبيت التمويل الكويتي    في حادث غرق 3 شقيقات بأسيوط .. الإنقاذ النهرى ينتشل جثمان الطفلة آية    سنوات صعبة!    وزارة الصحة تكشف نتائج التحاليل فى واقعة وفاة 5 أطفال أشقاء بمحافظة المنيا .. اعرف التفاصيل    مصراوي يكشف تفاصيل أزمة حامد حمدان في ودية بتروجيت    خالد الجندي: تقديم العقل على النص الشرعي يؤدي للهلاك    أثليتك: مانشستر يونايتد يرفع عرضه لضم مبيومو    أثليتك: نيوكاسل يحاول ضم ويسا بعد انسحابه من سباق إيكيتيكي    وزيرة التنمية المحلية تبحث مع محافظة البحيرة مشروع تطوير المسارات والفراغات العامة بمدينة رشيد    أوباميانج لاعب حر فى السوق.. القادسية يعلن رحيل الفهد الجابونى    محافظ سوهاج: يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والوضع العام بقرية " المدمر "    أحمد سيد أحمد: "مدينة الخيام" الإسرائيلية فخ لتهجير الفلسطينيين وتفريغ غزة    حالة الطقس اليوم في السعودية.. الأجواء مشمسة جزئيًا في ساعات النهار    أشرف صبحي يلتقي بوزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية    غالبًا ما تدمر سعادتها.. 3 أبراج تعاني من صراعات داخلية    انهيار أرضي في كوريا الجنوبية ومصرع 4 أشخاص وإجلاء ألف آخرين    «التعليم» تعلن الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025-2026    ضبط 3 أشخاص لاتهامهم بغسل أموال ب90 مليون جنيه من تجارة المخدرات    شيخ الأزهر يوافق على تحويل "فارس المتون" و"المترجم الناشئ" إلى مسابقات عالمية بهدف توسيع نطاق المشاركة    وسط إقبال كثيف من الخريجين.. 35 ألف فرصة عمل في الملتقى ال13 لتوظيف الشباب    تفعيل منظومة انتظار المركبات داخل مدن الأقصر وإسنا والقرنة    القاهرة الإخبارية: ارتفاع حصيلة شهداء كنيسة العائلة المقدسة بغزة إلى 3    جامعة أسيوط... صرح أكاديمي متكامل يضم 19 كلية في مختلف التخصصات و5 معاهد بحثية متميزة    كشف ملابسات فيديو جلوس أطفال على السيارة خلال سيرها بالتجمع - شاهد    بين التحديات الإنتاجية والقدرة على الإبداع.. المهرجان القومي للمسرح يناقش أساليب الإخراج وآليات الإنتاج غير الحكومي بمشاركة أساتذة مسرح ونقاد وفنانين    رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماع مجلس الدراسات العليا "أون لاين"    مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى .. والاحتلال يعتقل 8 فلسطينيين فى الضفة    "IPCC" الدولي يطلب دعم مصر فى التقرير القادم لتقييم الأهداف في مواجهة التحديات البيئية    في 6 خطوات.. قدم تظلمك على فاتورة الكهرباء إلكترونيًا    هل الخوف فطرة أم قلة إيمان وعدم ويقين بالله؟.. محمود الهواري يجيب    ليفربول يقدم عرضا ضخما إلى آينتراخت لحسم صفقة إيكيتيتي    شوبير يكشف مفاجأة بشأن موعد عودة إمام عاشور لتدريبات الأهلي    إغلاق حركة الملاحة الجوية والنهرية بأسوان بسبب سوء أحوال الطقس    وفاة والدة النجمة هند صبري    فيلم الشاطر لأمير كرارة يحصد 2.7 مليون جنيه في أول أيامه بدور السينما    نائب وزير الصحة يعقد الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى لشباب مقدمى خدمات الرعاية الصحية    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: بروتوكول تعاون مع الصحة لتفعيل مبادرة "الألف يوم الذهبية" للحد من الولادات القيصرية    رئيسة الوزراء الإيطالية تدين استهداف الاحتلال لكنسية في غزة: الهجمات على المدنيين غير مقبولة    عشائر غزة تندد بالاستهداف الإسرائيلي الذي أدى إلى استشهاد 8 من عناصر تأمين المساعدات    مقتل امرأة وإصابة 3 إثر هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية في روسيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الذي يدفع فيلسوف بحجم ليبوفتسكي للكتابة عن الموضة؟
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 05 - 2016

ما الذي يدفع فيلسوف ذائع الصيت وعالم اجتماع مرموق مثل جيل ليبوفتسكي للحديث والاهتمام بأمر مثل الموضة، يبدو للكثيرين كموضوع "ثانوي" أو عنصر رفاهية بحت تتمتع به الانسانية؟
كان ذلك السؤال هو اول ما شغلني عند التعرض لترجمة هذا الكتاب، ومع معرفتي بالفيلسوف من خلال ترجمتي لكتابه "المرأة الثالثة" الذي سبق أن صدرت ترجمته عن المركز القومي للترجمة في عام 2012، لم أندهش كثيرًا وإنما انشغلت بالبحث عن الأسباب.
اشتهر ليبوفتسكي بالحديث عن سلوكيات الانسان في مجتمع ما بعد الحداثة أو بما أسماه مجتمع "الحداثة المفرطة" عبر الاهتمام بموضوعات تجلت في كتبه السابقة مثل "زمن العدم" (1983)، أو اللاحقة مثل "مجتمعات الاخفاق" (2006)، "السعادة المفارقة" (2006)، و"تجميل العالم" (2013) وصولاً لآخر كتبه "عن الخفة" (2015).
حين التفت إلي موضوع الموضة كان حريًا به أن ينظر إلي نشأة الظاهرة بطرق جميع الأبواب المؤدية إليها ، أو بمعني أدق، المحيطة بها، فكانت البداية البديهية هي النظر في البعد التاريخي والذي بذل فيه مجهودًا ضخمًا وملحوظًا بجمع مادة دقيقة عن الطبقات الاجتماعية وأزيائها وأفكارها إزاء الملبس والمظهر، دون إغفال الجماعات محدودة الانتشار في أماكن متفرقة من العالم متناولاً تفاصيل مظهرها مرورًا بمرجعيات الزي الثقافية وفقًا لعادات تلك الجماعات وتقاليدها، وصولاً لأسباب تغير نمط الزي وأسبابه هو الآخر.
كان للجانب الاجتماعي عنده، بصفته عالم اجتماع في الأساس، النصيب الأكبر في تحليله وعرضه. انتبه خاصة إلي أهمية عنصر التنافس بين الطبقات ونزعة المظهرية في نشوء وتشكّل وازدهار ظاهرة الموضة. فكلما ابتكرت طبقة النبلاء أو الطبقة العليا في أي مرحلة تاريخية زيا ما، كانت الطبقات الأقل تسعي، بعد بعض الوقت من ظهوره، لتقليده واستنزاله إلي طبقتها، وهو السلوك النابع من رغبة لاشعورية في الانتماء للطبقة الأعلي. بالطبع لم تكن الطبقة الأقل تستطيع في جميع الأحوال الاحتفاظ بتفاصيل وتكاليف الزي الباهظة بما لا يتناسب مع ميزانياتها وإمكانياتها المادية، فكانت تلجأ لتقليد مشوِّه بعض الشيء، مما يدفع بالطبقة الأعلي للتخلي عن الزي وابتكار آخر جديد تتميز به... لتستمر الدائرة الحلزونية.
لم يتوقف الفيلسوف عند البعد التاريخي والاجتماعي وانتقل إلي مناطق أكثر اثارة في تاريخ الموضة مثل نشوء الماركات العالمية وكيف استطاعت أن تجذب في ركابها، رغم الأثمان الباهظة لأزيائها، عددًا متزايدًا من الزبائن والمهتمين بها. لم تلبث تلك الماركات أن ووجهت بصناعة الملابس الجاهزة التي انتشرت في جميع أركان العالم بشكل سريع وكانت تحاكي تصميمات الأزياء الراقية والماركات العالمية مع الاستغناء عن بعض التفاصيل، هنا يوضح لنا الكاتب كيف تطور هذا الصراع وكيف تم حسمه.
ومع كون المؤلف لا ينتمي لعلماء الاقتصاد إلا أنه لم يستثنِ البعد الاقتصادي من عرضه بل وأفرد له صفحات عديدة، فنلاحظ جهدًا لافتا يقف خلف الأرقام والإحصائيات المختلفة والمتنوعة التي تدعم نظرياته وتفسر فرضياته، فكان كل فصل وكل فقرة مدعمة بما يمكن أن يقنعنا كقراء بمراحل تطور مسيرة الملبس.
لم يغفل الكاتب الموضات الحديثة التي قلبت الموازين وفرضها الشباب في العصر الحديث علي بيوت الأزياء بميولهم للتحرر والنزعة العملية والتخفف من قيود ومعايير الزي القديم مسترشدًا بالأسماء والتواريخ المحددة، ومعبرًا عن أسلوب حياة ونمط تفكير أجيال استطاعت فرض ذائقتها علي خريطة الموضة.
المدهش في الكتاب أنه لا يتوقف عند نمو الموضة وتطورها في مجال المظهر فقط بل ينتقل بنا إلي الحديث عن موضة الاجهزة والأدوات التي تستخدمها العائلات في البيوت والحياة اليومية، لنجد أنفسنا نعبر معه فوق جسر منطقي يربط بين ذوق الانسان المعاصر في الزي وفي باقي تفاصيل حياته اليومية لنكتشف مبررات وجيهة تحكم الاختيارات في كافة المجالات.
يتميز أسلوب الكاتب بالصعوبة، كعادة الفلاسفة، في تركيب العبارة واختيار المصطلحات، فينطبق عليه ما يقوله معظم النقاد "يستخدم أسلوبًا دقيقًا ومركبًا في الحديث عن أشياء بسيطة" إلا أنها وإن بدت بسيطة في ظاهرها فهي معقدة في عمقها، كما أن رحلة التفكير الفلسفي هي ما تستوجب هذه الصعوبة الاسلوبية. لذا، لم تكن ترجمة الكتاب بالأمر الهين، خاصة أنه ينتقل بين مستويين في الكتابة: مستوي التنظير ومستوي السرد التفصيلي لأسماء وتواريخ وغير ذلك، فكان من الضروري المحافظة علي المستويين في لغة الترجمة أي اللغة العربية.
تعتبر ترجمة كتاب "مملكة الموضة" الخطوة الثانية بالنسبة لي في مسيرة نقل فكر هذا الكاتب إلي العربية، بعد ترجمتي لكتابه "المرأة الثالثة"، أول كتاب يترجم للمؤلف إلي اللغة العربية، قناعة مني بأهمية أن تشتمل المكتبة العربية علي كتاباته لما لها من خصوصية علي مستوي الموضوع والاسلوب، ولافتقاد المكتبة العربية لمثل تلك الموضوعات بهذا العمق في التناول. كما يري ليبوفتسكي أن المكتبة الأوروبية أيضًا لا يوجد بها كتابات كافية في موضوع الموضة منذ كتاب رولان بارت الشهير "نظام الموضة" (1967) الذي لم يتناول كل جوانب الموضوع كما فعل ليبوفتسكي، غير انه اعتمد علي كتاب بارت كمرجع في بعض أجزاء كتابنا.
ترجمة العنوان الأصلي للكتاب هو: مملكة الزائل ، الموضة ومصيرها في المجتمعات الحديثة، إلا أننا عند الترجمة آثرنا تفضيل لفظ الموضة في العنوان الرئيسي كونه هو الموضوع الأساسي، مع الاحتفاظ بصفة الزوال الغرائبية التي تعد مصدر الدهشة في محتويات الكتاب في السطر اللاحق. وما يقصده ليبوفتسكي بالزوال هو الخسوف الذي يلحق بظهور موضة ما، ويعقبه شروق جديد لموضة أخري، إذن، فهو زوال يتجدد.
من هنا يتضح لنا أن اهتمام الكاتب بموضوع الموضة نابع من قناعته بضرورة سبر أغوار ماضيها وتاريخها بهدف فهم الرسم البياني المتذبذب لمسيرتها وما شهدته من تقطعات عبر مسيرتها، وللتأكيد علي كونها لا تتميز بالخفة التي يعتقدها الكثيرون، بل يتحكم فيها ويحركها أطراف عدة ومسارات تتجاور أحيانًا وتتقاطع أحيانًا أخري، مثلها مثل ظواهر أخري تؤخذ علي محمل الجد ربما أكثر منها.
لم يمر الكتاب عند ظهوره في فرنسا مرور الكرام، بل حظي باهتمام كبير من قبل المهتمين والمشتغلين بالموضة، فاعتبر كمرجع فريد في الأبحاث المنصبّة علي الموضوع. كذلك حقق الكتاب مبيعات مرتفعة وطبع طبعات عديدة منها طبعات شعبيّة، وهو ما يثبت اهتمام القاريء العادي به، وربما يرجع ذلك إلي ما بالكتاب من تفسيرات مثيره لسلوك الانسان العادي وما يولي من اهتمام بمظهره دون ان يتوقف أمامه بالتساؤل.
وقد اخترنا هنا هذا الجزء الذي يبدأ فيه الكاتب اسهابه في شرح جذور ونشأة ظاهرة الموضة والاهتمام الشديد بالمظهر، وهو من الأجزاء النظرية التي تتوازي مع أجزاء أخري عملية يتضمنها الكتاب الذي يصدر قريبا عن المركز القومي للترجمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.